سياسة، مجتمع

مصانع وتهميش ومشردون.. ثالوث حول آسفي من حاضرة المحيط إلى “حظيرته” (فيديو)

مدينة وصفها ابن خلدون بحاضرة المحيط، ويعرفها الزوار المغاربة والأجانب بصناعة أنواع الخزف الفخارة مع لذة السمك خاصة السردين. إلا أن لمناخها الملوث بسبب مصانع كيماوية والمحطة الحرارية لإنتاج الكهرباء كلام آخر في منع العديد من السياح للسفر إليها، أو البقاء فيها مدة أطول لاكتشاف مآثرها التاريخية.

فالعديد من المغاربة يفكرون في زيارتها صيفا للاستجمام في شواطئها البهية المعروفة بجمالها الطبيعي ورمالها الذهبية، لكن بعضهم يفضل المرور منها وجعلها طريق عبور وليس مكان إقامة واستجمام، مضيعا على نفسه فرصة التعرف على ثقافة وتاريخ عريق تم طيه بإهمال مآثرها وعدم التسويق لها.

في الآونة الأخيرة، تفجرت مهزلة -كما وصفها الساكنة- افتتاح كورنيش المدينة دون اتمام أشغاله مع عيوب شابت المشروع، وهجِّر إليها قصرا مهاجرين أفارقة وقاصرين مغاربة من كبريات المدن. ولم تكد الساكنة لتنسى هذه الهموم رفقة تلوث الهواء والأزقة، حتى تسربت مياه الصرف الصحي إلى الشبكة المائية وامتزجت بها لتعود إلى المنازل عبر الصنابير بعد أن خرجت من المراحيض.

“كورنيش المهزلة” بمليارين وستمائة

قبل انتهاء سنة 2019 بليلة واحدة، تلقت تنظيمات حقوقية بحاضرة المحيط اتصالا هاتفيا من الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، للاستماع لهم حول شكاية سبق لهم أن تقدموا بها حول موضوع كورنيش آسفي، مطالبين بفتح فيها بفتح تحقيق في المشروع.

تحرك الحقوقيون لم يكن يتيما، بل عرت الساكنة عن سواعدها وخرجت في مسيرات ووقفات احتجاجية تندد فيها بـ“الاختلالات” التي عرفها ورش كورنيش المدينة، خاصة وأن تكلفة المشروع رصدت له مليارين و200 مليون سنتيم.

الحقوقي والمحامي عبد اللطيف حجيب، في فيديو مصور مع جريدة “العمق”، اعتبر احتجاجات الساكنة “مشروعة، لأنها لم تحترم أولا مدة انجاز المشروع، وبعد ذلك فتح في أسوأ حُلة؛ سواء من ناحية الزليج أو المواصفات الفنية والتقنية، أو الإنارة”.

شكاية على كل الطاولات

وأضاف عبد اللطيف حجيب، أن التكتل الحقوقي الذي يضم المرصد المغربي لحقوق الإنسان، الرابطة المغربية لحقوق الإنسان، المركز الوطني للمصاحبة القانونية وحقوق الإنسان، والمرصد المغربي للدفاع عن حقوق الإنسان، توجه بشكايات إلى جهات قضائية من أجل فتح البحث وافتحاص هذا المشروع.

لم يترك التنسيق الحقوقي المذكور طاولة مؤسسات القضاء والرقابة، إلا ووضعوا فيها شكايتهم، فقد تقدموا بها إلى وكيل الملك العام بمحكمة النقض، ووكيل الملك لدى محكمة الاستئناف بقسم جرائم الأموال بمراكش، والديوان الملكي، والمفتشية العام لوزارة الداخلية والمجلس الأعلى للحسابات، وفق كلام حجيب.

لعنة المصانع

تُعرف المدينة بمصانعها أكثر من مآثرها، ويشكون المواطنين هذه الكثرة التي تسببت في تلوث الجو والأزقة دون عائد مادي على شبابها أو إنجاز مرافق ترفيهية لهم كما جرت العادة في مدن مغربية أخرى، حالة وصفها رئيس المركز الوطني للمصاحبة القانونية وحقوق الإنسان بآسفي، هشام الدركاوي، بـ”اللعنة التي حولت المدينة من حاضرة المحيط إلى حظيرته”.

كما تزكم رائحة مطرح النفايات المجاور للساكنة، إذ يشكل حسب  الدركاوي “تهديد بيئي على المدينة، كان سيحول مند مدة لكن المسؤولين لم يقوموا بذلك، وحتى إذا ما تم تحويله إلى مكان آخر، فمخلفاته ستبقى لسنوات، لأنه لوث الفرشة المائية وألحق أضرارا بصحة الساكنة المجاورة له”.

وأضاف المتحدث أن ساكنة آسفي “لا تنعم بجو هادئ، فهي لا تستطيع التنفس بشكل عادي بسبب الرياح الملوثة جراء المركب الكيماوي للمكتب الشريف للفوسفاط (OCP)، واصفا إياها بـ”الروائح الخطيرة لأنها كبريتية وفوسفورية تؤدي إلى أمراض خطيرة”.

يتابع كلامه في فيديو مصور؛ “العديد من ساكنة المدينة تعاني من أمراض الجهاز التنفسي والهضمي وهشاشة العظام بالإضافة إلى الأمراض السرطانية التي تعرف نسبة كبيرة، دون أن يكون في هذه المدينة الموبوءة والمنحطة بفعل فاعل، مستشفى جامعي أو أونكولوجي يعفى الساكنة من وعثاء التنقل إلى مدن أخرى لتلقي العلاج”. 

مواطن آسفي مِعطاء.. لكنه لا يأخذ

من البداهة أن المدن الصناعية توفر الوظائف، لكن الاستدلال بمدينة آسفي يكذب ذلك، ويؤكد أن مواطنيها استفادوا من بيئة متسخة وإصابتهم بأمراض عدة ناتجة عن تلوث الجو وانتشار البطالة أكثر مما كانت عليه بعد تسريح عدد من العمال.

فقد أرجع الرئيس الوطني للمرصد المغربي للدفاع عن حقوق الإنسان والحريات، حسن عبيدات، عدد من المشاكل التي تعيشها مدينة آسفي اليوم، “بسبب 5000 آلاف شاب، اشتغلوا لمدة أربع سنوات في المحطة الحرارية، ثم كونوا أسرهم والتزموا منازلهم، ومن بعد تم تسريحهم”. 

يتابع عبيدات القول في فيديو مصور مع “العمق”، “في الأول كان عاطل واحد، وبعد تسريحهم فأصبح عندنا عاطل ومعه عائلة مكلف بها، ومنزل اشتراه، وهذا زاد في تأزيم الوضع داخل المدينة”.

ويضيف المتحدث مكذبا أسطوانة المصانع شغلت شباب المدينة؛ “المحطة الحرارية اليوم تشغل عائلة واحدة مكونة من 7 أشخاص يحملون ذات النسب، وهم من خارج المدينة، بالتالي أبناء المدينة تم تهميشهم”.

مواطن في قمة المواطنة

زاد الحقوقي حسن عبيدات مدافعا عن المواطن الآسفي؛ إنه “يرقى لأعلى درجات المواطنة، لأنه قبل العديد من المشاريع الملوثة احتراما ودعما للاقتصاد الوطني”.

وتابع عبيدات القول مستدلا بالمحطة الحرارية، “لقد تم رفضها من طرف العديد من المواطنين في المدن الأخرى، ثم قبلتها ساكنة آسفي”، مسترسلا، “إن هذه المحطة تتسبب في مشاكل عديدة على مستوى الجو والتشغيل”.

وأوضح عندما جاء مشروع المحطة الطرقية أول مرة، قوبل بالرفض من طرف الجمعيات الحقوقية والمدنية بالمدينة، إلا أن المسؤولين حينها، وخلال اجتماعهم بالوزيرة أمينة بنخضرة، قبلوا به بشرط توفير مضخات ذات معايير دولية، دون أن يتم احترام ذلك.

كما أن المحطة الحرارية حسب ذات المتحدث، وضعت مجانا، في حين أن الأجدر بالسياسيين والمجتمع المدني أن يتفاوضوا من أجل بناء مستشفيات لأنها ستسبب أمراض التنفس وغيرها من الأمراض، مع إصلاح وبناء الطرقات والمرافق رياضية.

فحم وسط الميناء

جبال من الفحم تنزل وسط ميناء آسفي، وتحمل على متن شاحنات ضخمة تتجول به وسط المدينة، هكذا رصد حسن عبيدات عدم احترام دفتر التحملات الخاص بالمحطة الحرارية، قائلا؛ “أطنان من الفحم توضع في ميناء آسفي وعلى مقربة من مخزن الحبوب ومن المنتوجات البحرية”.

وأضاف المتحدث أن لم يتم احترام دفتر التحملات، فقد أخبرت إحدى المسؤولات عن المكتب الوطني للكهرباء حينها، أنه لن يتم وضع غرام واحد من الفحم في ميناء آسفي، إذ سيتم نقله عبر سلسلة كهربائية من الباخرة مباشرة إلى المحطة الحرارية عبر البحر، إلا أن جبال من الفحم تنزل في ميناء آسفي”.

وأفاد عبيدات أنه راسل عامل إقليم آسفي منذ سنة، من أجل رفع الضرر المتحصل، والنظر في مدى احترام دفتر التحملات لإبعاد الفحم من وسط المدينة وعدم وضعه في الميناء، إلا أنه إلى يومنا هذا لم أتلقى أي جواب. 

مياه عادمة من الصنبور 

المصائب لا تُعاش فرادى في مدينة البحر، فهي تعيش أيضا انقطاعات متكررة للمياه دون إعلام من طرف الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء بآسفي. هذا ما أكده رئيس المركز الوطني للمصاحبة القانونية وحقوق الإنسان بآسفي، هشام الدركاوي.

فقد كشف الدركاوي في فيديو مصور مع العمق، أن أحياء كثيرة بمدينة آسف “تشهد انقطاعات متكررة للمياه دون سابق إعلان من طرف “لاراديس”، وذلك من أجل التهيؤ المسبق لذلك على الأقل”، معتبرا هذا “استهتار بالمواطن المسفيوي”

وأوضح المتحدث أنه قبل أيام انقطع الماء، وبعد عودته، “لمست الساكنة اختلاف في رائحته ولونه وطعمه، بسبب تسرب المياه العادمة فيه، ما شكل كارثة على صحة المواطنين، كما تم نقل البعض منهم إلى المستشفى الإقليمي بسبب إصابتهم بتسمم بعد شربه دون أن يلاحظوا تغيره أو بسبب انتظار عودة المياه بفارغ الصبر”.

الوكالة: المياه تحترم المعايير

تغير المياه أثار موجة غضب عارمة ضد وكالة “لارديس” المسؤولة على تزويد المدينة الساحلية بالماء الصالح للشرب، كما طالبت هيئات مدنية وسياسية من الوكالة الإعتذار من الساكنة، إلا أن الوكالة المذكورة أصدرت بيانين اثنين ابتداء من مساء أول أمس الاثنين، اكتفت في الأول بطمأنة ساكنة آسفي أن الانقطاعات “محدودة” و”لن تستمر”، فيما وصفت تغير لون ورائحة الماء بـ “الأمر العادي، ويبقى في حدود المعايير المعتمدة”.

إلا أن رئيس “المصاحبة القانونية”، هشام الدركاوي، انتقد عدم تحرك “لاراديس” لتوضيح أسباب ذلك التغير، أو مد الساكنة بتقارير الخبرة لمعرفة جودة المياه، وعن أسباب انقطاعه المتكرر في غياب التواصل مع المواطنين.

مهّجرين قسرا

“العمق” وخلال تجولها بمدينة الخزف، رصدت مهاجرين أفارقة اتخذوا من ساحة جانب “فيلا” مهجورة مكانا لنصب خيمة يبيتون بها ليلا. وقد أخبرنا أحد ساكنة المدينة أن هؤلاء الأفارقة قاموا بهدم سور المنزل ودخولوا إليه وأن الخيمة يجلس فيها القليل منهم من أجل تمويه المارة.

كما أنه سبق لسلطات آسفي أن تدخلت لتحرر فندقا مهجورا اتخذه بعض المهاجرين الأفارقة مكانا للنوم، بعدما تم تهجيرهم من مدينتي الدار البيضاء ومراكش، رفقة أطفال قاصرين.

في ذات السياق، انتقد رئيس الفرع الإقليمي للرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان بمدينة آسفي، عبد الإله الوثيق، ما سماه بتواطئ السلطات الأمنية والمحلية بالمدينة، معتبرا هذا التهجير فيه خرقا لمجموعة من الاتفاقيات المتعلقة بحقوق المهاجرين والتي وقع عليها المغرب أو تلك الخاصة بحقوق الطفل. 

مخاوف من انعدام الأمن

كما عبر المتحدث ذاته عن تفاجئه بتهجير مجموعة من الأطفال القاصرين والمشردين والمهاجرين الأفارقة إلى آسفي، وسط المشاكل التي تعرفها المدينة، وقلة دور الرعاية الاجتماعية والمعروفة بضعف طاقتها الاستيعابية. 

يتجول هؤلاء المهجّرين قسرا في النهار داخل المدينة بحثا عن رحمة أيادي محسنة ترحمهم، تم يعودون ليلا إلى جنبات المحطة الطرقية، يجلسون في أماكن مظلمة أو خافتة الضوء، أغلبهم يمسكون في أيديهم أكياس بلاستيك مليئة “بالسيليسيون”.

واعتبر الوثيق انتشار المشردين في مدينة آسفي “سيسبب العديد من التجاوزات الأمنية داخل الإقليم، خاصة وأن من بينهم بعض الأشخاص يعانون أمراض نفسية وانحرافات سلوكية والتي ممكن أن تنعكس على الحالة الأمنية للمدينة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *