وجهة نظر

فهلوة العثماني

للكاتب المصري حامد عمار كتاب ظريف يحمل عنوان ( في بناء البشر) يحكي فيه عن أصل مفردة ” الفهلوة” وأنماط التحول في الشخصية المصرية وتشكيل الفرد في المجتمع ضمن حدود مظاهر السلوك والقيم الرابطة لأنماط مختلف المواقف والعلاقات الاجتماعية.

يزعم الكاتب عمار أن نموذج الشخصية الفهلوية يسود العقل المصري، ويختزل فعاليته الاجتماعية والثقافية في خفة الروح وانقياده الوديع للحماسة الشعبية، وذكائه المثير وانحيازه للواقع وقدرته الفائقة على فك الألغاز والأسرار الكبرى.

أصل كلمة ” الفهلوية” فارسية، وتعني الشاطر الذي يتكيف سريعا مع متغيرات المجتمع. ومنها ترجمة فعل الفهلوي للمحتال الذي ينصب ويكذب ثم يختفي.

ومثل ذلك يطلق على قطيع الساسة مهما كانت انتماءاتهم الأيديولوجية أو الحزبية، ينتمون لمدرسة الفهلويين الجدد، الذين لا يجدون غضاضة في الانقلاب على الأفكار والمعتقدات دونما ارتهان على قيم الرأي أو التزام بمواثيق.

الفهلويون يحملون شعارات تتعاطى مع متغيرات السياسة وتلوناتها، يبيعون ويشترون ويقبضون بالمقابل، وهم إلى هذا وذاك يدسون الشعارات البراغماتية تحت مسميات عدة وواجهات متعددة، ومن أكثر وسائل التنظيم الميكيافيلي حضورا وتغلغلا في أدبياتهم استعمال ملاحف المرونة وجاهزية الهضم السريع وتمثل النوازل مهما كانت درجات خطورتها، مع ما يصاحب ذلك من آليات التنفيذ والمقايضة، حيث تستعمل كل معابر النفاق والمجاملة والمداهنة وتغطية المواقف وتورية الأحاسيس والمشاعر.

وأنا أراجع تصريحات السيد رئيس حكومتناسعد الدين العثماني تفتقت أسمال ارتقاء درجات سميكة من الفهلوة السياسية بنفس المنحى الذي عايناه في سلوكيات سادتنا الفهلويين، الذين يقولون ما لا يفعلون، ويجاهرون بما ليس في الواقع.

طيلة سنة ونيف ورئيس حكومتنا يدعو المغاربة إلى الافتخار بتجربة البلاد، معززا قوله أن ” المغرب رائد إفريقي في البنيات التحتية والطرق السيارة والمزدوجة، فضلا عن قطاعات النقل السككي والموانئ البحرية” “”يجب الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر لضمان التنمية داعيا إلى متابعة الإصلاحات التي سيكون لها مردود مهم على حياة المواطنين!؟

نفس الأسطوانة تتردد على مسامعنا طيلة سنوات قبل وإبان العثماني ولا شيء يظهر في الأفق. ما يتضح بجلاء انتشارتيار الفهلوة الشعبوية وافتتان الناس بخرجات مهرجين ملاعين يصارعون في ظل مشهد غوغائي بئيس وفوضى سياسية مأفونة، بكل ما أوتوا من أساليب التزييف والإفساد وتقويض الأعراف والقوانين ومواثيق الأخلاق.

سعد الدين العثماني الذي عرف بصمته والتباس مواقفه وتأرجحه بين المبدئية السياسية وقيم النضال الحزبي والتحرر الديمقراطي، بات يتكلم عن كل شيء، في المغرب الجديد والرؤية الاستراتيجية والتنمية المستدامة ومغرب النجاح …إلخ ، لكنه لم يجد حلا للمشاكل المتفاقمة في كل ميادين خدمات المواطنين البسطاء، الذين خرجوا في عهد حكومته المفككة للاحتجاج على استرخاص الكرامة وضرب حقوق الشغيلة وتجدد مطالب الأساتذة المتعاقدين وطلبة الطب، عدا معضلات فشل التعليم بفرض لغة المستعمر وتدهور خدمات الصحة وتغول القطاع الخاص فيها، وارتفاع أسعار المواد الغذائية وفواتير الماء والكهرباء ومواد الغازوال …إلخ. بعد أقل من أسبوع على خطاب الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش الأخيرتضمن انتقادات للنخب السياسية والإدارة، أعلن العثماني إنشاء برنامج “واقعي وسريع” بهدف تنفيذ التعليمات الملكية، حيث ستشمل التدابير الرئيسية إصلاح الإدارة، وتشجيع الاستثمار وتبسيط الإجراءات الإدارية،وعلى نفس إيقاع فهلوة الترقيع واسترخاص الوضعية المأزومة أصلا وحقيقة، يسارع السيد العثماني من جديد لتحقيق قوة السبق في انتشال المتتبعين من آمالهم العريضة، بعد شحنة ضوء منبعثة من مضامين خطاب الملك السالف الذكر، وصعقهم بمنبهات إبرائية جديدة لعل وعسى!

والغريب العجيب أن في كل ذلك، ما بين المكر والخديعة يوجد خيط الفهلوة، مع العلم أنالخديعة والمكر متشابهان ومتماثلان مع أنهما يظلان مختلفان ومتغايران، فالممكور به لا يحتسب أن يأتي من الماكر سوء. ولكن المخدوع عداوته ظاهرة، لكنه ينتظر السوء ويتحسب له من طريق فيفاجئه من طريق آخر.

نفس الشيء وقع للعثماني وهو لا زال على فهلوته، يتربص خادعا وينصب نفسه ممكورا به، وهو إلى ذلك يبيع القرود ويضحك على أذقاننا بأسنان مليئة غيضا!

صحيح كما قال المثل القديم ” الرأس الممشوط يخفي أقداما قبيحة!؟”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *