وجهة نظر

نداء إلى النخب الإقليمية

كنتيجة حتمية لانشغالي المستمر بأوضاع شبابنا و بأوقاتهم المهدورة و معنوياتهم المحطمة، تبادرت إلى ذهني فكرة بسيطة، منكم من سيقدرها و منكم من سيعتبرها غارقة في المثالية و بالتالي يستحيل إنجاحها نظراً لارتباط تطبيقها بنوعية العنصر البشري و غياب قيم الإخلاص و الشفافية…

لكن، لن نفقد شيئاً إذا ما تقاسمنا هَمَّ هذا المقترح، و الذي يبدأُ عرضه من تبيان الفكرة الأساسية التالية:

في عقول الكثير منا يبقى مفهوم التنمية هلاميا، مجرداً، عاماًّ و خارج إمكانية الإمساك به. نتكلم على تنمية الوطن، دون أن ندري من أين لنا ذلك أو من أين نبدأه. فتكون النتيجة أن نلتزم أمكنتنا دون أدنى حركة أو مبادرة.

الحل: ماذا لو وضعنا الاهتمام بالقضايا العامة الكبرى جانبا، وركزنا على الخاص. أنا لا أعني هنا بالخاص ما هو فردي أو شخصي؛ أعني به أن نفكر في إقليمنا أولا، و أهم عنصر يجب أن تعطى له الأولوية بهذه الجغرافيا الخصبة هم الشباب، و علي رأس هؤلاء، أولا و أخيراً، هم خريجو الجامعات، و مراكز التكوين المهني، و المنقطعون عن الدراسة، على التوالي. واجب إدماج هؤلاء يقع على عاتق المجتمع التاوناتي و نخبه أولا، قبل أن يقع على عاتق العاصمة/ الدولة، لسبب بسيط هو،أولا، أن النخبة التاوناتية باستطاعتها التشغيل و بوسعها الإدماج ؛ و لكون العاصمة الرباط، ثانيا، تجد نفسها أمام تحديات أكثر من 25 مليون شاب، بخلاف الأقاليم، فإن هذا الرقم ينخفض إلى نصف مليون شاب أو لربما أقل.

أكبر مُحفز لي في صياغة هذه المقاربة لظاهرة العطالة و الضياع و التنكر الذي يعانيه شباب تاونات كان هو بروفايل أحد أبناء إقليم تاونات و خريج جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس: حالة الشاب مؤلمة، أدركتُ أن العمر يتقدم به، و لم يجد فرصة عمل بعد، فأنى له أن يؤسس أسرة و يشيد بيتا و يرد مثقال ذرة لتضحيات أمه و والده قبل أن يرحلا، فيبقى التفريط غصة في حلقه تنغص عليه الجزء الثاني من مسلسل حياته؟ !؟

أتساءل / أقترح هنا ما يلي:

• أعرف أن كثيراً من الأموال يصرفها معتنقي الديانة البرلمانية على حملاتهم الإنتخابية، و أعرف أن كثيرا من الزخرفة يصرفها “المؤمنون” على بيوتهم و شققهم، و أعرف ان كثيراً من الأسر تبذر كثيرا من المال على زيجات لا تصمد لأزيد من أربعة شهور، و أعرف أن من الأسر ما لديها أكثر من سيارة أو دواعي تملكها ليست قائمة ( بإمكان الناس أن تفكر في كراء السيارات عند الضرورة/ تزايد الطلب على هذا النوع من الخدمات سيخلق فرصاً للشغل و سيقلل من التلوث و الاختناق المروري)، و أعرف أن الكثير من المدمنين تكلفهم ميزانية السجائر (و أحيانا المخذرات) ميزانية معتبَرة، و أعرف أن من الأموال ما يُنفق على الأضرحة و الزوايا، و أعرف من يفضلون إنفاق الأموال على بناء المساجد، التي، دعنا نقول و لو مرحليا، من اختصاص الدولة، (بل من المتبرعين من يشترط أن ينفق ماله على تفريشها لاعتقاده أن دعاء المصلين الساجدين سيكون على أقرب مسافة من الزرابي ! ).

• إذن، هل يمكنكم أن تتصوروا لو تم إنشاء حساب بنكي في إسم مرصد أمين، و رقابة إلكترونية صارمة، يُعهَدُ فيه للمشرفين من أبناء الإقليم للقيام بنقطتين أساسيتين من بين نقط تصور عام (أنتم كقراء مدعون للتفكير في صياغة سياساته العامة):

1) أولا: العمل على إيجاد فرص عمل للشباب التاوناتي في أي جهة من الوطن أو العالم كانت، و ذلك عبر سياسة التشبيك (Networking)، و الضمانة/الرعاية (sponsorship)، لكون المشغل دائما يبحث أن عناصر معروفة و “مضمونة” من جهات ذات مصداقية حتى يكون مطمئنا على مشروعه.

2) ثانيا، تقديم معونات مالية، و لو بشكل دوري، أو عند الحاجة القصوى، للشباب إما من أجل مساعدتهم على التحرك و التعرف و ربط العلاقات و استغوار الإمكانيات..، و إما لفتح مشاريع صغرى مذرة للدخل، و التي لا شك أنها—إذا توفرت الإرادة الضرورية—ستنمو و تربو و تصبح قصة نجاح يتداولها الإعلام عاجلا أم آجلا.

أعتقد أن هذا ضرب من تعاليم ديننا الحنيف. إنفاق المال هو أول مراتب الجهاد، (و الجهاد في مفهومي العلمي/الأكاديمي هو مجاهدة النفس من أجل الرقي و المساهمة في تحويل حياة الناس إلى الأفضل من أجل إرضاء الخالق سبحانه). لقد ركزت كل الأديان، و في مقدمتها الإسلام الحنيف، على إنفاق المال. قال تعالى : “هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ ۖ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ ۚ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ ۚ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم ” سورة محمد (ص) الأية الأخيرة.

أنا لا أتوقع أن تحدث بوطننا أية نهضة ما لم تكن هناك تعبئة اجتماعية جدرية تروم تحفيز الناس على إنفاق المال الشخصي (يعني التبرع الطوعي) على المرفق العمومي و المصلحة العامة. فالشعوب التي استطاعت أن تنهض و أن تستمتع بالرفاهية لم تستثقل أن تنفق على محيطها حتى تراه كما تحبه و تريد أن تراه.
و ما يقال على الشباب يقال على المؤسسات التعليمية – ابتدائية، و إعدادية، و ثانوية، و جامعية – و التي ظلت كالأجرب، أو كشجرة الزيتون التي لا يقصدها صاحبها إلا ليأخذ غلتها عند كل موسم، حتى إذا عاد إليها يوما و جدها قد اختفت و راء الأعشاب الطفيلة من جراء النسيان. ما ذا لو قررت ساكنة كل مؤسسة أن تتبرع بخمسين درهما شهريا للمؤسسات المحيطة بها، ألا يمكن ذلك من أن يساهم في جودة الحياة المدرسية و قوة المكتسبات و المهارات المعرفية؟ نعم أدرك معكم أنها مسألة ثقة و قيم.. وهنا على الدولة أن تتدخل حتى تحمي نوايا الإصلاح و تشجعها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *