وجهة نظر

مصداقية البحث العلمي بين حمى المؤتمرات وهوس الرسوم

لا تكاد تتصفح فعالية من الفعاليات المعلن عنها إلا وتجد فيها عبارة منكرة مستحدثة لم يعهدها الناس في أوساطهم العلمية من قبل وهي: “رسوم المشاركة مطلوبة”، بل ويتم التنصيص على هذه الرسوم بتفاصيل مبالغ فيها تشعرك أنك بصدد الانخراط في مشروع استثماري مُدرّ للدخل دون أن تُستشار، وقد كانت مقبولة تستساغ في زمن مضى من قِبل بعض الجهات المعروفة بحاجتها وعوزها، وفي حدود مطالبة الباحث المشارك بتحمل نفقات سفره لا غير، قبل أن تنتشر هذه العدوى -الآفة- لتصبح ظاهرة بئيسة ممقوتة تلوث فضاء البحث العلمي وتنتهك عذريته وصفاءه، خصوصا حين تصدر عن جامعات لها صيتها الذي اكتسبته عبر تاريخها الطويل في البحث العلمي، مما يجعل الباحث المتتبع للشأن العلمي والثقافي عبر العالم يتساءل عن جدوى وحقيقة هذه الندوات واللقاءات والمؤتمرات…

وإلى أي حد لا زالت تحتفظ بمصداقيتها؟ ثم إن الشواهد المحصل عليها من مثل هذه الفعاليات – التي هي مبتغى كل مشارك – إلى أي حد يمكن اعتبارها نتاجا علميا يعكس انخراط الباحث في الحركة العلمية ومشاركته فيها، وقد يتفاوت المبلغ المؤدى من قبله بحيث إذا حضر بنفسه ليلقي بحثه دفع قدرا وإذا أرسل البحث دون حضور دفع دون ذلك، وأزيدك من الشعر بيتا فأقول أن الأمر بلغ ببعض منابر الاسترزاق هاته إلى أن تعلن للراغبين في المشاركة أن المطلوب منهم ابتداء وعلى الفور هو تسديد الرسوم، أما البحث الذي سيشارك به الباحث فمطلوب على التراخي يصل إلى حدود شهر بعد انعقاد الفعالية، ومن تمام العجب أن تجد في ورقة الفعالية ضمن خانة الرسوم عبارة:
” رسوم المشاركة 200 أورو أو 250 أورو لكل مشارك ويتحمل تذكرة سفره وإقامته”.

أيّ علة هاته التي أصابت البحث العلمي وأهله؟ كيف يرجى من أنشطة هذا حالها أن تحقق المرجو منها؟ ثم إن تفشي هذه الظاهرة يدفعنا للتساؤل عن حقيقة ما يقدمه الباحث من جهد وإبداع، أيقتضي أخذ المقابل أم دفع المقابل؟

إن استفحال ظاهرة الاسترزاق بالأنشطة العلمية اليوم يستدعي موقفا صارما من الباحثين قطعا للطريق أمام هؤلاء المرتزقة الذين أفقدوا هذه الملتقيات العلمية قيمتها، فضلا عن مصداقية مخرجاتها وتوصياتها التي تعتبر جوهر تنظيمها، ولا سبيل لمحاربة هذه الآفة إلا بمقاطعة هذه الندوات والمؤتمرات التي ميّعت البحث العلمي وشوهت حقيقته وجعلت منه وسيلة مقيتة للتكسّب فضلا عن حرمان فئة عريضة من الطلبة الباحثين من الانخراط في هذه الأنشطة العلمية، ولعل إثارة هذا الموضوع الآن يعد بمثابة ناقوس تنبيه قبل أن تغزو هذه الآفة جامعاتنا ومراكز بحثنا وللقارئ الكريم أن يتوقع ما شاء، ويطلق العنان لمخيلته لتصور له ما يمكن أن يصير إليه شأن هذه الندوات والمؤتمرات والملتقيات والدورات و… إن وصلتنا هذه العدوى وطفق الناس يبدعون فيها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *