وجهة نظر

هل أصبح مسموح المس بثوابت المملكة المغربية‎

نص الدستور المغربي في فصله الأول على ثوابت جامعة تتمثل في: الدين الإسلامي، الوحدة الوطنية والملكية الدستورية. كما اتخذ للمملكة المغربية شعار يجسد الثوابت في الفصل الرابع من الدستور وهو: الله، الوطن، الملك. كما يعلم الجميع أن ترتيب الفصول والفقرات في النصوص القانونية ذا أهمية بالغة، حيث يكون تقديم وترتيب الأولويات حسب الترتيب الوارد. لذا فإن الفصلين المشار اليهما أعلاه وإن حددوا ثوابت المملكة بشكل لا يقبل النقاش، يبقى التساؤل مطروحا بخصوص من يحظى بالأولوية لما نشهده من أحداث في الساحة السياسية، ولو أن فحوى النصوص واضح لكل ناظر منا، وأن ترتيب الثوابت الوطنية من حيث الأولوية لا يحتاج إلى أي اجتهاد منا. ليكون الدين الاسلامي في المرتبة الاولى متبوعا بالوحدة الوطنية ثم أخيرا الملكية الدستورية. وان احتمال وقوع تعارض بينهما هو من سينشئ النقاش لتحديد بمن سنحمي أولا. بيد أننا نحمد الله على عدم حصول هذا التعارض والتصادم، لأن حصوله؛ لا قدر الله؛ هو بداية الفتنة.

حتى لا تفوتنا الفرصة، لابد من التأكيد على أن الدستور المغربي يضمن لكل فرد حق ممارسة شؤونه الدينية، وأن حق حرية الفكر والتعبير والرأي مكفول أيضا بنفس النص الدستوري. لكن الحرية كما يقال تنتهي عندما تبدأ حرية الآخر، وأن القوانين تنظم المعاملات حتى لا تعم الفوضى باسم الحرية والتعبير. لذا لابد من أخذ الحيطة والحذر عند اصدار آرائنا والتعبير عنها لاسيما التي يكون لها آثار سلبية او تمس بأشخاص ذاتيين أو معنويين. فكم من شخص تعرض لأشد العقوبات لكلمة ألقاها أو فعل أتى به، علما أن كثيرا من الناس لا يبالون بأثرها بل يعتبرون ذلك من حرية التعبير والرأي. وحتى يتضح لنا المفهوم أكثر لابد من التمثيل، لنُذكر ببعض الأحداث التي خلقت أزمات سياسية ودبلوماسية لمجرد كلمات ألقيت هنا وهناك.

سبق لدولة المغرب أن أقامت الدنيا عندما تجرأ البعض على وحدته الترابية بإظهار خريطة المغرب مبتورة من أراضيه الصحراوية، وكادت أن تعصف الأزمة بالعلاقة بين دولة قطر لهذا السبب، بل انسحب ممثلي الدولة من مؤتمرات دولية وإقليمية لأكثر من مرة بنفس السبب. وما علينا إلا التصفيق والتنويه لكل من انتفض ودافع عن وحدتنا الوطنية، بل يجب معاقبة كل شخص ثبت تقاعسه أو انخراطه في أي حدث مست فيه وحدتنا الترابية ولم يحرك ساكنا.

لكن للأسف الشديد، لا يتم التعامل مع المس بثوابت الأمة بنفس الحرقة والغيرة، بل يؤسفنا القول بتقاعس نفس من ترتعد اركانه عندما يتعلق الأمر المس بأقوى ثوابت الدولة وأولها (الدين الإسلامي)، إن لم نقل مشاركة بعضهم في المس بأقوى ثوابت الدولة.

وبهذه المناسبة، نود الإشارة الى مهرجان ثويزا المنظم من طرف مؤسسة المهرجان المتوسطي للثقافة الأمازيغية بطنجة، والذي اُتخذ منه الاساءة والاستهزاء بالدين الاسلامي مبدأ، لأن كل مرة يخرج علينا أحد السفهاء بالغرائب والعجائب من خلاله. ولعل الخرجة الأخيرة لأحدى رموز الجهل المركب في الدورة الخامس عشر للمهرجان والذي اتخذ شعار “تحول القيم في العصر الرقمي” أكبر دليل وحجة، ليثبتوا لنا أن انعدام القيم عند كل مشارك في تنظيم هذا المهرجان البئيس امسى حقيقية مطلقة لا تقبل الشك، وأن تحول القيم صار الى الصفر بلغة الارقام. ونتأسف لكون المهرجان البئيس يحظى بمباركة بعض مؤسسات الدولة وممثليها.

إن تجرأ الجهلة بلغ مستوى يستوجب تدخل الدولة بكل قوة للحد من المس بثوابت الامة كما هو منصوص عليه في دستور المملكة والذي حظي بالإجماع، وان أي تهاون يعتبر مساهمة في إعلان الحرب على الدولة وسيادتها. كما لا تفوتنا الفرصة المطالبة بمعاقبة كل مسيء لدولتنا وفق ما تنص عليه القوانين المصادق عليها في برلمان الأمة، بل لابد من استدعاء كل من شارك في تنظيم هذا المهرجان البئيس وعلى رأسهم ممثلي المؤسسات الرسمية وغير الرسمية. وهذا لا نعتبره حدا لحرية التعبير بقدر ماهي فرصة لتحصينها وحمايتها، وإلا جاز لكل من هب ودب التشكيك في ثوابت المملكة. بل يمكن ان نذهب بعيدا كما ذهب اصحاب الجهل المركب الترخيص لمهرجانات تجعل من قضية الوحدة الوطنية موضوعا للنقاش والتشكيك في مغربية الصحراء تحت مسمى الحرية وإبداء الرأي ! بل لو استمر المنطق المعوج والمتعامل به، لجاز القول بإعادة النظر في النظام السياسي المغربي وتسفيه كل المغاربة لظنهم أن النظام الملكي خرافة وامتداد لعصور الظلام والتخلف.

ختاما، ان الدعوة الى التغيير وركوب سفينة الحضارة لا يعني بالضرورة تجاوز كل ما تملك الأمة، ولا يعني ابدا التجرؤ لدرجة بلوغ مستوى الوقاحة على ثوابتها، وان التنوير الحقيقي هو محاولة الإبداع من داخل ثقافتنا محترمين خصوصية كل بلد. وان نقل الأفكار الحداثية (حسب ادعاء أصحاب الجهل المركب) ما هو الا تقليد لغيرهم بل نقل لثقافة قديمة تجاوزها الزمان ان احتكمنا كما يعتقدون الى تاريخ ظهور الافكار. وان المنطق المتعامل به من طرفهم يقتضي إبداء الوقاحة المعهودة منهم في كل القضايا وعدم الاكتفاء التوجه الى الدين الاسلامي والذي يزداد قوة بعد قوة عند التهجم عليه. اللهم ارزقنا المنطق والعمل به.

حسن المرابطي
باحث في القانون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *