وجهة نظر

قراءة متأنية في أرقام كورونا في المغرب

من المؤكد أن المرض المعدي كوفيد19الذي يسببه فيروس كورونا المستجد، من الأمراض الرئيسة الجديدة التي تصيب الإنسان، وقد ظهر في الصين نهاية السنة المنصرمة، لكن لم يتم التعرف عليه جيدا إلا في يناير من السنة الجارية، وبالتالي فهو جديد ويحتاج إلى دراسات متأنية تقوم بها مؤسسات رسمية.

 ووفقا لهذه الدراسات يمكن المقارنة واستخلاص بعض النتائج وفهم المرض أكثر والفيروس المسبب له.

وقد بات يعرف أن فترة حضانة فيروس كورنا المستجد قد تصل إلى 14 يوما، وأعراضه الأولى قد لا تبدأ إلا في اليوم الخامس من الإصابة، وخلال الفترة الأولى من المرض يمكن أن ينقل العدوى دون ظهور أية أعراض.

والسؤال الأول الذي يطرح الآن..”هل كوفيد 19 مرض قاتل لذاته أو أنه مرتبط بالسن وبأمراض أخرى؟”

والسؤال الثاني..”هل الوفاة الناتجة عنه مرتبطة بعدم التشخيص المبكر، وأي دور للأدوية المستعملة في الشفاء منه…؟”

والسؤال الثالث..”هل للحجر الصحي دور في منع تفشي المرض، أو بمعنى آخر هل تساهم التجمعات البشرية في انتشار هذا الوباء أو الجائحة كما أصبح يصنف من قبل منظمة الصحة العالمية بعدما فاق عدد الدول والمناطق الـ 200 في كل المعمور؟”..

لكن السؤال الذي لم نجد له جوابا:متى يمكن الجزم، بكون الوفاة ناتجة عن فيروس كورونا،أعندما يتعلق الأمر بشخص يعاني من مرض آخر أم مرضين أم أكثر، علما أنه في إيطاليا مثلا، والتي تعلن عن حالات الوفاة (وهي مرتفعة قياسا) مع المعدل العالمي، إذ تمثل الثلث تقريبا من مجموع الوفيات في العالم، لكنها تؤكد أن شهادة الوفاة بسبب كورونا من اختصاص المعهد العالي للصحة، والذي يحدد سبب الوفاة، بناء على الملف الطبي، وسنعرض في وسط وآخر هذا المقال بعض الإحصائيات المفيدة في هذا المجال.

قبل الإجابة على هذه الأسئلة الثلاثة الأولى في ارتباط بتصريح السيد محمد اليوبي مدير علم الأوبئة ومحاربة الأمراض، دعونا بداية ننظر إلى الأرقام المعلنة اليوم (30 مارس)، والتي لها دلالتها الكبيرة، وقد لا تتغير نسبها، إلا في الإعلان عن عدد المتعافين الذي سيرتفع لا محالة بعد انتهاء فترة الحجر الصحي للمصابين.

ومن المعلوم أن عدد الحالات التي خضعت للتحليل المخبري هو مجموع حالات الإصابة والحالات المستبعدة.

ويمكن أن نقسم المصابين إلى قسمين:

– الحالات المنتهية وتضم الوفيات والمتعافين

– الحالات النشطة وتضم الحالات المستقرة والحالات الحرجة

وبالأرقام نجد أن الحالات التي خضعت للكشف في المغرب إلى حدود كتابة هذه الأسطر هي 2641، وأن عدد الإصابات هي 534 بنسبة 20,21 في المائة، وأن عدد الحالات المستبعدة هي 2107 بنسبة 79,79 في المائة.

أما بالنسبة للإصابات فالحالات المنتهية 47   منها 33 وفيات بنسبة 70,21 في المائة من الحالات، و14 متعافيا بنسبة 29,79 من الحالات.

أما الحالات النشطة فتصل إلى 484، لم يفصل السيد اليوبي في التصريح ذاته في الحالات المستقرة في المغرب، (95 في المائة على المستوى العالمي) أو الحالات الحرجة (تقدر ب5 في المائة على المستوى العالمي).

والخلاصة التي يمكن أن نستنتجها من القراءة في هذه الأرقام مقارنة مع الأرقام العالمية هي أن انتشار الوباء متلائم مع المرحلة الثانية التي تعيشها بلادنا، ومتلائمة مع الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها مبكرا، إضافة إلى طرق الكشف المبكر عن المرض والتي تبدو بطيئة نسبيا مقارنة مع دول أخرى تجاوزت المرحلة الثانية، علما أن الأعداد الكبيرة جدا، والتي تمثل ثلثي الإصابات في العالم أو أكثر تقع في دول كبرى لها من الإمكانيات المادية ما لها مثل الصين وإيطاليا وفرنسا وإسبانيا.

لنعد إلى السؤال الأول..هل كوفيد19 مرض قاتل لذاته أو أن فتكه مرتبط بأمراض أخرى، هل السن عامل حاسم أو رئيس في الإصابة به وأيضا في الوفاة بسببه.

لقد ذكر السيد اليوبي أن نسبة الوفيات تبقى في حدود 6 في المائة (من مجموع الإصابات)، وهي نفس النسبة أو أقل بقليل مقارنة مع دول أخرى مجاورة للمغرب له معها علاقة وطيدة، وهذا راجع إلى الشفافية في التعاطي مع الأرقام.

وأضاف أن هذه الوفيات تكون مرتبطة بالأشخاص الذين هم أكثر عرضة للخطر، سواء بالنسبة لعامل السن أو بالنسبة لوجود أمراض مزمنة أخرى كالربو أو السكري أو أمراض القلب والشرايين أوهي مجتمعة بعضها أو كلها.

وللمقارنة، فحسب دراسة قام بها المعهد العالي للصحة في إيطاليا على عينة من 6801 مريضا متوفى بكوفيد 19 من المرضى الإيجابيين في هذا البلد الأوروبي (يعرف معدل وفيات جد مرتفع) ونشر نتائجها يوم 27 مارس الجاري فإن متوسط أعمار المرضى الذين لقوا حتفهم هو 78 سنة، تمثل النساء منهم 29.6٪، وهو أعلى بكثير من متوسط أعمار المرضى المصابين والمحدد في 62 سنة.

وإذا رجعنا إلى عامل السن وقمنا بمقارنة بين متوسط العمر لدى المتوفين، يبرز السيد اليوبي أن:(المعدل في المغرب هو 66 سنة) في حين أن معدل مجموع حالات الإصابة هو 52 سنة، لذا فالسن يلعب دورا أساسا في الوفيات، وهو ما بينته الدراسة الإيطالية أيضا.

وبالنسبة للعوامل الأخرى المرتبطة بالاختطار، فإن 80 في المائة، حسب السيد اليوبي كانت عندهم أمراض مزمنة أخرى. بما يعني أن 20 في المائة لم يكن عندهم أي مرض مزمن آخر وهذه نسبة كبيرة جدا مقارنة من النسبة المعلن عنها في الدراسة الإيطالية، والتي لم نجد لها تفسيرا.

وقد لاحظت الدراسة الإيطالية على 710 شخصا توفي وشخصت حالته إيجابية بالمرض وتوفرت معلومات عنهم، أن 15 مريضًا (2.1 ٪ من العينة) توفوا ب »كوفيد-19″ بدون أن تكون لهم أمراض أخرىو151 (21.3 ٪) كان لديهم مرض واحد، و 184 كان لديهم مرضان (25.9 ٪)،  و 360 (50.7 ٪) لديهم 3 أمراض أو أكثر. وهو ما يعني أن الفيروس فتاك لذاته، وتعتبر الأمراض المزمنة مساعدة له، كما في جميع حالات الأمراض الفتاكة.

.ويمكن أن نلاحظ أن التصريحات التي أدلى بها السيد اليوبي غير مكتملة، إذ ذكر نوعين فقط، موت مرتبط بمرض أو أمراض أخرى، أو موت غير مرتبط بأي مرض، وكان من الأحرى أن يفصل في الأمر الأول ويحدد إن كان يتعلق بمرض واحد أو اثنين أو أكثر، وهنا نعني بالمرض، الأمراض الرئيسة المعروفة مثل نقص المناعة المكتسبة أو أمراض القلب وغيرها .

يقول السؤال الثاني..”هل الوفاة الناتجة عنه مرتبطة بعدم التشخيص المبكر، وأي دور للأدوية المستعملة في الشفاء منه…؟”

ويبرز السيد اليوبي أن الحالة الصحية البسيطة عند بداية التكفل بالمرضى تمثل 84 في المائة (لم يقدم عدد الوفيات أو نسبتها)، مقابل 16 في المائة بالنسبة للحالات المتقدمة جدا أو الحرجة عند بداية التكفل، والذين توفى منهم 85 في المائة.

وللتحليلات المخبرية هدفان، يقول السيد اليوبي، تماشيا مع المخطط الوطني ، وهما الكشف المبكر للمرض، واحتواء الفيروس من أجل تفادي الانتشار.

ولا يخضع للتحليل المخبري عموم المواطنين، ولكن لمن لهم كانت له مواصفات،ولم يذكرها السيد اليوبي.

الأكيد أن الوزارة لها إستراتيجية واضحة للكشف، وهو ما يظهر من الكشف عن المخالطين

لكن من المهم جدا أن يتوسع الكشف ليصل إلى أكبر شريحة حسب الإمكانيات المتاحة والاعتناء أكثر بالأطقم الطبية من جميع النواحي بما فيها الجانب النفسي، خاصة مع الحديث عن وصول معدات للكشف عن المرض من الخارج..

إن الخلاصة الأخرى التي يمكن استنتاجها من تصريح اليوبي، هي أن الكشف المبكر يساعد على الاستشفاء، ومنع تطور المرض، وبالتالي فإن الدواء المستعمل يكون مفيدا جدا في بداية الإصابة بالمرض، أي قبل وصول الفيروس إلى خلايا الجهاز التنفسي لتدميرها.

ومن المعلوم في الطب أن الفيروس متى أصبح داخل الخلية فإنه يصبح خطيرا جدا ويتكاثر بصورة مهولة تؤدي إلى انفجار الخلايا وإحداث خلل قاتل في الأجهزة الحيوية للإنسان.

إضافة إلى ذلك فإننا نحتاج إلى معطيات أخرى حول دور الأدوية من جهة ودور المناعة الذاتية في المعافاة من المرض من ثانية، إضافة إلى مدى إصابة المتعافين من أمراض أخرى رئيسة.

وبخصوص السؤال الثالث، المرتبط بالحجر الصحي، والذي قد يشك البعض في أهميته أو جدواه سواء على المدى القصير أو الطويل، يمكن أن نستعرض ما يأتي:

يقول السيد اليوبي في تعقيبه على المعطيات ليوم الاثنين إنه كان من المتوقع ارتفاع عدد الحالات في المرحلة الثانية من التصدي للوباء، على غرار باقي دول العالم التي تواجه هذا الوباء، حيث إن هذه المرحلة تتميز بظهور مجموعة من البؤر الوبائية في الوسط العائلي، وقد ظهرت بؤر أخرى مرتبطة سواء بحفلات أم بمناسبات عزاء أم برحلات سياحية، كما كان عليه الحال في كل من مكناس والدار البيضاء.

وأضاف أن المرحلة الثانية تتطلب حسب المخطط الوطني الكشف بسرعة عن الحالات واحتوائها من أجل منع تفشي الفيروس، فقد كان لزاما إحصاء المخالطين وتتبعهم صحيا، بل تم المرور إلى الكشف المخبري للحالة الوبائية عند المخالطين، وقد أسفر عن 47 حالة في حالة الرحلة السياحية لمكناس، و45 حالة لدى من حضروا الحفلة الكبرى للدار البيضاء.

وإذا حللنا هذه النتائج المبنية على إحصائيات دقيقة، وإذا سلمنا أن كل الحالات المعلنة في جهة البيضاء الكبرى كلها بمدينة الدار البيضاء، وكل الحالات المعلن عنها في جهة فاس مكناس هي بمدينة بمكناس، فإن نسبة الإصابات في هذه التجمعات تبقى مرتفعة مقارنة مع مجموع الإصابات.

لذا يمكن أن نستنتج خلاصة يعرفها الجميع وتطبق منذ القديم في حالة الوباء، وهيأن الحجر الصحي له دور كبير في منع تفشي المرض (عفاك بقا في دارك)، وأن الاختلاط يمكن أن يؤدي إلى كارثة كما وقع في دول مجاورة (إسبانيا وإيطاليا).

     يشار إلى أن إيطاليا تدرج في «قائمة الوفيات بسبب كوفيد19 » كل من أصيب بفيروس كورونا المستجد، ويمكن أن يكون مصابا بأمراض أخرى، وهو ما يفسر النسبة العالية من الوفيات المعلن عنها بسبب هذا المرض، في حين أن ارتفاع عدد الإصابات في إيطاليا  مقارنة مع دول أخرى يعود لأسباب متعددة أهمها التجمعات البشرية قبل إعلان الحجر الصحي المنزلي.

وتعلن وزارة الصحة هذه القائمة كل مساء والتي بلغ العدد فيها رقما قياسيا (أزيد من 10 آلاف حالة وفاة لحد الآن) إذ تمثل حوالي ثلث الوفيات في العالم، لكنها تؤكد في كل نشرة لها أن السبب الحقيقي للوفاة يحدده المعهد العالي للصحة في إيطاليا، كما تقرر في منشور وزاري صدر في 22 يناير 2020.

وفي الدراسة الإيطالية المذكورة سلفا فإن 1.2٪ من الحالات الإيجابية لـ كوفيد 19 تقل أعمارهم عن 18 عامًا، في حين أن أعلى نسبة تتراوح أعمارهم بين 51 و 70.

وبالنسبة لأعمار المتوفين الذين شخصت حالتهم إيجابية ب « كوفيد 19 » في 26 مارس ، فإن 84 من 6801 (1.2 ٪) تقل أعمارهم عن 50 عامًا، 17 من هؤلاء أقل من 40 عامًا وكانوا 14 من الذكور و 3 من الإناث تتراوح أعمارهم بين 30 و 39 عامًا.

ولم تتوفر أي معلومات سريرية عن 5 مرضى تقل أعمارهم عن 40 عامًا، في حين كان لدى 8 مرضى آخرين أمراض خطيرة موجودة مسبقًا (أمراض القلب والأوعية الدموية، والكلى، والأمراض النفسية، والسكري، والسمنة)، ولم يكن لدى مريض واحد منهم أي أمراض رئيسة.

وبخصوص الأعراض الأكثر ملاحظة قبل دخول المستشفى، فإن الحمى وضيق التنفس من أكثر الأعراض شيوعًا، أما الأقل تواترا فهي السعال والإسهال ونفث الدم، كما أن 6.4 ٪ من المرضى لم يكن لديهم أي أعراض في وقت دخول المستشفى.

وبخصوص المضاعفات فإن «الفشل التنفسي» كان الأكثر شيوعا، تليه إصابات الكلى الحادة، ثم “العدوى الإضافية” ، ثم إصابة عضلة القلب الحادة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *