وجهة نظر

أعذر وزير الدولة وأنصف في مشروع قانون تجريم اﻹثراء غير المشروع

مبادرة شجاعة نادرة عبر تاريخ المغرب من السيد وزير الدولة مصطفى الرميد الرجل الوطني المخلص النزيه والشريف في عرضه وماله وما ملَك، ومعه وﻻ شك الدكتور سعد الدين العثماني رئيس الحكومة مثله في الشرف والخلق؛ والحق يقال ويجب أن يذاع..

صرح الرميد أن موضوح محاربة هذا النوع من الفساد قد أرقه منذ أن كان وزيرا للعدل في حكومة السيد بنكيران، وبعد كل محاوﻻت ﻹيجاد طريقة قانونية ﻹيقاف هذا الفساد ومحاسبة أثريائه توصل إلى النتيجة التالية:

“الفاسدون ﻻ يتركون آثارا لفسادهم لكن الثروة تدل عليه”؛ بكل بساطة ﻷنه ﻻ يوجد قانون يسمح بمتابعة من يحسن إخفاء أثر جريمته، فتأسف متألما قائلا مستنكرا: “بالصحة للجمبع للي تايشفرو في هذه البلاد ما لم يكن لدينا قانون بجرم اﻹثراء غير المشروع؛ حيث سيبقون دائما محل غير المساءلة”.

لقد عبر عن جديته وإرادته السياسية الثابتة، وطبعا وجدية وإرادة زميله رئيس الحكومة، قائلا: “نريد أن تتمكن بلادنا من أداة قانونية حاسمة في محاربة الفساد..”.

وحيث يتحدث الناس كثيرا عن هذا النوع الخطير من الفساد والمدمر للبلاد، وحيث توجه اﻻتهامات، في ظل غياب هذا القانون، يمينا ويسارا، لجميع المسؤولين من جميع اﻷحزاب على السواء، وتعمم لغايات مغرضة كتشويه سمعة اﻷبرياء، وللتمييع والتستر على المفسدين الحقيقيين، خصوصا عندما تأتي اﻻتهامات المغرضة من المفسدين أنفسهم ومن إعلامهم، ولغاية خلط اﻷوراق؛ وحيث كل ذلك يقول الرميد: “ليس من المعقول أن نكون في بلدنا متساوين في هذا الجانب! حيث هناك من يضحي بماله من أجل وطنه وهناك من يسرق وينهب وطنه؛ فيجب إتاحة إمكانية المحاسبة فيُبرّأ البريئ ويُجرّم المجرم”.

على النخب السياسية أن تعترف وبكل موضوعية أنه ﻷول مرة في تاريخ المغرب تتشجع قيادة الحكومة ووراءها قيادة حزب العدالة والتنمية بتقديم مشروع قانون للبرلمان يتعلق بتجريم اﻹثراء غير المشروع وهو المشروع الذي أعدته حكومة بنكيران، لكنه جُمّد وعرقل كما عرقلت حكومته وذُهب به كما ذُهب به نفسه أي بنكيران؛ إنها المبادرة الجادة التي أصر عليها رئيس الحكومة الدكتور سعد الدين العثماني من أجل تفعيل حلم الوطنيين جميعا منذ بداية اﻻستقلال في مبدأ “من أين لك هذا؟”.

* لم يُسمَح لقائد حكومة مغرب الاستقلال، الوطني الفذ عبد الله إبراهيم زعيم، أن يأخذ بزمام المبادرة لتفعيل هذا المبدأ الرئيسي؛ حيث تعرض ل”االبلوكاج” فأعفاه اﻻستبداد ورمى به خارج الحكومة بعد سنتين فقط من مسؤوليته الحكومية، ليؤسس، كرد فعل، مع زملائه المهدي بنبركة وشيخ العرب سي أحمد الكلوزي وعبد الرحمان اليوسفي وغيرهم حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية؛ للنضال من أجل هذا المبدأ وما ارتبط به من محاربة الاستبداد وثراء الاستعمار الذي أفقر الشعب المغربي؛ فناضلوا وقُتل من قتل وسُجن من سجن. ومن أجله خاض الحزبان التاريخيان المعركة السياسية، الاستقلال بقيادة علال الفاسي وبعده بوستة والاتحاد الاشتراكي بقيادة عبد الرحيم بوعببيد وبعد عبد الرحيم اليوسفي، في إطار العمل السياسي السلمي؛ إلا أن الحلم تبخر مع طول الزمن السياسي.

جاءت حكومة حزب اﻻستقلال في الثمانينات برئاسة عباس الفاسي، وفي حكومتهم قبل 2011 ، بعد حكومات أخرى، فلم يستطيعوا ولو مجرد التعبير عن نية تفعيله..وأما رئيس الوزراء عبد الرحمان اليوسفي زعيم اﻻتحاد اﻻشتراكي، الذي عانى بسبب هذا المبدأ طوال سنوات معارضته للحكومات، فقد صُدم بمحاربة مفسدي اﻻثراء غير المشروع له من داخل حزبه وليس من خارجه فقط، وما أكثرهم؛ فقدم استقالته وغضب غضبة شديدة أيأسته من حزبه ومن السياسة كلها. وأما رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران فله الشجاعة رفقه وزير العدل مصطفى الرميد في إعداد مشروع قانون تجريم الإثراء غير المشروع؛ فرُفض لهم تقديمه للبرلمان وعُرقل كما عُرقلت حكومته وانتهت.

تفعيل المبادرة اليوم هو إنجاز عظيم وواجب وطني في مجال القوانين يُحسب لهذه الحكومة؛ وهو استمرار لسياسة صمود الزعيم الوطني عبد اﻹله بنكيران في محاربة الفساد.

في الحقيقة ليست هذه المبادرة مجرد مشروع قانون من القوانين؛ إنها مبادرة وضعت إصبعها على جرح النموذج التنموي وعلى جرح برامج إدماج الشباب.. ﻷن حماية الثروة أساس التنمية، وهي القاعدة المالية الحقيقية التي يجب أن تُدعَّم بها برامج إدماج الشباب..

يجب أن يقال الحق ويذاع أن حزب العدالة والتنمية بحكومته وفريقه البرلماني في هذه القضية قد أعذر وأنذر وأنصف وحذر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *