وجهة نظر

تحقيق النموذج التنموي في المغرب وأهمية تفعيل المحاسبة ضد المفسدين

بعد سنوات من الإخفاقات وتبدد آمال الملايين من المغاربة، بعدما انتعشت غداة إقرار أعلى سلطة في البلاد إصلاحات تحركت معها الرياح الراكدة في الساحة السياسية، وبعد حوالي عشر سنوات على إقرار دستور جديد، وعشرين سنة على اعتلاء محمد السادس عرش أجداده، كان لابد من رسم معالم مرحلة جديدة، المأمول منها أن تنقل المغرب نحو مرحلة جديدة.

الوضع السياسي في المغرب يتسم بنوع من الجمود الحزبي بعد أن تحولت آليات العمل الحزبي إلى مجرد ريع سياسي واقتصادي أفرز العديد من الأعطاب والاختلالات، لم تتمكن معها الأحزاب المشاركة في الأغلبية الحكومية من الاندماج والانسجام والتخلي عن دور المعارضة، لصالح المعارضة التي مكنها الدستور الحالي، من آليات جديدة، جعلتها أكثر مأسسة، الشيء الذي أنتج حكوميين متعاقبتين يمكن القول أنهما فشلتا في رسم نموذج شامل للتنمية.

لقد نبه الملك في خطاب سابق إلى الوضع الخطير الذي تعرفه الإدارة المغربية، وهو يدعو المسؤولين إلى الانكباب على قضايا المواطنين، وهي الإشارات التي تلقفتها الجهات المسئولة وقتها، غير أنها سرعان ما عادت إلى ما كانت عليه. ويأتي خطاب عيد العرش ليحمل هذه المرة الحكومة المسؤولية، ملزما إياها بتحمل مهامها الدستورية، وتصحيح اختلالاتها الداخلية، من خلال تعديل هندستها، واعتماد أصحاب المؤهلات محل عُرف الارضاءات والولاءات، التي طبعت الأجواء التي تصاحب تشكيل الحكومة في العادة، وهو ما يوصف بتقاسم الكعكة الحكومية، كانت نتيجته حكومة مثخنة بوزارات تتوالد في قطاع واحد، وكتابات دولة تعيد ما تنتجه ذات الوزارات أو تتقاسم معها بعض الملفات الهامشية.

بعد خطاب العرش، جاء خطاب ثورة الملك والشعب، ليعلن عن ميلاد مشروع النموذج التنموي، الذي ينتظر يكون تشاركيا في صياغته، بعيدا عن الهيمنة الحزبية والأيديولوجية والولائية.

كشفت صحيفة الصباح في عددها ليوم 15 أغسطس، نقلا عما وصفتهم بمصادر قضائية عن محاكمات في انتظار عدد من المسئولين والحزبيين والموظفين ممن أثبتت التقارير، تورطهم في الفساد الإداري والمالي الذي ظل أهم أسباب الفشل، الذي طبع معالجة الحكومات المتعاقبة، للملفات العويصة. والحديث عن فتح ملفات الفساد التي شكلت على الدوام مطلبا لجميع الهيئات والفعاليات الوطنية، وأبرز التوصيات التي تضمنتها التقارير الأممية والدولية، غير أن تأخر المغرب في التعاطي مع الفساد الإداري بشكل شامل وجذري، لم يتأتى حتى اليوم، بل زاد التطبيع معه مع حكومتين تفتقدان للانسجام، يضاف إلى ذلك وجود رئيس حكومة ضعيف الصلاحيات، يفتقد للشجاعة السياسية لتفعيل الاختصاصات والآليات التي طرحها الدستور أمامه.

والحديث أيضا عن تعبيد الطريق لنموذج تنموي، والذي لا يمكن له أن يتحقق، إلا بتطهير الإدارة من الفساد، والذي كان مطلبا للقوى الحية والحقوقية في البلاد، يحيلنا على شوط هام قام به المغرب، على مستوى تطوير منظومة العدالة، من خلال كسر الارتباط المباشر بين الفاعل السياسي ونظام القضاء، وذلك بتحرير السلطة القضائية من وزارة العدل، وجعلها مؤسسة مستقلة الذات، وهكذا فالحديث عن اعتقالات انتقامية أو عشوائية، لا يمكن له أن يكون واردا في ظل المتغيرات الوطنية والدولية، مع تطور الآليات في مجالات العدالة والنصوص التشريعية والتحقيق وكذا الإعلام.

تأخر المغرب في تبني نموذج تنموي يضع تصورا واضحا وخطط عمل ملزمة، كان يلزمه تهيئة الظروف الصحية وكذا المؤسساتية، وحسب المعلومات المتداولة بشأن حملة الاعتقالات التي تنتظر جميع من تبث بالدليل تورطهم في جرائم المال العام، فإنها إذا ما حدثت، ستمثل ثورة عبر آليات قانونية ومؤسسية، ضد الفساد، كان الجميع ينتظرها، وبيئة لاحتضان النماذج، سواء ما تعلق منها بالتنمية، أو بتطوير خدمات الإدارة للمواطنين في جميع المجالات والسماح بامتدادها ووصولها لمختلف المناطق والطبقات، بعد إزاحة جميع العوائق والمعيقات.

* مدير مركز الاستراتيجيات الإنمائية والحقوق الاجتماعية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *