وجهة نظر

الدعامة الاجتماعية للتنمية المستدامة

البحث في أسس نموذج جديد للتنمية، هو عنوان المرحلة الحالية بالمغرب. وإذا كانت التنمية المستدامة هي غاية النموذج المأمول في بلدنا، فإننا سنحاول في هذه الورقة ملامسة الإجابة على السؤالين التالين: ما المقصود بالتنمية المستدامة؟ وكيف يمكن تقوية الدعامة الاجتماعية لتحقيق التنمية المستدامة؟ فمن حق

المواطنات والمواطنين أن يعلموا ما يحيط بهم، ومن حقهم أن يكونوا على بينة من مستقبلهم.
نجد التعريف التالي للتنمية المستدامة ببرنامج الأمم المتحدة للتنمية ( PNUD) المنشور في تقريره العالمي بشأن التنمية البشرية لعام 1992: “هي عملية يتم من خلالها صياغة السياسات الاقتصادية، الضريبية، التجارية، الطاقوية، الزراعية والصناعية، كلها بقصد إقامة تنمية تكون اقتصاديا، اجتماعيا، وإيكولوجيا مستديمة” .

وبالرغم من وضوح هذا التعريف، يزودنا كمال ديب وهو باحث في القضايا التنموية والبيئية بالشقيقة الجزائر، بتعريف شامل ومناسب للتنمية المستدامة حيث يرى أنها: عملية استغلال الموارد المتاحة، بطريقة عقلانية، لأنها تتصف بالندرة ومهددة بالفناء لإشباع حاجياتنا وتحقيق إشباعنا ورفاهيتنا، دون المساس بسلامة البيئة وتوازنها، مع الحفاظ على حق الأجيال القادمة في استغلال الموارد نفسها والعيش في البيئة السليمة والنقية.

إن نجاح التنمية المستدامة رهين بمدى صلابة أبعادها الثلاثة: الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والتي تعد في الآن ذاته الدعائم التي ترتكز عليها. فكيف يمكننا تثبيت الدعامة الاجتماعية للتنمية المستدامة؟ وهو الشق الثاني لهذه الورقة.

نستشف الجواب من خلال معالجة كمال ديب لهذا المحور في كتابه ” أساسيات التنمية المستدامة”، فهو يرى أن تثبيت هذه الدعامة على أرض الواقع لبناء صرح

التنمية المستدامة وتحقيق أهدافها يفرض تحقيق جملة من الشروط، نوجزها بتصرف كالتالي:

• المساواة بين الجنسين في الفرص: وذلك بسن قوانين رادعة لكل تفريق بين الجنسين في الحقوق والواجبات. وفسح المجال للقدرات والكفاءات والمواهب والخبرات دون اعتبار للجنس.

• محاربة الفقر وكل أشكال الإقصاء: يعد القضاء على الفقر وتحقيق العدل والمساواة وإدماج الكل في المجتمع دون إقصاء، أهم شرط لإحلال الدعامة الاجتماعية للتنمية المستدامة.

• ضمان صحة مستدامة: وذلك بالسهر على تطبيق معايير الوقاية والعلاج. وبالاستثمار في المستشفيات وتكوين الأطباء والممرضين والتحكم في أسعار الأدوية عن طريق الإنتاج أو تسطير سياسات صحية تغني عن التبعية للخارج.

• التحكم في العمران وخلق المدن المستدامة: وذلك عن طريق اعتماد السياسات السكانية المحكمة وإعداد البرامج بعناية، لتنظيم التوسع الديمغرافي وللحد من البناء العشوائي وانتشار المدن السيئة التخطيط والقضاء على الانحراف والتطرف.

• التعليم المنتج: ترتكز التنمية المستدامة على الثروة البشرية ومن تم تبرز الأهمية الكبرى للدور الذي تؤديه السياسة التعليمية والمؤسسات العلمية في تحقيق الاستدامة وتحويل عناصر الثروة للأجيال القادمة. ويعد المجتمع القائم على المعرفة هدفا أساسيا للتنمية المستدامة إذ يستطيع ترشيد استعمال موارده وتوسيع خيارات البشر من خلال الإبداع والتطوير.

فهل نحن مستعدون للمرحلة القادمة؟

ينص دستور 2011 على أن التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لا مركزي، يقوم على الجهوية المتقدمة. وتعد التنمية الجهوية المستدامة غايتها. ويتضمن الدستور والقوانين التنظيمية للجماعات الترابية مجموعة من الآليات لتحقيق النموذج الجديد للتنمية. وقد شكل، ويشكل، الجانب الاجتماعي المحور الرئيسي في العديد من الخطب الملكية.

لذلك، وبناء على ما تقدم، وغيره كثير قد يبدو للقارئ(ة)، نعتقد أن الإقلاع الصحيح لنموذج التنمية المرتقب يفرض:

• اعتماد منظومة اقتصادية يؤدي فيها كل من القطاع العام والقطاع الخاص أدواره كاملة من أجل خلق الثروات. ويشكل الاستثمار آليتها الحقيقية، فمن دون استثمارات منتجة لا يمكن الحديث عن نمو اقتصادي سنوي كاف لخلق فرص الشغل. ولا يمكن البتة الحديث عن نموذج تنموي ناجح.

• اعتماد مبدأ سيادة القانون، فكل المواطنين والمواطنات سواسية أمام القانون.

• إحداث ثورة حقيقية على مستوى منظومة التربية والتعليم التي يجب أن تؤسس على المبادئ الأساسية للتربية السليمة، وتعليم التفكير، وتشجيع الخلق والإبداع.

ولا بد أن يحتل البحث العلمي مكانة عظمي في ميزانية التعليم سنويا. ولما لا إحداث ميزانية خاصة بالبحث العلمي والابتكار، إن نحن نريد فعلا نموذجا تنمويا قوي المرتكزات. فلا تنمية حقيقية من دون تربية وتعليم جيدين، خاصة في زمن العولمة المتوحشة التي مازالت تأتي على الأخضر واليابس في مجتمعاتنا العربية.

• إدارة خدومة للاقتصاد والمواطنين.

– تمتع المواطن بحقه في الصحة والحياة الكريمة.

– دور كبير للإعلام، فهو آلية حقيقية لتحقيق التنمية.

– اعتماد المقاربة التشاركية في كل السياسات العمومية كما ينص عليها دستور 2011. والحقيقة، أننا لم نستطع لحد الآن القطع مع المقاربة القطاعية وهو ما يعني في تقديرنا ضرورة تغيير العقليات التي لا تستطيع الاستجابة للتقويم بعقليات جديدة عالمة بأسس علم التدبير.

إن مؤشرات الحكم على أي نموذج تنموي أربعة: التعليم والصحة والتشغيل والعدل.

وتبقى العدالة الاجتماعية هي الأس المتين لأي نموذج تنموي ناجح. وهي مربط الفرس في كل نماذج التنمية السابقة.

* إعلامي وباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *