سياسة

يايموت: النموذج التنموي يجب أن يخضع لحوار وطني.. واللجان التقنية تعطي نتائج متواضعة

يايموت

اعتبر خالد يايموت، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن البحث عن نموذج تنموي جديد بالمغرب هو قضية وطنية يجب أن تخضع لحوار وطني يشارك فيه جميع الفاعلين.

وقال يايموت في تصريح لجريدة “العمق”، إن خلاصة هذا الحوار الوطني يجب أن يشكل إطارا فلسفيا من داخل لجنة مختصة قد تكون لجنة ملكية أو تحت إشراف البرلمانن لافتا إلى أن أنجح لجنة مرت في مسار المغرب كانت لجنة مدونة الأسرة.

وأوضح يايموت في تعليقه على لجنة النموذج التنموي التي عين أعضاءها الملك محمد السادس، أمس الخميس، أن اللجان الاستشارية في المغرب أصبحت عرفا، لكن من ناحية إنتاجاتها على مستوى تغيير الواقع تبقى متواضعة جدا.

وأشار إلى أن هذا التواضع غير مرتبط بطريقة تشكيل اللجان، بل بفلسفة الدولة وكيف تنظر إلى نفسها وعلاقتها بالمجتمع، خصوصا فيما يتعلق ببناء نموذج تنموي يستجيب للتحديات الوطنية والإقليمية والدولية.

ولفت المحلل السياسي، إلى إن استعمال المغرب لطريقة اللجان من حيث التركيبة والإخراج والمنتوج، يُيين أنه يتعاطى مع قضايا ذات بعد فلسفي ومستقبلي بطريقة تقنية، تؤدي في نهاية المطاف إلى أن يكون المنتوج متواضع وتأثيره على الواقع ومسار ومستقبل الدولة متواضع جدا.

ومضى بالقول: “فلسفة الدولة هي فلسفة تدبيرية في قضية بعيدة المدى ومستقبلية، أي أنها لا تنتج سياسات عامة طويلة المدى، وبالتالي لن يكون هناك نوع من التصور لمستقبل المغرب لـ30 أو 50 عاما المقبلة”.

وأشار إلى أن إعداد البرامج في دول متقدمة مثل بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة، وقبل أن توكل إلى لجان متخصصة، ترتكز في الأساس على حوار سياسي يستتبعه حوار اقتصادي، قبل أن تؤول الأمور إلى مؤسسات ذات خبرة متخصصة، وبعدها تعود إلى المراقبة الصارمة للبرلمان الذي يعتبر المنتج الحقيقي للسياسات العموومية لأي دولة.

وشدد على أن “تركيبة لجنة النموذج التنموي الجديد ستعطينا أجوبة تقنية ولن تعطينا تصورات عامة حول ما يريده المغرب وأهدافه على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية على المدى الطويل”، وفق تعبيره.

لكن المغرب يتعامل خارج هذا الإطار، يضيف يايموت، لأن “بلدنا يتعامل بشكل تقني وينتج خبرة تقنية متواضعة جدا لا يمكن أن تعطي شيئا حقيقيا للمستقبل”، مشيرا إلى أن “تكرار نفس هذه الطريقة قد ينجح في بعض المحطات مثل مدونة الأسرة، لكنه لا يفيد دائما”.

ويرى يايموت أن الإشكال في لجنة النموذج التنموي ليس في شخصيات، بل في كون هدف الدولة من تشكيل اللجنة مرسوم من البداية، حيث ستشتغل اللجنة في إطار ما هو مرسوم لها، مشيرا إلى أن هذه اللجان تُعد تجربة قديمة للمملكة منذ عهد الملك الراحل الحسن الثاني.

وأضاف أن صياغة النموذج التنموي الجديد تتطلب خطوط عريضة حول 4 ركائز أساسية تهم المستوى الاجتماعي والاقتصادي والاختيارات المؤسساتية ونوع من الرؤية المستقبلية مبنية على الموقع الجيو-استراتيجي للمغرب في علاقاته الدولية.

وتابع قوله: “إذا قارنا الحوار الذي كان حول مدونة الأسرة، نجد أن الذي أعطى البعد الفلسفي لتلك اللجنة هو الحراك المجتمعي وليس الدولة، لأن الأخيرة لا تريد القيام باختيارات فلسفية لتحديد وجهة الدولة، بل تفضل القيام بتدبير تقني لمسألة مستقبلية، وهو ما يجعل الأمر يدور في حلقة تقنية”.

وبخصوص طبيعة الشخصيات المشكلة لـ”لجنة بنموسى”، اعتبر يايموت أن هناك هاجسا يطغى على تشكيلة اللجنة يتجلى في بعض الأوجه الاقتصادية وأوجه لها دراية في فهم سوسيولوجية المجتمع، لافتا إلى أن ذلك يعتبر الإضافة الموجودة في اللجنة.

واعتبر أن “بعض الأمور في تركيبة اللجنة مخيفة، فلا معنى إطلاقا لوجود بعض الأشخاص فيها، إذ يتم التعامل مع اللجان التقنية بنوع من الترضيات كما يتم التعامل مع الأحزاب”.

وأردف قائلا: “لدينا كفاءات اقتصادية دولية تشتغل في المنظمات الدولية لكنها غير حاضرة في اللجنة، على الأقل يجب أن يكون ثلث أعضاء اللجنة من الشخصيات ذات الخبرة الدولية، لأنها لجنة لا تقوم بوضع تصور لمدينة معينة، بل تحدد تموقع المغرب دوليا خلال 30 أو 50 سنة المقبلة”.

وكان الديوان الملكي قد كشف أمس الخميس، أن الملك عين أعضاء النموذج التنموي الجديد، والتي تضم بالإضافة إلى الرئيس، 35 عضوا، “يتوفرون على مسارات أكاديمية ومهنية متعددة، وعلى دراية واسعة بالمجتمع المغربي وبالقضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية”.

وأوضح الديوان الملكي في بلاغ له، أن “اللجنة تضم كفاءات مغربية تعمل داخل الوطن وبالخارج، مشهود لها بالعطاء والالتزام، تنخرط في القطاعين العام والخاص، أو في المجتمع المدني”.

وستنكب هذه اللجنة على بحث ودراسة الوضع الراهن، بصراحة وجرأة وموضوعية، بالنظر إلى المنجزات التي حققتها المملكة، والإصلاحات التي تم اعتمادها، وكذا انتظارات المواطنين، والسياق الدولي الحالي وتطوراته المستقبلية، حسب البلاغ ذاته.

وأشار بلاغ الديوان الملكي إلى أن اللجنة سترفع إلى الملك، بحلول الصيف المقبل، التعديلات الكبرى المأمولة والمبادرات الملموسة الكفيلة بتحيين وتجديد النموذج التنموي الوطني، وستعمل اللجنة طيلة فترة عملها وفق مقاربة تشاركية ومندمجة على ضمان أوسع انخراط ممكن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *