منتدى العمق

المرأة القروية ومسألة التنمية

شكلت قضية المرأة والتنمية أحد أبرز الإشكاليات التي طرحت في الساحة العلمية والسياسية في تاريخ المجتمعات، ففي المجتمع المغربي برزت هذه الإشكالية منذ فجر الاستقلال إلى أن تم إعادة النظر في قضية المرأة من عدة مستويات وخاصة في مجال القانون الاجتماعي، ما أدى إلى إصدار مذكرات قانونية تنص على دمج المرأة في التنمية وخاصة مع مشروع والتقويم الهيكلي في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي. ومن هنا يتضح أن إشكالية المرأة والتنمية هي إشكالية قديمة وحديثة تختلف من مجتمع لآخر ومن عقد زمني لآخر. ومن الناحية العلمية فإن الحديث عن قضية المرأة والتنمية يضعنا أمام مفهومين أساسين وكل واحد منهما يشكل في حد ذاته إشكالية كبرى، فمثلا مفهوم المرأة كنوع اجتماعي في الساحة العلمية لم يعد مفهوم أدبي بل أصبح أذاة لتحليل والفهم والمقارنة في البحث العلمي وخاصة البحث السوسيولوجي. وفيما يخص مفهوم التنمية هو الأخر من المفاهيم التي نالت الاهتمام الكبير والواسع منذ ظهوره في الخمسينيات من القرن الماضي. ويلاحظ أن التنمية هي مسؤولية جماعية واجتماعية بين جميع مكونات المجتمع، فإقصاء أحد الأطراف رجل أو امرأة هو تحدي وتعجيز وإكراه لنجاح مشروع التنمية لأي مجتمع من المجتمعات وخاصة القروية بالعالم الثالث. وكيف ذلك؟

إن قضية المرأة والتنمية شكلت إكراها كبيرا على المستوى البنية الاجتماعية للمجتمع القروي، إذ نجد مشاريع تنموية مازالت عالقة من حيث حيز التنفيذ، وذلك راجع أساسا إلى وجود فرق بين الخطابات السياسية والواقع المعاش للمرأة القروية ومشاركتها في التنمية المحلية وكذا مشاركتها في اتخاذ القرار، ما يجعل من مسالة المرأة والتنمية حبرا على ورق ولا شيء يترجم إلى أرض الواقع في ظل هذا التناقض والتعارض الحاصل بين السياسيات والقوانين في الخطاب وبين واقع الحياة اليومية للمرأة في المغرب القروي. وللحديث عن التنمية في هذا الصدد يعني الحديث عن التغير المقصود في كل مناحي الحياة البشري والتي تحتاج إلى عزيمة إنسانية متينة تكون غايتها الأسمى التغيير المستمر وكذا تطورات نوعية مرغوب فيها. فالحديث عن المرأة القروية والتنمية لا يكتمل دون النظر إلى واقع القرية كمجتمع هامش منفصل عن المركز أو المدينة كمجال نال نصيبه من الاهتمام التنموي. إذ تعد المرأة القروية عنصر من العناصر المشكلة للبنية الاجتماعية للمجتمع القروي، ولمعالجة موضوع المرأة في الحقل السوسيولوجي والعلمي العام لابد من الوقوف عن مفهوم أساسي الذي تم إنتاجه لهذا الغرض أي معالجة قضايا المرأة في الحقول العلمية وهو مفهوم “النوع الاجتماعي” وهذا الأخير يستخدم كأذاة لفهم وتحليل واقع المرأة والرجل والعلاقة بينها في الحياة اليومية والاجتماعية والاقتصادية وكذا السياسية.

أيضا تعتبر المرأة من الحلقات الأساسية (دينامو المجتمع) لتطوير المجتمع القروي على الوجه الخصوص، كما أن تقدمها وتحرر طاقاتها لا يكون دون توفر منظومة من التشريعات القائمة على المساواة والعدل وكذا على مبدأ تكافئ الفرص بين الذات المغايرة عنها تماما، مع إدماج قضاياها في أولويات خطط برامج التنمية الشاملة، التي تنعدم في جل البرامج التنموية التي تتناوب عليها الحكومات والأحزاب دون أي تطبيق ونجاح.

ومن هنا لابد من الوعي بأن التنمية الشاملة ونجاحها لا تتحقق بدون الوقوف عند إشكالية المرأة التي همشت واستبعدت عن مراكز اتخاذ القرار التنموي المجتمعي والأسري. وفيما يخص مشاركة المرأة القروية في التنمية من خلال عدة أعمال يلاحظ أن هذا الأخير أي عمل المرأة القروية لا يؤطر بالقوانين بشكل ديمقراطي، ولكون المرأة القروية تمارس أنشطة غير مهيكلة خصوصا في الجانب ألفلاحي وتربية الماشية وكذا الأعمال المنزلية، فهي أعمال تقليدية روتينية تبقى فقط ذات الاقتصاد التقليدي باحتياجات معيشية، إلا أنها ذات أهمية كبيرة في الاقتصاد الأسري وتنميته. من خلال اقتحامها لمجال التصنيع والإبداع كالخياطة، الطرز، صناعة النسيج…

لتشكل لنفسها في محيطها نمط حياة خاص يتسم بالتكيف والتدبير والتحدي. وهو الأمر الذي جعل من المرأة القروية مناضلة ومكافحة لا تعترف بالمستحيل ولا تنتهي لها الإرادة فهي صامدة تتفاوض الواقع رغم كل التحديات التي تواجه حياتها في ظل غياب تأشيرات تأمن حياتها أثناء الشيخوخة والمرض، ورغم كل ذلك لا يزال المجتمع لا يعترف بكل هذه التضحيات التي تقوم بها منذ فجر النهار إلى الثلث الأول من الليل.

تشكل كل هذه الممارسات بالنسبة للمرأة القروية من طبيعة الحال هي مجرد أعمال ملزمة بفعلها وكتقديس يومي، وأيضا قد تعتبر في منظورها الشخصي أنها من الأسس أو المبادئ التي قد تحافظ على بيت الزوجية والمحافظة على الاستقرار العائلي، وهو ما ينعكس إيجابا على الأسر والمجتمع برمته. ونظرا لثقافة المجتمع القروي المحافظة تبقى المرأة تحث الخضوع أمام سيطرة البطريركية أو الأبوية بلغة الشرايبي، والتي من تلحق بالمرأة ويلات وإقصاء وتهميشها وهو ما ينعكس على قدراتها التي قد تجعلها ترتقي شيء ما إلى عتبة المساواة بينها وبين الرجل وتطوير نفسها وإثبات ذاتها. من هذا المنطلق إذن يتضح أن المرأة في هذا النحو لم تعرف تنمية في شكلها الملموس، وأيضا التنمية بجميع برامجها مازالت بعيدة عنها، وهذا ما يؤدي إلى مساءلة الذات والمجتمع عن المسؤول عن هذا الإقصاء للمرأة القروية من جهة ومن جهة أخرى مشاركتها في المشروع التنمية، وهذا يأخذنا إلى مسائلة المؤسسات السياسية المختصة بمسألة المرأة بالمغرب القروي، والتي لا تجعل ضمن أولوياتها التنموية تشخيص واقع المرأة بتفاصيله؟

إن التنمية الاجتماعية الشاملة التي تعجز عليها الدولة التقليدية قبل الاستعمار وفي مرحلة الاستعمار وصولا إلى اليوم كان سببها هو إقصاء أحد مكونات وركائز المجتمع الذي يتجلى في عنصر المرأة، ورغم أنها عنصر حيوي فاعل في محيطه القروي والهامش. ومن هنا فلا بد من إعادة النظر في مسألة التنمية ومشاركة المرأة في جل برامجها وقراراتها. وأيضا يجب العمل على مواكبة القرويات في جميع أنشطتهن المحلية، والحرص كذلك على تكوين الفتيات القرويات وتأهيلهن على أمل النهوض بأوضاع المرأة من ناحية ومن ناحية أخرى النهوض بأوضاع القرى المغربية التي زالت تضع يدها على وجهها وهي تبكي وتنتظر حنين ورحيم التنمية، التي تعد بمثابة حلم الإنسان والمجتمع القرويين. وهذا لا يمكن أن يتحقق دون دراسة تشخصية للواقع القروي وتفادي فلسفة استوراد السياسيات الخارجية التي لا توافق السياق القروي المغربي نظرا لاختلاف الخصوصيات الثقافية والاجتماعية، كما يتطلب الأمر سياسيات محلية متفق عليها محكمة ودقيقة متفق عليها اجتماعيا ومع حسن تفنيدها وتوجيهها بشكل عقلاني.

* طالب باحث في السوسيولوجيا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *