منتدى العمق

لها موقعها من الحيـاة

يعتبر العالم القروي أكبر خزّان لظاهرة الفقر بجميع مستوياته وتجلياته البنيوية والظرفية. فالفقر من بين الحواجز التي تحول دون ولوج الفتاة القروية إلى المدرسة، ذلك أن الآباء عاجزون عن تحمل مصاريف الدراسة لمجموعة من الأطفال في آن واحد فيضطرون إلى الاختيار والذي يكون غالبا على حساب الفتيات، كما ترى الأسر في الفتيات يدا عاملة تساعدها في تحمل أعباء الحياة وتساعدها في الأعمال المنزلية وتربية المواشي بل ترسلها أحيانا كخادمات في البيوت في المدن لتعيل أسرها، كما أن هشاشة البنيات التحتية القروية بدورها تساهم في هذه الظاهرة، إذ أن تشتت المساكن القروية يحول دون قرب المؤسسات التعليمية من مساكن الأطفال فيضطرون بذلك إلى قطع العديد من الكلومترات للوصول إلى المدرسة. وفي غياب تام لوسائل النقل مما يزيد المهمة صعوبة كما إن قسوة الظروف الطبيعية تساهم بقسط كبير في جعل الالتحاق بالمدرسة أمراً صعباً للجنسين ناهيك عن الفتاة.

إنّ جهل الآباء بإيجابيات التعليم يحدو بهم إلى القول بعدم أهمية تمدرس الفتاة مادام مصيرها المكوث بالبيت، لكنهم يغفلون حقيقة مهمة حتى بالنسبة للنهوض بمسؤولية البيت بما في ذلك تربية الأطفال .

فالأم تحتاج إلى قسط من التعليم ليتسنى لها الاضطلاع بمسؤولية الأمومة في ظروف حسنة. كما أن الآباء يعتبرون تعليم الفتاة أمرا يُحْدث اضطرابا في تماسك المجتمع القروي، الشيء الذي لا ينسجم مع قيم الأنوثة وخصوصياتها، بالإضافة إلى العديد من المبررات الواهية، كالحرص على عرض الفتاة ورفض الاختلاط واعتبار المدرسة مضيعة لمستقبل الفتاة تحول بينها وبين مهام الزوجة والأم المستقبليتين.

لاشك أن ثمة ربطا منطقيا بين مستوى التمدرس عند الفتاة والتنمية الشاملة في البلاد باعتبارها طرفا مساهما في هذه التنمية فالتعليم يفتح أمام الفتاة القروية آفاقا لا حدود لها ويزودها بوسائل تيسر فهمها للواقع المحيط بها والتواصل معه بوعي وكذا القدرة على تعزيز معارفها والتكيف مع متغيرات محيطها وبالتالي السعي للمساهمة الإنمائية.

فالفتاة المتعلمة يكون لها موقعها الخاص من الحياة عموما وما يرتبط بها خصوصا كالإنجاب إذ تفضل عددا محدودا من الأطفال قصد رعايتهم والاعتناء بهم بشكل أفضل كما تتقيد بمواعيد تلقيحهم مما يساهم في تخفيض عدد الوفيات بين صفوف الأطفال الذين لا تتعدى أعمارهم سنة واحدة، هذا من جانب ومن جانب أخر فالتمدرس يتيح لها فرصة التعامل مع المرافق العمومية بسهولة وبالتالي تخطي العراقيل بثقة وثبات، وكذا اتخاذ القرارات داخل الأسرة وتحسين نوعيتها من خلال تعزيز مشاركتها في النسيج الاقتصادي. وثمة علاقة نسبية بين مستوى التعليم والزواج لدى الفتاة فكلما ارتفع مستواها التعليمي كلما تأخرت عن الزواج وذلك لوعيها من أن هناك أمرا أهم هو تكوين النفس وتعزيز قدراتها الفكرية حتى يتسنى لها التعامل مع الحياة بشكل أفضل، فالتعليم يساعد في الانخراط بجدية داخل التنظيمات النسائية، والمنظمات المدنية من أجل خلق فرص كبرى لتوعية باقي النساء القرويات وتزويدهن بالخدمات والمعلومات اللازمة بما في ذلك خلق أنشطة مُدرة للدخل والاستفادة من القروض، كما أن الفتاة القروية المتعلمة تتحمل مسؤولية الرفع من حظوظ باقي القرويات لتسمع أصواتهن حتى يعي المجتمع بالمكانة الحقيقية للمرأة القروية.

وبهذا يعد تعليم الفتاة عامة والقروية خاصة من بين أفضل الاستثمارات لتحقيق تنمية بشرية ومستدامة بالبلاد خاصة وأن التنمية البشرية ليست إلا عملية تنمية وتوسيع للخيارات المتاحة أمام الإنسان باعتباره جوهر عملية التنمية ذاتها أي أنها تنمية الناس بالناس ولذلك لابد من التأكيد على ضرورة الاهتمام بالفتاة المرأة القروية وتحريرها من قيود الأمية وسجن التهميش والتفقير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *