وجهة نظر

هل سينجح القانون الجديد لموظفي الجماعات الترابية فيما فشل فيه سابقه؟

بعد طول انتظار، سيخضع تدبير الموارد البشرية العاملة بالجماعات الترابية ببلدنا لقانون جديد، سيرى النور بعد استيفائه للشروط والمراحل القانونية وابتداء من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية.

يتكون مشروع هذا القانون الذي هو بمثابة النظام الأساسي للموارد البشرية بالجماعات الترابية وهيئاتها من 18 مادة. وهو تطبيق لأحكام المواد 127 من القانون التنظيمي رقم 111.14 الخاص بالجهات و121 من القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم و129 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات.

وعلاوة على أنه يتضمن مقتضيات القوانين التنظيمية للجماعات الترابية المشار إلى مراجعها أعلاه المتعلقة بالموارد البشرية، يقدم توضيحات تتعلق أساسا بأصناف الموارد البشرية التي تعمل بالجماعات الترابية، ويحدد المناصب العليا بها والهيئات التابعة لها. ويذكر بصلاحيات رؤساء الجماعات الترابية فيما يخص تسيير وتدبير الإدارات التي هم على رأسها.

كما يوضح مشروع هذا القانون، كيفيات الانخراط في الوظائف بالجماعات الترابية وحقوق وواجبات الموظفين وكل العاملين بها. ويعيد التنصيص على اللجن الإدارية المتساوية الأعضاء والمجال التأديبي، ويشير إلى أنها تتمتع برأي استشاري وتختص بالبث في القضايا التي تهم تدبير شؤون الموظفين وفق ما هو محدد بمقتضى النصوص التشريعية والتنظيمية المرتبطة به. وسيحدد بنص تنظيمي كيفية تكوين هذه اللجن واختصاصاتها. ويعيد التأكيد على أنه لا يمكن أن تكون العقوبة الصادرة عن السلطة المختصة أشد من العقوبة التي يقترحها المجلس التأديبي ما عدا إذا وافق على ذلك وزير الداخلية.

ويختتم هذا المشروع بأحكام انتقالية تهم أساسا ما كان يسمى بمتصرفي وزارة الداخلية والتي كانت تخضع لأحكام الظهير الشريف رقم 1.63.038 الصادر في 05 شوال 1382 (فاتح مارس 1963).

إن قراءة متمعنة في مشروع هذا القانون تبين أنه يتضمن ستة مستجدات على الأقل، نوجزها فيما يلي:

1- إضافة صنف المتعاقدين إلى الموارد البشرية العاملة بالجماعات الترابية مع التنصيص على تشغيلهم طبقا لأحكام هذا القانون.

2- يتم التوظيف، كما تنص على ذلك المادة السادسة من هذا المشروع، بناء على مباريات ضمن الفئات المشار إليها في المادة الرابعة وهي تتضمن أربعة فئات (الموظفون النظاميون، الموظفون الملحقون، الموظفون الموضوعون رهن إشارة الجماعات الترابية والمتعاقدون). وذلك وفق ما تفرضه ضرورة المصلحة وفي حدود المناصب الشاغرة بميزانية الجماعة الترابية، وما تسمح به الاعتمادات المالية المرصودة برسم السنة المالية المعنية(…). وسيحدد بموجب قرار تنظيمي لوزير الداخلية نظام المباريات والامتحانات المنظمة لولوج مختلف الدرجات بالجماعات الترابية والمنصوص عليها في الأنظمة الأساسية.

3- تتم الترقية في الدرجة بالنسبة لموظفي الجماعات الترابية بناء على الشهادات بعد النجاح في مباريات مهنية.

4- توحيد شبكة الأرقام الاستدلالية: فابتداء من تاريخ العمل بهذا القانون، سيدمج المتصرفون المساعدون والمتصرفون والمتصرفون الممتازون في درجات متصرف من الدرجة الثالثة ومتصرف من الدرجة الثانية ومتصرف من الدرجة الأولى، وبذلك سيخضعون لمقتضيات المرسوم رقم 2-06-377 الصادر في 29 أكتوبر 2010 بشأن النظام الأساسي الخاص بهيئة المتصرفين المشتركة بين الوزارات. وستنتهي مرحلة اتسمت بمنع متصرفي وزارة الداخلية من حقهم في الانتماء النقابي بناء على أحكام القانون الصادر في فاتح مارس 1963.

5- إدماج الموظفين الخاضعين عند تاريخ صدور هذا القانون للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، في نظام المعاشات المدنية المحدث بموجب القانون رقم 011.71 الصادر في 12 من ذي القعدة 1391 (30ديسمبر 1971).

6- نهاية العمل بأحكام المرسوم رقم 2.77.738 بتاريخ شوال 1397 (27 شتنبر1977) والذي كان بمثابة النظام الأساسي للجماعات.

والآن، دعنا نركز على حالة الجماعات ( ما كان يسمى سابقا بالجماعات الحضرية والقروية)، فالمواد الثالثة والخامسة والسادسة والسابعة والثامنة من القانون الجديد، توضح مدى رغبة المشرع المستمرة في أن تصبح الشفافية والمساواة والكفاءة والاستحقاق قواعد أساسية في مجال تسيير وتدبير شؤون الإدارة الجماعية.

كما أن الهدف من إعادة التنصيص على مجموعة من الضمانات القانونية لحقوق الموظف الجماعي من خلال المواد 14 و 15 و 16 و 17 من هذا القانون، هو حماية الموظفين الجماعيين من التجاوزات التي كانت تحدث (وما زالت في بعض الجماعات) ويذهب ضحيتها ليس الموظف الجماعي فحسب وإنما أسرته.

من قبل، وخاصة ابتداء من 2005، صدرت مجموعة من النصوص القانونية حددت الشروط الموضوعية للترقية في الرتبة والدرجة لتحفيز الموارد البشرية، ونصت على الضمانات القانونية لحماية الموظف الجماعي. واستفادت، ومازالت تستفيد، الأطر الجماعية من تكوينات هامة لتطوير أداء الإدارة الجماعية (…).
لكن، مازالت تقارير المجالس الجهوية للحسابات تشير إلى سوء تدبير وتسيير الموارد البشرية وتهميش أو تغييب دور مديرية المصالح(ما كان يسمى بالكتابة العامة)

في العديد من الجماعات. ومازال تأثير التنظيم الإداري الجديد وفق مقتضى المادة 92 من القانون التنظيمي للجماعات ضعيفا لأنه صوري في العديد من الحالات خاصة في الجماعات المتوسطة والصغيرة الحجم. وهو ما يدعو إلى طرح السؤال: أين الخلل؟

يجيب العديد من الأطر الجماعية بأن المشكلة ليست في النصوص القانونية، إنها في عدم تطبيقها أو التحايل عليها. فمن جهة، لا يتم التطبيق بالشكل اللازم لشروط وقواعد الترقية وكذا إجراءات التنقيط والتقييم التي تنص عليها المراسيم والمناشير الوزارية، في العديد من الجماعات. فالمعايير، للأسف، هي: المزاجية، والقرب من سلطة القرار الجماعي، والمحسوبية، وهلما جرى. والنتيجة بالضرورة، عكس ما تهدف إليه القوانين من تحفيز وتحسين أداء (…). وهو ما يحدث شرخا و “مرضا ” في جسم الإدارة الجماعية.

وكم تعرضت، وما زالت، كفاءات محترمة من مهندسين وإداريين إلى التهميش والإقصاء، بسبب حرصها على تطبيق مواد قانونية بعينها قد تضر بمصالح البعض.

من جانب آخر، قلما يجد الإطار الخاضع لحلقة من حلقات التكوين المستمر الذي تصرف عنه الأموال، الآذان الصاغية لما يقدمه من تقارير ومستجدات.

لهذه الأسباب وغيرها كثير، نعتقد أن تنزيل هذا القانون بشكل أكثر فعالية يحتاج إلى آلية جديدة بإمكانها أن تحدث التأثيرات المنشودة على مستوى الإدارة الجماعية كمثال ركزنا عليه.

ولنا أن نقترح على سبيل المثال لا الحصر، تمشيا مع روح الجهوية المتقدمة، إحداث مديريات جهوية، مستقلة ماليا وإداريا، يوفر لها المشرع الضمانات القانونية لتقوم بدورها كاملا بشفافية ونزاهة وروح وطنية. يكون من بين اختصاصاتها:

• الإشراف على الدراسات المتعلقة بتحديد الحاجيات الحقيقية من الموارد البشرية بالنسبة لكل جماعة.
• الإشراف على التكوينات المستمرة إلى جانب المؤسسات الأخرى التي يخول لها القانون هذه الصلاحية.
• إعداد مقررات ودروس التكوينات المهنية بالنسبة للموارد البشرية التي ستلج لأول مرة ميدان العمل الجماعي أو ستنجح في مباراة مهنية.
• الإشراف على امتحانات الكفاءة المهنية، والمباريات المهنية التي ينص عليها القانون الجديد.

وأخيرا، إن السؤال الجوهري الذي ينتظر إجابات الباحثين والإعلاميين والسياسيين هو:

كيف يمكننا إنجاح العلاقة بين السياسي والإداري لإحداث التقدم في تدبير الشأن المحلي والجهوي؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *