وجهة نظر

لماذا لا نستفيد من الصين لبناء نموذجنا التنموي المرتقب؟

هذا السؤال قد يثير غضب البعض لاعتباراته الخاصة، والحق في الاختلاف مشروع. وقد يدعو البعض – مثلي – إلى التفكير رويا في النموذج الصيني لأن هناك في صين اليوم، ما يفيد على مستوى التأسيس البنيوي لبناء نموذج تنموي جديد، ومستقل، بالمغرب.

نتفق مع الاقتصاديين الذين يرون أنه من دون استثمارات عمومية وخاصة منتجة، لا يمكن تحقيق نسبة نمو اقتصادي تمكن من خلق الثروات، وخلق فرص الشغل، وتمويل البرامج التعليمية، وتقوية الجانب الاجتماعي الهش… ومن تم فالتقوية الاقتصادية، ضرورة، لبناء نموذج تنموي جديد ببلدنا.

ولا نتفق، على الاستمرار في اعتماد سياسات اقتصادية لا تستحضر إلا البعد المالي. وتستبعد من حساباتها، البعد الاجتماعي ومعه أهمية الأبعاد الثقافية والفلسفية وخصوصيات الإنسان المغربي.

إن الرصيد السلبي اجتماعيا الذي راكمناه منذ كنا مجبرين على تطبيق برنامج التقويم الهيكلي رقم 1 ورقم 2، منذ ثمانينيات القرن الماضي، يدعونا اليوم إلى مضاعفة الجهود واستمرارها في إطار تفكير جماعي وتشاركي بين الأحزاب والنقابات وجمعيات المجتمع المدني والأكاديميين والإعلاميين، وذلك بالموازاة مع ما تقوم به اللجنة الاستشارية المكلفة بإعداد النموذج التنموي الجديد.

إن المطلوب هو تقديم الطروحات والطروحات المضادة التي يمكن أن تفضي إلى نموذج تنموي جديد يمكننا من تحقيق نمو اقتصادي، كاف، ومستدام، أولا. وبعده يمكننا الحديث عن التنمية الاقتصادية.(النمو الاقتصادي بعد كمي، أما التنمية الاقتصادية فهي بعد كيفي واستراتيجي).

وهنا يجب استشارة الخبراء في الاقتصاد لمعرفة نسبة النمو الاقتصادي الضرورية، التي تمكن من تحقيق التحولات الاقتصادية والاجتماعية المنتظرة خاصة من طرف الطبقتين المتضررتين المتوسطة والضعيفة في بلدنا. ومن دونها (نسبة النمو الضرورية) يكون الحديث عن خفض نسبة البطالة، والرفع من مستوى الخدمات بالمستشفيات العمومية، وجودة التعليم (…) تضليل للرأي العام. بل تسويق سياسي لباطل أريد به حق.

وبناء عليه، نعتقد أنه ما أحوجنا اليوم إلى الاستفادة من التجارب الأسيوية وذلك لاعتبار موضوعي هو أن جل دول آسيا كانت إلى حد قريب، في مستوانا الاقتصادي. ولكن تغيرت الأمور في كوريا الجنوبية وفي الصين على سبيل المثال لا الحصر. وسنوضح فيما يلي، لماذا التركيز عن الصين في هذه الورقة، وبصفة خاصة ما يتعلق بالبعد اللامادي لتجربة هذا البلد الغنية بالدروس، بعيدا عن التجريد الأكاديمي.

الصين التي مع وفاة Mao ووصول Deng Xiaoping إلى الحكم في 1976 بدأت مرحلة التحرير الاقتصادي، أصبحت اليوم القوة العالمية الثانية عالميا، إن لم تكن الأولى. وأثبتت، وتثبت، وستثبت أكثر للعالم بالملموس، أنها قد استيقظت بالفعل في بداية القرن الواحد والعشرين. وأنها تهدد فعلا أمريكا تجاريا. وبذلك، فقد صدق الكاتب العالمي ( Alain Peyrefitte) حينما قال: حينما تستيقظ الصين… سيهتز العالم.

(Quand la Chine s’éveillera… le monde tremblera) وبما أنه كما يقال ” ليس من رأى كمن سمع “، دعنا نتمعن معا فيما جاء في جواب أستاذ جامعي مغربي يدرس بإحدى الجامعات بالصين الشعبية، عن سؤال لصحفي محترم بإحدى القنوات التلفزيونية المغربية وهو: ما سر تقدم الصين؟ قال هذا الأستاذ إنه: الثقافة.

وأضاف أن الثقافة الصينية ترتكز على عنصرين أساسيين هما: التضحية والمواطنة. ويومن الإنسان الصيني بما يسميه خبراء التنمية الذاتية اليوم بالطاقة الإيجابية. وهو يعتقد أن هذه الطاقة الإيجابية تنبع من القلب والبيت.

فالتضحية قيمة أساسية في حياة الإنسان الصيني. وقد استشهد هذا الشاهد، بامتثال لا عبي كرة القدم لقرارات مدربيهم مهما كان نوعها وحدتها، ولو اقتضى الأمر الجلوس على هامش الملعب، لأن روح الفريق وحب الوطن، والرغبة الجامحة في أن تكون الصين قوة عالمية…هي وغيرها تشكل جوهر التربية الصينية في البيت والمدرسة والشارع.

ولنا نحن (أنا وأنت) أن نلاحظ سلوكات وممارسات اللاعبات واللاعبين الصينين في الألعاب الأولمبية والبطولات العالمية في كل الرياضات.

ولعلنا نتفق على أن التضحية هي نتيجة حتمية للتربية على المواطنة. كما أن الطاقة الإيجابية ما هي إلا نتيجة للتحفيز والتعامل الإيجابي داخل الأسرة والمدرسة.

وتترسخ هذه الطاقة الخلاقة بعد الطفولة، في القلوب والنفسيات في مرحلة الشباب الذي هو قلب الأمة.

هذا الكلام، يدعونا إلى التمعن في أحد دروس المفكر المغربي المهدي المنجرة، انطلاقا مما قاله في كتابه ” حوار التواصل”.

قال (رحمه الله): “…وأعتقد أن العديد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها البلدان النامية تعود إلى قلة الاهتمام التي توليه للقيم الثقافية والمعارف المتراكمة التي تواكبها. ولا أريد أن أقول بهذا على الدول أن تتقوقع في تقاليدها (….)”.

وقد جاء في جانب آخر من هذا الدرس، أن كل ثقافة لا تتعامل مع التغيير، سيكون مآلها الانقراض. فأفضل طريقة لحماية الهوية الثقافية، التي تمثل الجزء الأقل مناعة في بناء جل بلدان العالم الثالث، هي جعل الثقافة أحد المحركات الأساسية في عملية التنمية، وتشجيع استخدام ذاتي وخلاق للتكنولوجيا الإعلامية الجديدة.

خلاصة القول، إن ما يجب أن نستلهمه من النموذج الصيني، هو أن الثقافة المبنية على المواطنة والتضحية والطاقة الإيجابية، تولد الثقة بين المواطن والدولة.

وبالتالي، يمكن أن يصبح حلم التنمية واقعا معاشا لدى كل الفئات الاجتماعية.

وأجدني ممن يعتقدون، أنه إذا كانت شروط نجاح أي نموذج تنموي هي: العنصر البشري، وإعطاء الأولوية للعلم والتكنولوجيا، والاهتمام بالقيم الحضارية. فهي وحدها لا تكفي ولا مستقبل لها إذا لم تقرن بالديمقراطية، وحقوق الإنسان، وحرية الرأي والتعبير والفكر(…) باعتبار أن هذه الشروط الأخيرة تشكل في مجملها الأساس اللامادي للتنمية بمفهومها الشمولي.

فهل نستفيد؟ المستقبل وحده كفيل بالإجابة على هذا السؤال.

* إعلامي وباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *