وجهة نظر

قراءة في مشروع قانون تنظيمي رقم 04.16 ومدى قدرته على حماية اللغتين الوطنيتين

نص الدستور المغربي في نسخته الأخيرة على لغتين وطنيتين هما: اللغة العربية واللغة الأمازيغية، ذلك في الفقرة الأولى والثالثة من الفصل الخامس منه، إضافة إلى التنصيص على إحداث مجلس وطني للغات والثقافة المغربية في الفقرة الأخيرة من نفس الفصل، محددة مهمته الأساسية، على وجه الخصوص، في حماية وتنمية اللغتين الوطنيتين، مشيرة إلى تحديد قانون تنظيمي يفصل في الصلاحيات والتركيبة وكيفية التسيير. كما نعلم جميعا، فإن تنزيل هذا القانون التنظيمي صاحبه جدل كبير لأهمية موضوعه، لاسيما بعد إضافة اعتبار اللغة الأمازيغية لغة وطنية، ولعل كان السبب في تأخر تنزيله والمصادقة عليه في المؤسسة التشريعية. بل يمكن اعتبار تحفظ بعض المنظمات السياسية والشخصيات الوطنية على الأمازيغية قبل دستور 2011 سبب هذا الجدل الحاصل لعدم اقتناعهم بعد باللغة الوطنية الثانية، رغم أن النص الدستوري حسم الجدل بشأنها.

إن مشروع القانون التنظيمي 04.16 المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية وافق عليه مجلس المستشارين، بالإجماع، في الجلسة العامة المنعقدة يوم الثلاثاء 31 دجنبر 2019 في إطار قراءة ثانية، بعد الموافقة على التعديل المقدم من الحكومة حول المادة 51 منه، كما أحيل على مجلس النواب بتاريخ 02 يناير 2020، وصادقت عليه لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، بالأغلبية، ليلة الاثنين-الثلاثاء 03-04 فبراير 2020. بعد كل هذا المسار وقبيل المصادقة عليه في جلسة علنية بشكل نهائي، وما صاحب المشروع من جدال ونقاش حاد بين الفرقاء السياسيين في المؤسسة التشريعية منذ أن أحيل المشروع لأول مرة على مجلس النواب يوم الجمعة 30 شتنبر 2016، أي ما يقارب أربع سنوات، دون أن نشير إلى أن القانون التنظيمي عرف تأخرا، لاسيما أن الدستور الذي نص على هذا المجلس الوطني قد تجاوز أكثر من تسع سنوات من التطبيق.

لكن يبقى الإشكال، بعد كل هذا المسار المعقد والمحفوف بالعراقيل التي ما فتئ يعبر عنها الفرقاء السياسيين والمهتمين، في قدرة هذه المؤسسة الدستورية على حماية وتنمية اللغتين الوطنيتين كما جاء في نص الدستور؟ أم سيحدث له ما حدث لأكاديمية محمد السادس للغة العربية باعتبارها كانت غير موجودة وغير مفعلة رغم قرار إحداثها بمقتضى الظهير الشريف 1.03.119 الصادر بتاريخ 19 يونيو 2003.

بعد الاطلاع على نص مشروع القانون التنظيمي، نجد أنه ضم بين دفتيه 51 مادة موزعة على عشرة أبواب، خصص الباب الثاني منه لصلاحيات المجلس، فيما جل الأبواب الأخرى كانت تهم الجانب التدبيري والإداري والمالي، وأيضا أحكام انتقالية، لكون هذا القانون ناسخ للظهير الشريف القاضي بإحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية والقانون المتعلق بإنشاء أكاديمية محمد السادس للغة العربية. بما أن مساهمتنا هذه تعتني بالمهمة الأساسية للمجلس بالدرجة الأولى، فإنه سيتم الاقتصار على النظر في محتوى الباب الثاني فقط من المشروع، والذي يتكون من ثلاث مواد (المواد 3، 4 و5): ذلك أن المادة الثالثة همت الصلاحيات بشكل دقيق وبلغ عددها أربعة عشر مهمة، بينما المادة الرابعة فصلت في الآجال المتعلقة بإبداء رأي المجلس حول الإحالات الموجهة إليه، والمادة الخامسة تطرقت إلى التقرير السنوي للمجلس والجهات التي يرفع ويوجه إليها ومواقع نشره.

وعليه، فإن مدى قدرة المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية لحماية وتنمية اللغتين العربية والأمازيغية، يتوقف على قراءة مضمون المادة الثالثة، بالأساس، من نص المشروع. لذا، بعد قراءة المضمون ومحاولة فهمه وتلخيصه حتى يتسنى معرفة الجواب والخروج من الإشكال الذي أشرنا إليه في الفقرة الثالثة، إن إيجابا أو سلبا، تم التركيز على الصياغة القانونية والأساليب اللغوية المستعملة، لاستخراج كل المصطلحات التي نرى مدى فاعليتها في تحقيق وتنزيل الهدف الذي نص عليه الدستور؛ ذلك أن النص القانوني والصياغة اللغوية المستعملة يعتبران ذا أهمية كبرى في تحديد المبتغى، دون الوقوع في الحشو أو الإطناب، مع عدم إهمال الصيغ التي تدل على الإيجاب والنفي، علما أن النصوص القانونية تحمل قواعد آمرة وأوامر ملزمة.

إن عملية تلخيص محتوى المادة الثالثة بما يتماشى مع ما رُكز عليه أعلاه، خلصت إلى تحديد مهمة المجلس الوطني للغات الوطنية والثقافة المغربية في القيام بثلاث أدوار رئيسية:

إبداء الرأي؛

• بخصوص قضية أحيلت عليه من طرف جلالة الملك،
• بمبادرة منه أو بطلب من الحكومة أو أحد مجلسي البرلمان في مشاريع ومقترحات القوانين أو مشاريع النصوص التنظيمية ذات الصلة،
• بطلب من السلطات العمومية في شأن البرامج والمشاريع المتعلقة بالتنمية الثقافية،
تقديم اقتراحات؛
• بخصوص التوجهات الاستراتيجية المتعلقة بالسياسة اللغوية والثقافية مع إحالتها على الحكومة،
• بخصوص التدابير الواجب اتخاذها لحماية وتنمية اللغتين الوطنيتين، وكذا تعلم وإتقان اللغات الأجنبية الأكثر تداولا في العالم،
• للسلطات العمومية والتدابير المناسبة قصد مواكبة الصناعات الثقافية والإبداعية،
الدراسات وإعداد التقارير؛
• دراسة البرامج الكبرى التي تعدها الحكومة وتتبع تنفيذها،
• بمبادرة منه أو بطلب من السلطات العمومية، يقوم المجلس بإعداد دراسة ذي صلة باختصاصاته،
• رصد وتتبع وتحليل واقع اللغتين الوطنيتين وكذا اللغات الأجنبية وتعبيرات الثقافية المغربية وإعداد تقارير بخصوصها.

لعل محتوى هذه المادة الثالثة من مشروع القانون التنظيمي 04.16  لا يحتاج لكثير من التحليل والدراسة لتسجيل آراءنا، إلا إذا استثنينا المهمة التي تعلقت بإحالة الدراسة المتعلقة بالتوجهات الاستراتيجية للسياسة اللغوية والثقافية  على الحكومة، حيث ذكر أنها تخضع للدراسة وعرضها على مسطرة المصادقة، بل يكتفي رئيس الحكومة وفق ما ورد في المادة 48 من المشروع إخبار مآل الآراء المدلى بها كما نصت عليها المادة الثالثة، وما دون ذلك، لم يحدد نص المشروع طرق أو الإجراءات التي تمكنه من معرفة مآل آرائه، بالأحرى الدفاع عنها. لذا، فإن المجلس الوطني وما صاحبه من جدال وضجيج ونقاش لا يعدو أن يكون شبيها بواقع قصة “تمخض الجبل فولد فأرا”، ما يعني أن نص المشروع القانون المنظم للمجلس الوطني لم يأتي بشيء متميز يجعل منه مجلسا قويا ذا تأثير خاص يخدم اللغة العربية واللغة الأمازيغية، حيث لاحظنا غياب أي تعبير يفيد تمكين المجلس من إلزام الجميع بقراراته المتخذة بخصوص اللغتين أو بأي سلطة كيفما كان مستواها، ما يجعلنا نشبهه بمنظمات ذات الصبغة الاستشارية بالأساس، أو بالمنظمات المدنية التطوعية التي تتخذ أشكالا مختلفة كالمراكز المخصصة للدراسات والأبحاث لا أقل ولا أكثر، بل يمكن تفضيلها على المجلس الوطني، لأنها منظمات ذات صبغة تطوعية لا تثقل كاهل الدولة بميزانيات ضخمة.

ختاما، إن إصدار قوانين لتشكيل مؤسسات دستورية لا يجعل منها سببا في تحقيق الأهداف المتوخاة إلا إن كانت ذا فاعلية ونصها يضم بين دفتيه ما يمكنه إلزام كل معني بالقرار وليس الاكتفاء بالتعابير الانشائية، مصداقا لمقولة عثمان بن عفان رضي الله عنه: “إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن”. لذا، عدم تمكين المجلس الدفاع؛ بشكل صريح؛ عن اللغتين الوطنيتين وعدم جعله طرفا في كل القضايا ذات الصلة باللغتين، لا يوحي لنا بقدرته على حمايتهما أو تنميتهما حسب ما جاء به الفصل الخامس من الدستور. وهذا يجعلنا نعطي انطباعا سلبيا بخصوص مشروع القانون التنظيمي الذي لم يقم بتفعيل وتنزيل مقتضيات الفصل الخامس من الدستور بشكل سليم، ولن يستطيع حماية اللغتين الوطنيتين، ناهيك عن تنميتهما.
عليه، فإن تنزيل مقتضيات الفقرة الأخيرة من الفصل الخامس من الدستور يقتضي أمران:

أحدهما؛ توسيع مهام المجلس وجعله بمثابة حكم يُرجع إليه الأمر للحسم فيما اختلف فيه بخصوص السياسة اللغوية، مع إلزام كل المؤسسات والمنظمات بمخرجات

المجلس الوطني المتعلقة باختصاصه في حماية اللغة وتنميتها، سواء اللغة العربية أو الأمازيغية.

ثانيهما؛ تضمين هذا القانون أو إلحاقه بقانون مكمل آخر، يعمل على إلزام المنظمات الرسمية وغير الرسمية، بل حتى المقاولات الخاصة باعتماد اللغتين في مختلف المعاملات، حيث يجب تحرير جميع الوثائق والمذكرات باللغتين الوطنيتين، بل حتى كتابة جميع اللافتات والإعلانات والعلامات التجارية وغيرها، مع إلزام ارفاق المحررات بلغة أجنبية من طرف أشخاص أجانب بترجمتها إلى اللغة العربية والأمازيغية، والعمل على إحداث فروع للمجلس الوطني يتخصص -على القدر الكافي -للسهر على سلامة اللغتين في كل الوثائق والمعاملات. وأخيرا، سن عقوبات تأديبية، تكون لكل مخالف لمقتضيات نص القانون هذا، ذلك حسب ما تجود به اجتهادات الفاعلين مع ما يقتضيه الحزم لتحقيق الهدف المنشود، وهو حماية اللغتين الوطنيتين مع تنميتهما.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *