وجهة نظر

النموذج التنموي الجديد ومنتخب الكفاءات من الخارج

مع استقبال عاهل المغرب للسيد شكيب بنموسى سفير المغرب في فرنسا ووزير الداخلية السابق يكون البدء في مرحلة إعداد النموذج التنموي الجديد للمغرب قد دخل حيز التنفيذ، وذلك بعد إعلان فشل النموذج السابق في عدة خطابات ملكية.

بلورة هذا النموذج الجديد يأتي في إطار مشروع ملكي متكامل يهدف إلى الدفع بقطار التنمية الى الأمام بعد تبين محدودية النموذج السالف، ويروم تحقيق ما لم يتحقق من قبل والاستجابة للانتظارات التي يطمح إليها كل المغاربة سواء على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، وهو المطلب الأساس، أو على المستوى السياسي والحقوقي وهو مطلب ضروري لا مناص منه لتحقيق العدالة الاجتماعية المنشودة.

لتحقيق هذا النموذج لابد من كفاءات ولابد من إشراك النخب المغربية أينما كانت وتواجدت، وفي هذا الإطار يجدر بالذكر أن المغرب تجاهل لحد الان أكثر من 15 في المائة من مواطنيه متواجدون خارج الحدود، مواطنون قلبهم مع المغرب، وعينهم على بلدهم الأصل يرومون المساهمة في بنائه وتنميته، إنهم مغاربة العالم الذين لم يعودوا كما يحلو للبعض تسميتهم وللأسف ومن داخل النسيج الحكومي “العمال المغارية بالخارج”.

مغاربة العالم غيبوا عن المشاركة السياسية وليس فحسب، بل غيبوا أيضا عن المساهمة والإسهام في قطار التنمية حيث لا نجد أي برنامج حكومي يهدف إلى دعوتهم للانخراط، لا من حيث تدبير الشأن العام فلا وجود لهم في الحكومة، ولا وجود حقيقي لهم في البرلمان بغرفتيه، ومجلس الجالية لا زال يتنظر قانونه المؤطر بعد دستور 2011.

دعوة ملك البلاد رئيس الحكومة إلى رفع مقترحاته لإغناء وتجديد مناصب المسؤولية، الحكومية والإدارية، بكفاءات وطنية عالية المستوى لم تلق في نظري المتواضع الاستجابة بالمستوى المطلوب، فما الذي تغير بالنسبة للحكومة السابقة مع بقاء ما يمكن أن نسميهم بوزراء ” اتخاذ القرار” في منصبهم، وأقصد الوزراء الذين يساهمون في التنمية بشكل مباشر ويتحكمون بحق في ميزانية الدولة أو في المناصب الحساسة، وتقليص العدد وإن كان يلبي مطلبا شعبيا وسياسيا ويعطي صلاحيات أكبر وتمركز أقوى فهو لم يأت بجديد سوى وزراء ربما أكفاء -حسب من اختارهم- لكن يصح فيهم المثل العربي الذي يقول “أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه” بل أقل وبكثير، فمن لا يحسن حتى التعبير -ولنا أكثر من مثال في الحكومة الأخيرة- لا يحسن سواه.

التغيير الحكومي الأخير أعطاني شخصيا الانطباع وكأن الأحزاب عقيمة إلا من تولى مسؤولية عليا فيها فيحق له الاستوزار، بينما الكفاءات الحقيقية موجودة في كل تخصص وفي كل ميدان وداخل كل حزب حزب، ويكفي إبرازها من قيادتها التي وجب أن تعي حجم المسؤولية، وأن الأمر ليس هو تقسيم غنيمة مناصب بل هو تحمل مسؤولية ، وبالتالي يجب اختيار الأقوى ولو كان مشاكسا عوض اختيار الضعيف المطاوع، فمن مثلا كان يعرف في فرنسا وزير الخارجية الفرنسي الحالي قبل توليه منصب وزير الدفاع في حكومة الاشتراكيين؟ لكنه اختير لتخصصه داخل حزبه في المجال الذي اختير فيه، وهذا ما يسمى بحكومة الظل في بريطانيا التي تجعل المعارضة مستعدة لتولي المسؤولية.

هذا النموذج التنموي الجديد الذي ينوي المغرب بناءه تحت الرعاية السامية لابد له من منتخب كفاءات عالية، لابد له من خبراء حقيقة أكفاء، لابد له من نخب استطاعت فرض وجودها في وسط أصعب، واحتكت بغيرها من شتى الجنسيات، واعترف لها بفعاليتها وقدرتها على الفعل والعطاء من محيطها المتشعب، وهنا بالضرورة يجب إدماج مغاربة العالم ليشاركوا بأفكارهم، لينخرطوا بتجربتهم، ليساهموا بتكوينهم، وهم أولئك الذين هاجروا بغية النجاح فنجحوا، وسافروا قصد التفوق فتفوقوا.

إنه نداء لجعل مغاربة العالم شركاء في بلورة مخطط التنمية المنشود، وهم أقدر من يكون على تقديم رؤى ومقترحات ومخططات ومشاريع انطلاقا مما راكموا خبرة وتجربة وتكوينا وعلما، وهذا ممكن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *