وجهة نظر

من أجل ملكية برلمانية مغربية !

نريد أن نوفر أسباب النجاح لهذه المرحلة الجديدة، بعقليات جديدة، قادرة على الارتقا ء بمستوى العمل ، وعلى تحقيق التحول الجوهري الذي نريده : من خطاب العرش للملك المغربي محمد السادس: 29/07/2019

في سياق عودة الحديث عن الملكية البرلمانية كأفق سياسي مغربي راجح ، و خاصة من قبل شخصيات وازنة من قبيل أستاذ القانون الدستوري و مستشار الملك عبد اللطيف المنوني ، أود أن أشرك القارئ الكريم بوجة نظري حول هذا الموضوع بالغ الأهمية و الاعتبار ، و قد سبق لي أن كتبته منذ انطلاق شرارة حراك الشارع العربي مطالبا بإسقاط الفساد و الاستبداد ( 2011 )، مع بعض التغييرات الطفيفة المناسبة لمنطق المرحلة الراهنة !

1 – يحظى موضوع النظام السياسي المغربي باهتمام بالغ من قبل المراقبين و المنشغلين بقضايا السياسة العربية و الدولية ، لما راكمه من مكتسبات اقتصادية و اجتماعية و دستورية .. على الرغم من النقائص الكثيرة التي علقت به . فهو خلافا لما عهدناه في الدول العربية الأخرى كان سباقا لتجربة التعددية الحزبية و “قيم” النظام اللبرالي و الانتخابات الدورية في مناخ موسوم بالمواجهة السياسية المحتدة ، و التجاذبات المتوترة بين القائمين على السلطة و القوى الحية ، خاصة أثناء العقود الثلاثة التي أعقبت الاستقلال . و الآن و بفعل الغليان الذي تشهده مختلف الأقطار العربية ؛ و المتمثل في انتفاضة الشباب و الشارع بشكل عام منذ 2011 إلى الآن ، رغبة في إحداث تغيير جذري هيكلي في المنظومة السياسية العربية ، و طرح بديل ينسجم و متطلبات المرحلة الحالية ، بفعل هذه الفورة الشاملة ؛ يعود الحديث مجددا و بإلحاح عن راهن و مآل التجربة السياسية المغربية .

2 – و لئن كانت الحياة السياسية المغربية قد عرفت من جملة ما عرفت انتكاسات مريرة و توقفات غير مبررة ، ألجمت في غير ما مرة الخط المتنامي للتحول السياسي الممزوج بالألم و العرق و الدم ، فإن الشباب المغربي عاد بقوة و بألق متوهج ، ليرفع مطالب طالما أنعشت أحلام المناضلين بكل انتماءاتهم و مرجعياتهم الأيديولوجية و السياسية ، و لعل المناداة بإقامة الملكية البرلمانية استاثرت برضى العدد الكبير منهم. و في هذا المضمار فاجأ الملك المغربي محمد السادس الطبقة السياسية برمتها بخطاب 9 مارس 2011 ، الذي عد بحق خطابا تاريخيا ومفصليا في تاريخ الأمة المغربية ، لما تضمنه من مرتكزات و محددات تشكل ورقة طريق من أجل العمل لبناء مغرب الغد ، دون مزايدات سياسوية متجاوزة ، و خطابات ” إعلاموية” غير مدروسة.

والمتأمل في شكل هذا الخطاب المحوري، يستنتج دون عناء كبير ” البنية العميقة ” للملكية البرلمانية المتعارف عليها في أدبيات الفكر السياسي الكوني . إذ تم التأكيد على الجهوية الموسعة في المملكة المغربية ، و التعديل الدستوري الشامل القائم على مرتكزات مفصلية ، من قبيل المرتكز السادس الداعي إلى ” تخليق الحياة العامة ، و ربط ممارسة السلطة و المسؤولية العمومية بالمراقبة و المحاسبة”.

3 – ولعمري فإن مراقبة و محاسبة كل من يتحمل المسؤولية العمومية ؛ في قمة الهرم و قاعدته إن حدثت بالفعل ، هي لحمة الملكية البرلمانية و سداها . و لكن لماذا لم تتم الإشارة إليها بالواضح و بأسلوب الحقيقة ؟ سواء في الخطاب الملكي أو في تصريحات الرسميين و أصحاب القرار.. ؟ قد يكون هناك نوع من التخوف من هذا الأفق السياسي الجديد ، و عدم الاطمئنان لتبعاته و تأثيراته ” الجانبية ” ! وقد يكون عدم ذكر الملكية البرلمانية بالإسم هو الرغبة المبطنة في تطوير و تعميق الملكية الدستورية العصرية في مناخ سليم من المسلكيات السياسية المرفوضة؛ خاصة و أن النتيجة الحتمية و التاريخية للنظام السياسي المغربي هي الملكية البرلمانية بحصر المعنى ، على غرار باقي الأنظمة الملكية

الملكية الديمقراطية الغربية، حيث يغدو الملك حكما بين الفرقاء السياسيين الذين يتصارعون في جو سلمي متحضر ، و يتنافسون حول البرامج السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية .. خدمة للصالح العام، وتنافس سلس على السلطة عبر انتخابات حرة و نزيهة ، و فصل بين السلط و استقلال القضاء و تحرير وسائل الإعلام ..

4 – فهل الهياكل و المنظمات و الأطر السياسية و الأهلية المغربية مؤهلة لهذا الورش المحرقي ؟ و هل الحقل الحزبي الوطني مستعد لاحتضان هذا البديل الكوني؛ الذي يعانق أروع و أبهى ما انتهى إليه الفكر البشري من اجتراحات سياسية و دستورية ؟ ألسنا في أمس الحاجة إلى ثقافة نوعية جديدة ، تتطلع إلى

إحداث قطيعة معرفية مع التعاطي العفوي و الاندفاعي مع القضايا المصيرية للوطن ؟ في اعتقادي و كمتتبع للشأن الدولي و الوطني من السهل جدا أن نغامر بالانتقال من نمط من الحكامة إلى نمط آخر مخالف، ومن نسق منظومي إلى آخر، ولكن من الصعب أن نضمن النجاح لهذا التحول “العظيم” دون تهيئة الظرف “اللوجستيكية ” والثقافية المناسبة . وهكذا يتضح مما سبق؛ أننا لانخاف من الملكية البرلمانية بقدر ما نخاف عليها ، انطلاقا من إيماننا الراسخ بكون مستقبل الملكية المغربية المشرق في النظام البرلماني العصري؛ مع الأخذ بعين الاعتبار الخصوصية المغربية بعيدا عن الدعوات الانتكاسية الماضوية و النزعات العدمية اللاوطنية . فهل نحن مستعدون كمغاربة لكسب رهان التحدي و المساهمة الجماعية في بناء مغرب الغد ؛ مغرب الديمقراطية و العقلانية و الأمل !؟

* كاتب من المغرب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *