وجهة نظر

هل نحجب حقيقة العنف.. كيف نصلح تعليمنا؟

كثيرا ما نتحدث عن المنطق كأنه جزء من التحليل الاجتماعي الخارج عن التفكير. وكثيرا ما ينزاح هذا التوجس عن قضايانا اليومية الشائكة، ويصبح الهم الوحيد الذي يؤرق بالنا هو الاحتماء بالصدمة والمداراة عن عواقب ما نتغافل عن فهمه أو استيعابه.

الحقيقة المرة التي لا يريد أحد بلعها هي التصور الفاقد للبوصلة، وأحيانا الغامض غموض النفاق في أحشائنا، لا نكاد ننبش فيه، أو نسترد بعضا من نذوبه، حتى تظهر فوارق التأثير بين ما نبتغيه أو نرغب في توقعه، وما يشيح بوجهه القبيح تجاهنا، كأننا نمني القدر بالصمت والتصادي عوض البوح والانتقاد!؟

قضية أستاذ تارودانت وتلميذته المعنفة ليست الوحيدة في سجل اليأس من معاودة تفجير جدل رؤيتنا المهترئة للجزء الخفي من سلوكاتنا الاجتماعية والتربوية في العملية التعليمية التعلمية.

أقول ذلك وأنا مكلوم ومحاذر من أن يكون النقاش الفائض عن الحاجة اليوم، جرس خطر داهم يقيد إرادتنا من التهرب الخجول المستكين، نحو هدم روح ثقافة محلية، وتقاليد حضارية، تنشد إعادة تفكيك أسئلة صميمة، تقع في صلب القضية المصيرية الأولى، الإصلاح المنشود في المنهجية التعليمية، وما يستدعي من التعبئة والمواجهة والقطع مع الماضي.

لا فكاك لنا من إعمال البدهيات العامة، وتحقيق حد أدنى من القدرة على القياس والتمكن من فعل شيء خارج منطق التعتيم وحجب الحقيقة، على الرغم من صعوبة إدراك القياس إياه، بسبب تعقد الظواهر الإنسانية المرتبطة بالقيم.

العنف في المدرسة بكل أشكاله أصبح واقعا، وتبديده في الهوامش والنقاشات الفارغة ليس حلا. أما تنظيم النقاش فأضحى عاجزا عن إدراك جوهر انتظامه وتفاعله والأدوار المنوطة بالمؤسسة التربوية والأسرة ومراكز الأبحاث والدراسات، ونظم التواصل والإعلام، والقطاع الوصي أيضا.

إما أن نعيد الثقة في كياننا الثقافي الذي يتخبط ما بين منتشي بفشله في التمييز بين الوعي بالواقع ورفضه، أو الحؤول دون اكتمال رؤيتنا للثقافة كمنبه للعودة إلى التأسيسات التي تقوم عليه هذه الثقافة، من الهوية إلى البناء السلوكي الأساس.

الجهل المركب الذي يحيق بنا في كل لحظة تشتعل فيها مغانم تدوير إشكالية العنف والعنف المضاد في مدرسة منهوكة القوى مفتونة بتداعيات إفشالها وإخراجها من رحم الوجود، هو جزء من مسؤولياتنا جميعا، ونمط معزول عن التغول المتنامي في نظرتنا للفعل التربوي، ليس كبنية قيمية، كرغبة في الانفلات من جحيم التردي واللامعنى، بالقدرة على النّقد والنّظر للأمور بموضوعية التجريب، والبحث العلميّ، والتّسامح الفكريّ. بل كاستبطان دامغ لمعنى أن نكون صاغرين لأحاسيس الضياع والموت البطيء.

إذا كان العنف الذي ينتمي إلى فصيلة استخفاف كل الفاعلين بمهامهم التي بعثوا لأجلها، فلأنه يجد العش دافئا ورخوا، يقيم عليه فرضياته وجهوزياته لتقويض القيمة والإجهاز عليها.

نحن مسؤولون جميعا عن العنف، وعن مسبباته، وعن استتباعاته التربوية وامتداداته الأسرية والسلوكية والسيكولوجية، لأن القيم دائما تكتسب صفة الاستمرارية بسبب محافظة الناس عليها، وإذا زحزحت عن تأثيراتها في الأفراد صارت وبالا علينا جميعا.

فلنخفف من رصد قهرياتنا تجاه سلوكات لا تغدو أن تكون صرخات في واد أوظلمة في قبر لا هوادة فيه، فالوازع القمين بفرز الصالح من الطالح، أن نبدع في تغيير سلوكاتنا اللاتربوية، وأن نحمل محمل الجد فهم مقاصد التعلم، تماما كما أوضحها تيموتي ليري في قوله ” نحن نتعامل مع أكثر الأجيال تعليماً في التاريخ ، و لكن المشكلة أن عقولهم ارتدت أفضل الملابس بدون أن تعرف أين ستذهب؟!”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *