وجهة نظر

ما مصير سياسة تعليمية حبكت في زمن احتضار النموذج التنموي المغربي؟

في السنوات الأخيرة، وعلى غرار ما باح به الملك الراحل الحسن الثاني في منتصف تسعينيات القرن الماضي من أن المغرب تتهدده سكتة قلبية، لم يتردد الخطاب الرسمي في الاعتراف، وخلال مناسبات عدة، في كون النموذج التنموي المغربي تجاوز صلاحيته. هذا،على افتراض أن هناك فعلا نموذجا تنمويا وأن المغاربة يدركون أسسه وأهدافه والشعارات المرتبطة بكل مرحلة من مراحل تنزيله.

فحسب خطاب الملك في افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية 2017/2018، فإن النموذج التنموي الوطني أصبح:

– غير قادر على الاستجابة للمطالب الملحة والحاجيات المتزايدة للمواطنين؛
– غير قادر على الحد من الفوارق بين الفئات ومن التفاوتات المجالية؛
– غير قادر على تحقيق العدالة الاجتماعية.
وفي خطاب العرش 2019 تقرر إحداث “لجنة خاصة بالنموذج التنموي”.

ليس من أهداف هذا المقال الوقوف على كل الإحباطات التي عرفتها التجارب المغربية سواء سميت مخططات ثلاثية أو خماسية أو مبادرات تنمية أو غيرها، بقدر ما يهمنا الوقوف على مدى صلاحية السياسة التعليمية التي تؤطرها كل من الرؤية الاستراتيجية 2015-2030،والقانون الإطار رقم 17-51 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي الذي شابهُ خرق كبير خلال طرحه على غرفتي البرلمان، ولازال لحد الآن مثار جدل كبير.

القانون الإطار بالخصوص صِيغَ في زمن الانحدار الأسلب المتوافق عليه مجتمعا ودولة، أو قُلْ في زمن احتضار النموذج التنموي الذي يدخل ضمن “التوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة” المغربية الواردة في الفصل 49 من الدستور.

في حين أن السياسات القطاعية، ومنها قطاع التربية والتعليم، فهي خادمة لتلك التوجهات الاستراتيجية. وبالتالي فهي لاحقة بها وليست سابقة عليها، أو بالمعنى الرياضي فهي مشتقة منها اشتقاقا. ولعل النماذج التنموية الآسيوية الناجحة خير مثال على ما نقول. فعندما حددت اليابان أو إندونيسيا أو كوريا الجنوبية وأحدثهم تركيا( وكلهم في مجموعة العشرين)، عندما حددت نموذجها التنموي فإنها راهنت على تطوير قطاع التربية والتعليم والبحث العلمي واحتضنته الدولة من أجل تحقيق الأهداف الاستراتيجية للسياسة التنموية، وحسبنا أن هذا هو المنطق السليم.

السؤال الذي يفرض نفسه في بلدنا، بالنسبة لقطاع التعليم نموذجا، هو كالتالي:
هل ينتظر الشعب المغربي- رضوخا لمنطق الأشياء- صياغة سياسةٍ تعليميةٍ جديدةٍ على ضوء النموذج التنموي الذي ستخرج به الدولة؟ أم أن هذه الأخيرة ستكتفي بإخراج سيمفونية تنموية جديدة يُسوِّق لسَرابِها الإعلام الرسمي زمنا طويلا دون أن يكون لها أثر يذكر في واقع السياسات القطاعية ككل؟

الشق الأول من السؤال يفترض من الدولة إبداعا وابتكارا على المستوى النظري والعملي لنموذج تنموي يخرج البلد من واقع التردي ويدخله إلى الطور الثاني مما يصطلح عليه ب”التحولات الثلاث” التي ميزت المجتمعات البشرية وصولا إلى الطور الثالث حيث تصبح المعرفة قوة منتجة. كما يتطلب إرادة سياسية قوية وشَجاعة تضاهي تلك التي دفعت إلى الاعتراف بالفشل. وفي نظرنا فإن ربح الرهان لبلوغ “مجتمع المعرفة” بناء على نموذج تنموي ناجح لابد أن يستند، في السياق المغربي، على المقدمات الثلاث التالية:

المقدمة الأولى: تحقيق صلح مجتمعي.

وذلك بإطلاق سراح جميع معتقلي الرأي، وإزالة القيود عن الحق في حرية التعبير ضمانا لإشراك الجميع في بناء النموذج التنموي؛

المقدمة الثانية: توزيع عادل للثروة.

والقصد منه إحياء الأمل في النفوس وإعادة الثقة المفقودة وتحقيق تكافؤ الفرص؛
المقدمة الثالثة: تقدير الكرامة الإنسانية واحترامها.
وذلك من أجل رفع المعنويات ثم رفع منسوب الانتساب الحقيقي للوطن.

أما الشق الثاني من السؤال فقد اعتاد المغاربة أمثاله، وذلك نظرا لما تُخزِّنه الذاكرة الشعبية من مشاريع ووعود رسمية تنجز على الورق ويروج لها الإعلام ثم لا تلبث أن تتبخر، ناهيك عن كون منسوب الوعي عندهم في تطور كبير بحكم الانفتاح الإعلامي الذي جادت به وسائل التواصل الاجتماعي، والذي يكسب تحليلا ومقارنة تتقوى معهما سلطة الرقابة الشعبية.

وارتباطا بالموضوع فإن الذي نخشاه هو اللجوء، استجابة لضغوطات المؤسسات الدولية، إلى ما أنجز على مستوى القطاعات الرئيسية وفي الوقت الميت، وطبعا لكل رؤيته المعزولة تبعا لمركز القرار الدولي المتحكِّم فيه، فيتم تجميع تلك الرؤى لتلد نموذجا تنمويا عجوزا عقيما.

فهل يستطيع المسؤولون في الدولة المغربية أن يدخلوا التاريخ من بابه الواسع فيبدعوا نموذجا تنمويا يمتد أثره الإيجابي إلى الفئات المحرومة والمناطق المهمشة في بلدنا، فنركب جميعا آجلا أم عاجلا صهوة اقتصاد المعرفة، تحقق فيه المعرفة الجزء الأعظم من القيمة المضافة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *