وجهة نظر

العدالة والتنمية…أو حينما يصير التبرير منهجا”

كما أصبح مألوفا، بعد كل نكسة أو تنازل يقدمه حزب العدالة والتنمية إلا وتخرج فئة تحاول إطفاء نيران الغضب ولملمة جراح الغاضبين من هكذا تنازلات تضعف الوزن السياسي للحزب وتفقده شيئا فشيئا هويته الوطنية والنضالية.

قبل الحديث عن عموم اﻷطاريح التي قدمت مؤخرا لتجاوز اﻷزمة الحاصلة في صفوف العدالة والتنمية بسبب الموقف المخزي لهذا اﻷخير بخصوص قانون اﻷطار المشرعن لفرنسة التعليم، سنعود قليلا إلى الوراء لنحاول تقييم الترسانة التبريرية التي قدمت لتجاوز أزمة إعفاء بنكيران، وﻹقناع عموم المناضلين بالتخلي عن التمديد لبنكيران لولاية ثالثة، وتناسي لنقاش حيثيات تعيين الحكومة اللاشعبية التي يرأسها العثماني.

من الدفوعات التبريرية التي روجت آنذاك: اعتبار إبقاء بنكيران على رأس الحزب لولاية ثالثة، إعلانا للمواجهة مع إدارة الدولة، ﻻسيما أنه تم الترويج لكون الملك غاضبا على بنكيران، الشيء الذي برهن الزمن على بطلانه، فكيف لشخص مغضوب عليه من طرف ملك البلاد، أن يمنحه هذا اﻷخير تقاعدا استثنائيا، كذلك من اﻷباطيل التي روجت في حق بنكيران، أنه بمجرد بقائه في قيادة الحزب سيتم التضييق على عمل منتخبي الحزب والجماعات والجهات التي يسيرها العدالة والتنمية، لكن الواقع يأتي مرة أخرى ليبين لنا أن ما حصل هو عكس ذلك تماما. فالحزب برئاسة العثماني لم يسلم من التضييقات، بل زادت حدتها أكثر لاسيما ما حدث من بلطجة بكل من جماعتي الرباط وطنجة وعرقلة لاشتغالهما، مرورا بالحملة الشرسة على بعض قيادات الحزب كحامي الدين وماء العينين، دون التغافل عن المهازل التي مورست في حق متفوقي درعة تافيلالت وأطفال مخيم واد لو،(مع العلم أن الجمعيتين المشرفتين على أنشطة هؤلاء التلاميذ وهؤلاء اﻷطفال لا علاقة لهما بالعمل السياسي). كما أن ذاكرتنا أيضا لن تنسى مجموعة من الخزعبلات التي روجت من خلال استحضار فج للسياق الدولي وتخويف عموم أعضاء الحزب بمصير يشبه مصير اﻹخوان المسلمين في مصر من تقتيل وتعذيب وسجن وإغلاق للمقرات، كما لو أننا إزاء جماعة دينية سرية ومضطهدة خرجت لتوها من السرية إلى العلنية، ولسنا إزاء حزب سياسي مر عقدان من الزمن على ولوجه السياسة.

هذه العدة التبريرية المزينة ببعض الشعارات اﻷخرى، كالتدرج واﻹصلاح، وأن السياسة فن الاختيار وفن الممكن، كما لو أنه ﻻ إصلاح ممكن دون الخضوع والخنوع، وكما لو أنه لا خيار ممكن سوى التنازلات وهيمنة الرأي الواحد داخل اﻷمانة العامة للحزب. لكن مع هذا كله قبل عموم المناضلين هذه التنازلات على مضض حفاظا على وحدة الحزب، لكن للأسف وحدة بدون مضمون ولا معنى.

هنا سنعود للتوقف قليلا عند الدفوعات التبريرية التي بدأت تلوح هنا وهناك لتبرير التنازل اﻷخير لصالح اللوبي الفرنكفوني، هناك من عمد مرة أخرى بدون كلل ولا ملل لاستحضار نفس الدفوعات السابقة التي سبق الترويج لها في محطات سابقة(الخلفية الاصلاحية/الثورية، التدرج، موازين القوى، طبيعة النظام، توزيع السلط…) ظنا منهم أن المؤمن يمكن أن يلدغ من الجحر مرتين، في حين أن بنكيران أعلن في تصريح سابق أن سقوط الحكومة أهون من تمرير قانون اﻹطار، هذا الكلام كفيل بأن يدحض أي محاولة للتلاعب بهذه المصطلحات، كيف لا وهذا الكلام صادر عن رجل قضى 14 سنة من عمره كنائب برلماني و9سنوات كزعيم للحزب و5 سنوات كرئيس للحكومة، فتجربة الرجل تمنحه دراية أدق لموازين القوى وتوزيع السلط وطبيعة النظام…لكن هذا كله لم يسمح لبنكيران تبرير التخلي عن هوية الحزب الوطنية والنضالية، كما يبررها أطفال السياسة اليوم.

في إطار التبرير كذلك، هناك من لجأ للتفصيل في سرد إيجابيات قانون اﻹطار، مع محاولته ﻹعطاء توضيحات وشروحات بخصوص مفهوم التناوب اللغوي معملا بذلك مبدأ “حسن الظن” مع دولة بدأت في فرنسة المستويات اﻹعدادية في عدة مناطق حتى قبل أن يتم تمرير هذا القانون المشؤوم. إن هذه التوضيحات المملة لا تعدو أن تكون استخفافا بعقول المناضلين وعموم الشعب المغربي.

باﻹضافة كذلك لمن أراد التشويش على النقاش الحالي من خلال الغوص في التفاصيل المصاحبة لمسلسل صياغة القانون، والمحطات والتعديلات التي مر بها، انتهاء بمسرحية تمريره، مبرزا اﻷسس المنهجية المؤطرة لهذا الموقف المخزي كترجيح المصلحة العامة والتي ليست في اﻷصل إلا مصلحة المستعمر والطبقة الفرنكفونية، وأيضا السعي لتوافق مصطنع يرضي هذه اﻷخيرة ولا يرضي الحزب وعموم الشعب المغربي، كما تم تبرير هذا الموقف أيضا بالرضوخ لمؤسسة حزبية غدت فاقدة لاستقلال قرارها السياسي ومنقلبة على هويتها الوطنية والنضالية.

إن مسلسل إخضاع العدالة والتنمية وضمه لقطيع اﻷحزاب اﻹدارية المفتقدة للهوية الوطنية والنضالية، ماض عبر حلقات متتالية يتم فيها جر الحزب لتنازلات خطيرة توظف فيها آليات تبريرية الغرض منها تسكين اﻵلام والتطبيع مع هذه التحولات المفصلية التي تضرب في عمق هوية الحزب وتنزع عنه استقلاليته وإرادته.

بقلم: ياسين جلوني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *