منتدى العمق

المرأة العاملة بين مطرقة العمل وسندان الأسرة

لعل مشكلة المرأة هي مشكلة المجتمع بأسره فهي جوهرها؛ وتنويرها لا يتم إلا من خلال الصراع الاجتماعي تشترك فيه المرأة مع الرجل لقلب الأوضاع الاجتماعية المتوارثة ابتداء من المفاهيم المتخلفة وانتهاء بالفئات المتحكمة عن طريق التقاليد والأعراف وصولا إلى تعليمها وجعلها على قدم المساواة مع الرجل. لذلك كثيرا ما تثيرنا بعض المفاهيم والمصطلحات التي يتداولها المجتمع المغربي للمرأة المغربية وخاصة المرأة العاملة والتي تجعلها في قوقعة محاصرة بنظرة دونية؛ هذه النظرة التي تحمل في طياتها أسرار وتفسيرات دون معرفة خباياها أو حتى تطلعاتها. فماهي إذن وضعية المرأة العاملة بين إكراهات العمل وواجبات الأسرة؟ كيف يتمثلها المجتمع باعتبارها منافسا للرجل؟

المرأة هذا الاسم الذي يحمل دلالات عميقة ؛ هذا الكيان الجسدي الأنثوي الذي استأثر باهتمام العديد من المفكرين والعلماء ؛ رغم المكانة التي وصلت إليها في بعض المجالات ؛ إلا أن هناك فئة مهمشة ومقصية بقيت مقيدة ومنغلقة داخل زجاجة جسدية فئة العاملات والمستخدمات في المصانع والمعامل التي لازالت تصاحبها عدة إكراهات ومشاكل بالرغم من الجهود التي تبذل بالنهوض بوضعيتها الاجتماعية والاقتصادية ؛ فهي تواجه تحديات كثيرة مضمرة ومعلنة انطلاقا من موقعها الذي تحتله داخل الأسرة كأم وزوجة وأخت وابنه؛ وداخل المجتمع ككل حين خروجها للعمل؛ هنا تكبر معيقاتها على عدة مستويات بالرغم من مساهمتها الفعلية داخل الاسرة فهي تقدم مساعدات مادية ككيان يعتمد عليه في هذا النسق الاجتماعي.

إذا كان العمل وسيلة من وسائل تنمية البلاد وصيانة كرامة الإنسان والنهوض بمستواه المعيشي وتحقيق الشروط المناسبة للاستقرار العائلي وتقدمه العائلي؛ فالعمل ليس بضاعة؛ والعامل ليس أداة من أدوات الإنتاج؛ ولا يجوز في حال من الأحوال أن يمارس العمل في ظروف تنقص وتقلل من كرامة العامل. في هذه الحالة ماذا يمثل العمل للمرأة في وضعية هشاشة؟

إن خروجها من جدران البيت إلى العمل هو الحجر الأساس الذي يبنى عليها استرداد لحقوقها الطبيعية كإنسانة وفرد فعال في المجتمع وانعتاقها من سيطرة الرجل والهيمنة الذكورية التي تنتصر دوما لماهوا ذكوري في ظل القوانين الحالية؛ هذا لا يعني إلا مزيدا من الاستغلال باعتبارها فقط آلة للاستغلال وليس آداه فاعلة ومتفاعلة في المجتمع والنهوض بوضعيتها لا يمكن أن يتحقق في الحاضر مالم نرصد واقعها في الماضي؛ ذلك أن هذا الأخير يترك رواسبه التي تتخذ أشكالا متعددة يصعب تجاوزها والانسلاخ عنها بسهولة. فماهي المحددات والشروط الاجتماعية لخروجها لسوق العمل؟

إن البحث عن المحددات والدوافع لخروج المرأة للعمل يقودنا إلى التعرف على مشكلاتها المرتبطة أساسا بالمتطلبات الأساسية والاقتصادية والاجتماعية والتفافية؛ حيث برزت عدة اتجاهات تدعو إلى أن المرأة عنصر بشري فعال يجب الاستفادة منه في برامج التنمية ويمكن أن تتحمل المسؤولية في بناء ورقي المجتمع شأنها شأن الرجل. أول هذه الدوافع ما هو اقتصادي: لأن الحاجة المادية من أساسيات خروجها للعمل إضافة إلى مسؤوليتها كربة بيت وأم تساعد زوجها في تحمل تكاليف وأعباء المعيشة أو لتعيل نفسها وعائلتها إذا كانت أرملة أو مطلقة؛ عندما يكون السبيل للرزق أمامها غير أن تعمل وتكسب من أجل تأمين متطلبات حياتها اليومية.

إن خروجها لم يعرقل آداها لدورها الأساسي كربة بيت وزوجة بل أضاف دورا هاما هو الاستفادة من إمكانياتها الفكرية والمادية لمراجعة متطلبات الحياة اليومية التي في تزايد مستمر؛ وكذلك الخوف من المستقبل وطمحها للحصول على الراتب التقاعدي الذي يعطى للعاملة عند تقاعدها في نهاية سنها القانوني.

أما الدافع الاجتماعي: يكمن في أعباء البيت ومتطلباته من جهة وغلاء المعيشة من جهة ثانية ومحاولة الرفع من أسرتها داخل المجتمع.

لذلك فعمل المرأة ونشاطها الاقتصادي له دور كبير فيما يتعلق بجلب موارد اقتصادية إضافية للأسرة؛ فإنه بهذا يخلق قناة تواصلية بين الداخل (الاسرة) والخارج (المجال العام)؛ بواسطة هذه القناة يتم ربط شبكة من العلاقات الاجتماعية؛ ويصبح الداخل(البيت) الذي كان مركزا هامشا والخارج (المجال العام) الذي كان هامشا مركزا. أمام هذا التحول أصبح ما يحكم هذا الخارج ويحدده بالأساس هو الجانب الاقتصادي ويعود كل لحظة المركز هامشا والهامش مركزا.

ترتبط ظروف العمل ارتباطا وثيقا بنوع العمل؛ وطبيعة المهمة المزاولة. ومن ثم فهي تختلف من عمل لأخر؛ كما تختلف المعاناة التي تسببها بدورها طبيعة العمل.

فلهذه الظروف قدر كبير من التأثير على رضى العاملات بعملهن وعلى حياتهن اليومية وما يلحقهن من شعور بالثعب والإرهاق أو الراحة والارتياح للنشاط الذي يزاولنه.

إلا أن خروج المرأة للعمل له انعكاسات كبيرة على حياتها الصحية سواء على المستوى الجسدي أو النفسي؛ هذه الانعكاسات تختلف حسب متغيرات السن والحالة الاجتماعية والأسرية؛ خاصة من خلال الصعوبة في التوفيق بين الحياة العملية والحياة الأسرية بكثرة الضغوطات النفسية وعدم الراحة في بيئة العمل الذي يزيد من معانتها. هذه التداعيات كلما كانت سلبية على نفسية المرأة العاملة كلما أعطت مردودية أقل على المستوى العلمي ولا على المستوى الأسري؛ خصوصا اتجاه تنشئة الطفل فنحن نتحدث عن عمود الأسرة ومسيرها الأساسي.

فلابد من النهوض بوضعية المرأة كيفما كانت انتماءاتها سواء قروية أو حضرية؛ فالمرأة هي مرآة المجتمع وتبقى القلب النابض به رغم الظروف والصعاب التي تعرقل مسيرتها؛ فهي دائما تواجهها بعزيمة وإصرار وثبات من أجل الوصول إلى حياة أفضل لها ولمحيطها..

* طالبة باحثة في سلك الماستر المجالات القروية والتنمية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *