وجهة نظر

التنمية الجهوية أولا وأخيرا

إذا كانت التنمية الجهوية هي غاية الجهوية المتقدمة بالمغرب، فإن سؤال اللحظة التاريخية الراهنة هو: كيف السبيل إلى تحقيقها بالملموس؟. سنلامس ذلك من خلال القانون التنظيمي للجهات.

بداية، من بين تعاريف التنمية الجهوية أنها بصورة عامة، هي حصيلة الجهود المبذولة من طرف الفاعلين الجهويين والمحليين، وأيضا الفاعلين الخارجيين سواء كانوا من الوطن ممثلين في سلطاتها العمومية والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين أو من خارج الوطن في إطار التعاون الدولي.

ويتضح من خلال القراءة المتمعنة في القانون التنظيمي للجهات أنه يجب أن تتجسد التنمية الجهوية من خلال ممارسة الجهة لاختصاصاتها الذاتية والتي تشتمل على سبعة ميادين التالية: التنمية الاقتصادية، التكوين المهني والتكوين المستمر والشغل، التنمية القروية، النقل، الثقافة، البيئة والتعاون الدولي. وينص هذا القانون في مادته 82 على أن مجلس الجهة يضع، تحت إشراف رئيسها، خلال السنة الأولى من مدة انتداب المجلس برنامج التنمية الجهوية الذي تعمل الجهة على تحيينه وتتبعه وتقييمه.

وحسب المادة 83 من القانون ذاته، يحدد هذا البرنامج لمدة ست سنوات الأعمال التنموية المقرر برمجتها أو إنجازها بتراب الجهة، اعتبارا لنوعيتها وتوطينها وكلفتها، لتحقيق تنمية مستدامة، وفق منهج تشاركي، وبتنسيق مع والي الجهة بصفته مكلفا بتنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة للإدارة المركزية.

كما يجب أن يتضمن هذا البرنامج، تشخيصا لحاجيات وإمكانات الجهة وتحديدا لأولوياتها وتقييما لمواردها ونفقاتها التقديرية الخاصة بالسنوات الثلاث الأولى، وأن يأخذ بعين الاعتبار مقاربة النوع. ويبين المرسوم الصادر في هذا الصدد، مسطرة إعداده وطرق تتبعه وتحيينه.

وتطبيقا لما ينص عليه دستور 2011 في الفصل 139، ينص القانون التنظيمي للجهات في مادته 116 على إحداث مجالس الجهات لآليات تشاركية للحوار والتشاور لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج التنمية وتتبعها طبق الكيفيات المحددة في النظام الداخلي للجهة. ومن بين الهيئات الاستشارية التي تنص على إحداثها المادة 117 من القانون نفسه، لدى مجلس كل جهة، هيئة تختص بدراسة القضايا المتعلقة باهتمامات الشباب.

ويوضح هذا القانون، شروط تقديم العرائض من قبل المواطنات والمواطنين والجمعيات. ويفرد القسم الخامس منه للنظام المالي للجهة ومصدر مواردها المالية.

ولتمكين مجالس الجهات من تدبير شؤونها، تنص المادة 128 على أن تحدث لدى كل جهة ” الوكالة الجهوية لتنفيذ المشاريع ” التي تخضع لوصاية مجلس الجهة. ومن مهامها: مد المجلس بكل أشكال المساعدة القانونية والتقنية(…) عند دراسة المشاريع وتنفيذها.

في تقديرنا، ما تقدم وغيره مما يتضمنه القانون التنظيمي للجهات في باب التنمية الجهوية باعتبارها غاية للجهوية المتقدمة التي حدد فلسفتها ومرتكزاتها ومبادئها وأهدافها الخطابان الملكيان لسنتي 2008 و2010، (ما تقدم) يدعو كل الفاعلين لمراجعة الذات.

فورش الجهوية المتقدمة بالمغرب، ورش طويل وشاق. ويحتاج إلى القطع مع ثقافة الاتكالية على الدولة.

وهو يدعو كل الفاعلين المعنيين بالشأن الجهوي إلى اعتماد ثقافة جديدة مرتكزاتها: المبادرة، والتخطيط، وإشراك وتشارك المواطنات والمواطنين في كل مراحل المشاريع والبرامج التنموية الجهوية، في البلورة والإعداد، وفي التقييم والتقويم والتواصل بشتى أنواعه…

مجمل القول، إن التنمية الجهوية باعتبارها غاية للجهوية المتقدمة بالمغرب، إذا كانت تفرض التنزيل السليم لمقتضيات القانون التنظيمي للجهات وكذا لمقتضيات القوانين التنظيمية للجماعات والعمالات والأقاليم، وهو ما أثارته العديد من الأقلام منذ إصدار القانون التنظيمي للجهات وبعده المراسيم التي توضح مقتضياته. فإنها تعني أكثر من ذلك: – ضرورة تغيير العقليات المسؤولة عن التدبير الجهوي.

– وضرورة قيام الأحزاب السياسية بالنقد الذاتي.
– وتفعيل دور جمعيات المجتمع المدني.
– واعتماد تعليم نافع للفرد والمجتمع.
– وتمكين الإعلام من القيام بأدواره ووظائفه.

وأخيرا، نحن في حاجة إلى ثقافة مجتمعية جديدة، تجعل من العدالة الاجتماعية والمجالية، ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة جهويا ووطنيا في مغرب يستمد قوته من وحدته وتعدده الثقافي واللغوي.

كما أن هذه الثقافة المجتمعية الجديدة، هي ما نحتاجه وبقوة، لبناء نموذج تنموي جديد.

* إعلامي وباحث.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *