وجهة نظر

في جهة طنجة: على أي شيء اختلفوا ليتفقوا اليوم؟!‎

لا شك أننا ندرك منطق السياسة في الواقع ومدى وقوعه في اختلاف أو تناقض مع منطق السياسة عند التنظير، لاسيما في خلق التحالفات أو  تشكيل الاغلبية على مستوى الحكومة أو المجالس الجهوية والمحلية. وهذا الأمر ما جرت به العادة على مستوى جميع الدول في العالم، لكن يختلف حجم التناقضات ومستوى الاختلاف، بل يمكن تبريره سواء من طرف المقدم عليه أو المتتبع لأن عالم السياسة شديد التغير والتحول، فقد يكون الشيء من المسلمات بعدما كان من المستحيلات. لذا، أمر تحالف حزب العدالة والتنمية مع حزب الأصالة والمعاصرة من الناحية السياسية – على مستوى جهة طنجة تطوان الحسيمة- ليس بدعة ولا منكرا، وعليه فنحن مطالبون بالبحث عن سبب التحول الحاصل، كما يجب على الطرفين – لاسيما حزب العدالة والتنمية  – تقديم توضيحات منطقية تكون منسجمة مع تاريخ رفضهم منذ 2008.

لو رجعنا قليلا إلى التصريحات والبيانات الصادرة خلال فترة انتخابات 2015 وما بعدها من طرف حزب العدالة والتنمية لوجدناها منددة بكل الخطوات الناتجة عن حزب الاصالة والمعاصرة بل حتى من بعض رجال السلطة، لكن الغريب في الأمر صدور بلاغ قبل اعادة انتخاب رئيس مجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة  يوم 28 أكتوبر 2019، مما جعل كل متتبع يعتقد بالإبقاء على نفس الموقف سواء من حزب الأصالة والمعاصرة أو الجهات الأخرى (غالبا ما يقصد بها الدولة العميقة أو رجال وزارة الداخلية)، بيد أن تشكيل الأغلبية يوم 28 أكتوبر 2019 على مستوى مجلس الجهة خلق أكبر مفاجأة بعدما انسحب مرشح حزب العدالة والتنمية وانضمامه للأغلبية خالقين دهشة في صفوف الحاضرين والمتتبعين. وهذا ما يجعل طرح تساؤلات كثيرة يأتي في مقدمتها التساؤل عن الأشياء التي اختلفوا عليها فيما سبق فاتفقوا اليوم عليها، حتى يتسنى لنا كمتابعين للشأن العام أو بصفتنا مواطنين الحق في معرفة الدواعي المنطقية بعيدا عن الخطابات التي تتسم بالمراوغة والتهرب من قول الحقيقة، ليتحقق  لهم شرف تفعيل مبدأ الحق في الحصول على المعلومة.

إن مواكبة عمل مجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة، بعد تشكيله سنة 2015 إلى حدود الآن، يعطي انطباعا بخرافة وجود صراع حقيقي بين الحزبين على مستوى الجهة، بل الواقع يؤكد انسجام الخصمين ووجود علاقة حب وغرام على المستوى العملي أكثر مما يوجد عند الأطراف الأخرى القريبة من بعضها البعض، لكن يأبى قادة الطرفين – خصوصا حزب العدالة والتنمية- على إيهام المتتبع بوجود خلافات جوهرية لا تقبل التوافق مع حزب السلطة والتحكم والفساد حسب ادعاءاتهم طبعا أو حزب العدمية والظلام. وحتى نكون من الناحية الشكلية منسجمين مع تساؤلاتنا، لابد من التذكير بالسبب الحقيقي حول اختلاف الحزبين أو تعارضهما، لنجد أن طريقة تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة والظرفية التي صاحبت ذلك أهم عنصر جعل حزب العدالة والتنمية – خصوصا الأمين السابق عبد الإله بن كيران- يتخذ موقف الخصام والعداء، بل نجد من الأحزاب الأخرى من اتخذت نفس الموقف ولو بدرجات متفاوتة لاعتبارهم آت للهيمنة على المشهد السياسي بشكل غير أخلاقي وفي غياب كل شروط المنافسة العادلة. كما نجد إثارة موضوع الدين الإسلامي خلال كل هذا النقاش حاضر للجرأة التي حكمت تصريحات كل من تعاقب على قيادة حزب الأصالة والمعاصرة لاسيما شخص إلياس العماري، والذي صرح أكثر من مرة عزمه مقاومة أسلمة المجتمع وتحديد مهمته ومهمة حزبه في مهاجمة الإسلاميين ومحاربتهم.

وهذا كان سببا كافيا للوقوع في كل المناوشات الإعلامية بين الحزبين بل حتى مع أحزاب محافظة أخرى كحزب الاستقلال. ليتبين أن الصراع بين الطرفين المعنيين مقبول منطقا، بل كان ضروريا لإشعار المواطن بوجود تباين في الأفكار واختلاف في المشروع والرؤية لدى كل طرف.

إن هذا الاختلاف كان سبب كل صراع وعدم توافق، بل وجب استمراره لسبب بسيط هو عدم تخلي الطرفين عن مواقفهم وطريقة اشتغالهم حسب ما يظهر لنا من خلال البيانات الرسمية والأوراق المرجعية لمؤسساتهم. لكن من الناحية العملية لم يلتزم الطرفان ،بل وقع تنازل عن كل المبادئ لتحقيق مصالح انتخابية والمشاركة في صناعة القرارات على المستوى الجهوي أو المحلي. ليكون تحالف العدالة والتنمية مع الأصالة والمعاصرة في مجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة بدون معنى سياسي، لاستحالة تغيير منهجية العمل لأن موسم الانتخابات اقترب، وغير متوافق مع البلاغ الأخير لحزب العدالة والتنمية الذي أكد على وجود أغلبية هجينة. وعلى مستوى مخطط التنمية الجهوي الذي يحدد سياسة المجلس الجهوي فإنه من الناحية القانونية غير قابل للتغيير وحضي بمصادقة حزب العدالة والتنمية سنة 2017، أي أن تسويق وجود معارضة وأغلبية فيما مضى مجرد خرافة لا أقل ولا أكثر، لأن أهم شيء يمكن الاختلاف عليه في الجهة هو مخطط التنمية الجهوي. بل جل الدورات التي انعقدت والنقط المدرجة في جدولها صودق عليها بالإجماع. ليتكرر لدينا طرح السؤال على أي شيء اختلفوا ليتفقوا اليوم ؟!

وفي الختام، إن الممارسة السياسية في المغرب، رغم كل المجهودات المبذولة والتي توحي بإحداث تغيير مرتقب، لا ترقى حتى للمستوى الضعيف. بل إن من يشتكي كل يوم وليلة من الوضع السياسي (يأتي في مقدمتهم حزب العدالة والتنمية وحزب الأصالة والمعاصرة) هو من يساهم بقوة في إضعاف السياسة وصناعة ما يمكن الاصطلاح عليه ب “التفاهة السياسية”، والتي تتعارض مع التوجيهات الملكية. لنخلص في الأخير إلى التوصية بضرورة اعادة النظر في بنية المكونات السياسية على المستوى الفكري والعملي بعدما أصبح الاشمئزاز يصيب كل مواطن سمعت أذناه كلمة سياسة. وكما وجب اعادة النظر في علاقة الأخلاق الاسلامية بمن سوقوا أنفسهم حماة لها، لأن دعوى أصحاب فصل الدين عن الدولة  أصدق قولا من أصحاب الوصل بينهما في حالة اعتبار هؤلاء أنفسهم النموذج الأصلح، حيث تم ارتكاب ما نبهوا إليه أهل العلمنة من الخلط بين نجاسة السياسة وطهارة الدين. وهذا طبعا غير مقبول به لظننا أن السياسة عمل من الأعمال تسري عليها ما يسري على جميع الأفعال البشرية. وأن صناعة الأغلبية الهجينة تم على مستوى الجهة كما جاء في البلاغ المعلوم وعلى يد كتابه.

اللهم ارزقنا المنطق والعمل به

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *