سياسة، مجتمع

من هي الأطراف المسؤولة عن “فاجعة ملعب الموت” بإقليم تارودانت؟

ما أن تسقط أرواح المغاربة جراء الحوادث والكوارث الطبيعية والإنسانية حتى تتعالى الأصوات المطالبة بضرورة إقالة أو استقالة المسؤول عنها، لكن كثرة المتدخلين، وتمييع المسؤولية، وغياب ثقافة المحاسبة، وتهريب النقاش إلى الأمام، وانعدام التفاعل مع لجان تقصي الحقائق البرلمانية تحول دون ذلك.

وقد كشفت حادثة “ملعب الموت” بإقليم تارودانت، المودية بحياة 8 أشخاص، عن استمرار نفس النهج في التعامل مع الكوارث الطبيعية، في مشهدا تراجيدي يعيد إلى الأذهان واقعة فيضانات الجنوب والجنوب الشرقي المؤدية بحياة 47 شخصا سنة 2014، وكيف تم إقبار لجنة تقصي الحقائق البرلمانية دون تحديد المسؤول.

بما أن كل مؤسسة وجهة تحاول التهرب من المسؤولية ورميها على أطرف أخرى مرة، وعلى القدر السماوي أو على “التقواس” والعين الشريرة مرة أخرى، فإن السؤال من المسؤول عن فاجعة “ملعب الموت” بتارودانت؟ مازال قائما، وإلا توزعت المسؤولية بين القبائل كما يقال.

مسؤولية الدولة

لقد أعاد الإطار السابق المكلف بمنازعات الدولة عبد الكبير الصوصي العلوي نشر مقال كان قد كتبه بمناسبة فيضانات الجنوب والجنوب الشرقي سنة 2014، أكد فيه أن الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العامة، تبقى مسؤولة عن أضرار الفيضانات التي شهدتها بعض مناطق المغرب، كل فيه يخصه وبحسب مجال تدخله”.

ولم يتوقف الأستاذ الجامعي عند تحميل تلك المؤسسات المسؤولية، بل أكد أن من حق المتضررين من هذه الفيضانات رفع دعاوى قضائية أمام المحاكم الإدارية لطلب التعويض عن الأضرار التي لحقت بهم، ممثلا لذلك بقرار من حكم لمحكمة إدارية قضت بتعويض متضرر جراء الفيضانات.

وبالعودة إلى “قانون رقم 15-36 المتعلق بالماء”، نجده يمنع تشييد البنايات والتجهيزات في المناطق المهددة بخطر الفيضانات إلا بترخيص مشروط بحماية المساكن والممتلكات الخاصة المتاخمة ، مسندا لوكالة الحوض المائي وضع “أطلس المناطق المعرضة للفيضانات”.

“أطلس الفيضانات”

ينص قانون الماء على أنه “يمنع في الأراضي التي يمكن أن تغمرها المياه إقامة حواجز أو بنايات أو تجهيزات أخرى من شأنها أن تعرقل سيلان مياه الفيضانات بدون ترخيص إلا إذا كان الغرض منها حماية المساكن والممتلكات الخاصة المتاخمة”.

ويسند القانون إلى وكالة الحوض المائي وضع “أطلس المناطق المعرضة للفيضانات” يحدد هذه المناطق حسب ثلاث مستويات لخطر الفيضان: ضعيف أو متوسط أو مرتفع. وهنا يطفو سؤال هل تتوفر الأحواض المائية الموجودة بالمغرب على أطلس المناطق المعرضة للفيضانات؟

بالرجوع لمواقع الكترونية رسمية لبعض وكالات الأحواض المائية نجد أنها لا تشهر أطلس المناطق المعرضة للفيضانات إن كانت تتوفر عليه أصلا، إلا أن مذكرة “حول المخاطر الطبيعية والتكنولوجية” لكتابة الدولة لدى وزير الطاقة والمعادن والتنمية المستدامة المكلفة بالتنمية المستدامة إلى وضع “أطلس مخاطر” قالت إنه يهدف لجعل المسؤولية مشتركة بين الدولة والمواطنين من جهة، وأدرج الوقاية من المخاطر ضمن السياسات والاستراتجيات الوطنية للتنمية، من جهة أخرى.

“الحوض المائي”

ولا يجعل قانون الماء المسؤولية على عاتق وكالة الحوض المائي لوضع مخططات الوقاية، بل ينص على أنه “تضع وكالة الحوض المائي مخططات للوقاية من أخطار الفيضانات للمناطق المهددة بخطر متوسط أو مرتفع للفيضان بتنسيق مع الإدارة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية ولجان العمالات والأقاليم للماء المعنية التي تسهر على تنفيذها كل فيما يخصها”.

وهنا يرى الباحث أيوب أيت حمو أن وكالة الحوض المائي تعتبر الفاعل الرئيسي على المستوى الترابي الذي يعني بوضع الخطط والاستراتيجيات الرامية إلى تهيئة وتدبير الموارد المالية، وكذا ضبط وتقنين استغلالها، ملاحظا أن خطة عمل لوكالة الحوض المائي لأبي رقراق والشاوية لفترة 2012-2016 على سبيل المثال قدمت 4.71 مليون درهم في مشروع لحماية مركز جماعة المعازيز من الفيضانات.

وتأكيدا لمسؤوليتها أكثر، شدد قانون الماء على أن وكالة الحوض المائي تقوم بالنسبة للمناطق المهددة بخطر متوسط أو مرتفع للفيضان بإعداد نشرات إخبارية تتضمن معطيات حول الحمولات المتوقعة، ووضعها رهن إشارة السلطة الإدارية التربية المعنية في حالة وجود خطر الفيضان.

“مديرية الأرصاد”

وفي هذا المستوى، نجد أن حادثة “ملعب الموت بتارودانت” قد حدثت رغم صدور نشر إنذارية للإقليم، ليس من وكالة الحوض المائي، ولكن من مديرية الأرصاد الجوية التابعة لوزارة التجهيز والنقل واللوجستيك والماء منذ الساعة 11H06 من يوم الأربعاء 28 غشت 2019، أي ساعات قبل حدوثها.

وبما أن مديرية الأرصاد الجوية التابعة لوزارة التجهيز والنقل واللوجستيك والماء فإن ذلك يعني علم مجموعة من الأطراف بوجود خطر محتمل خصوصا السلطة المحلية ورجال وزارة التجهيز والنقل وكل العناصر المعهود لها بحماية المواطنين من مخاطر الكوراث الطبيعية، وإذا كانت السلطات المختصة قد فتحت تحقيقا في الحادث فيجب أن يشمل كل المتدخلين.

“تحذير سابق”

ومن جهة أخرى، فقد حذر أبناء المنطقة من مخاطر محدقة بالملعب قبل شهر من الواقعة، ومازالت تدويناتهم وتعليقاتهم موجودة، زد على ذلك أن تشييد الأبنية والملاعب وغيرها من المؤسسات تقضي وجود دراسات تقنية وتراخيص من لدن السلطات المختصة.

وإذا كان التهرب من المسؤولية هو ديدن البعض، فإن توقعات تقرير مجموعة البنك الدولي “مواجهة الواقع المناخي الجديد”، تنبه إلى أن 1.8 مليون مغربي مهدد بمخاطر الفيضانات، مضيفا أن المغرب من ضمن البلدان الأكثر عرضة لمخاطر ارتفاع منسوب سطح البحر على مستوى العالم إلى جانب كل من مصر وتونس وليبيا، فكيف سيتم التعامل مع هذا المعطى؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *