منتدى العمق

رأي في رسالة شعرة المصحف

انتشر مؤخرا بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي رسالة تفيد بأن هناك سيدة رأت في المنام الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يخبرها بــأن ” نجاة أمتي في شعرة ستجدونها في المصحف” الشريف بسورة البقرة أو بسورة أخرى ، فإذا وجدتموها فيجب وضعها في كوباً به ماء ثم احتسائها هذا الماء فهو السبيل لخلاصكم.
السياق الاجتماعي و الثقافي التي ظهرت فيه الرسالة:

يعيش العالم عامة، و العالم الثالث خاصة على روع انتشار وباء الكورونا –فيروس- مما أدى إلى خلق حالة من الخوف و الهلع خصوصا، و أن عدد المصابين يزداد بدوال هندسة، حيرت الدول المتقدمة فما بالك بتلك التي يعيش مواطنيها الفقر وتعاني مؤسساتها الهشاشة و اختلالات التسيير و نقص اللوجستيك و الكوادر. هذه الحالة وتلك الوضعية جعلت تلك الفئة التي لا حول و لا قوة لها تستند إلى الماورائيات لعلها تجد ملاذا يخلصها من هون القادم و سواده. إن الكوراث الطبيعية و الإجتماعية تجعل حالة العامة و الخاصة سهلة الإنقياد و التوجيه كما يقولون في علم الاجتماع، وعندما يأتي أحدهم في ضل هذه الأوضاع ويعطي وصفة قد تكون السر المنجي من الكارثة، تجد الجميع ينهال منها و يتخذها سببا للنجاة.

المفاهيم التي اعتمدت عليها الرسالة:

بنت السيدة رسالتها على مجموعة من الأركان، سأحاول توضيحها:
• حالة المجتمع.
• الحلم أو الرؤيا.
• رموز دينية.

أما حالة المجتمع، فهي حالة من الخوف المنتشر الذي يفتك في الأفراد أكثر مما يفتك فيهم فيروس الكورونا المنتشر، وحالة من الانتشار السريع للمعلومة، الذي يستثمر في الفراغ الكبير الذي أصبح لدى الأفراد نتيجة التوقفات الجماعية للعمل و توقف وسائل النقل، إضافة إلى سهولة الوصول للوصول للمعلوم بفضل انتشار الأجهزة الذكية و الهواتف النقالة، فقلما تجد فردا من عائلة ليس عضوا افتراضيا في موقع من مواقع التواصل الإجتماعي. إذن فهناك منتج للمعلومة، وسائل للإنتشارها، و مستقبلات تنتظرها.

الحلم أو الرؤيا، يشير فروم إلى أن الأحلام نُظر إليها قديمًا على أنها آتية من قوة إلهية عُليا، فهي رسائل ترسلها لهم تلك القوى فوق الطبيعية، ولذلك كان يجتهد الإنسان في معرفة ما ترمي إليه تلك الرسائل وما تخبره به. بل أن هناك من كان يرى أن الأحلام هي خبرة فعلية من خبرات النفس. أما الرؤيا فلها صبغة دينية إسلامية، فالدين الإسلامي يفرق بين الحلم الذي هو من الشيطان و الرؤيا التي يختص بها الأنبياء و الأولياء و الصلحاء.

الرموز الدينية التي استخدمت لخلق المقدس بالمدنس هي: الرؤيا، محمد صلى الله عليه وسلم، سورة البقرة، المصحف. والملاحظ أنها من الرموز الدينية الإسلامية التي ما إن ذكرت أو التصقت بحدث من الأحداث أو ظاهرة من الظواهر إلا أعطته قدسية و عظمه و جعلته مباركا مطهرا، فالرّؤيا الصّادقة هي جزءٌ من ستّة وأربعين جزءاً من النّبوة، وقد كان ابتداءُ أمر النّبي -عليه الصّلاة والسّلام- الرّؤيا الصّادقة، حينما كان يرى الرّؤى التي تتحقّق على أرض الواقع كفلق الصّبح، بينما الأحلام يكون معظمها أضغاث أحلام، وإن كان لبعضها تفسيرٌ أو تحقيق على أرض الواقع، وذلك كما حدث مع ملك مصر الذي رؤى حلماً فسّره له سيّدنا يوسُف -عليه السّلام- وتحقّق. تعتبرُ الرّؤيا الصّادقة من المبشّرات التي ذكرها الله -عز وجل- في كتابه الكريم، وهي خاصّة بالأنبياء والصّالحين والأولياء. فما هي هذه السيدة أهي من الصالحين أم من الأولياء؟

الرمز الثاني، هو الرسول صلى الله عليه و سلم، فمن من المسلمين لا يقدر و يعظم

هذه الشخصية، حيث أن اسمه إذا ذكر تسمع كل مسلم يتبعه بالصلاة و السلام عليه، فربط الأحداث الظواهر و الأحداث و التصاقه أو تقريبها من اسمه عليه الصلاة و السلام، يجعلها تأخذ هالة وإن كانت ليست بذلك. فعندما تقول السيدة أنها رأت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام، يتوقف شعر القارئ و تتفتح أعينه و يتسع قلبه و يقبل كل ما يسمعه في غالب دون أي رقابة، لأن الأمر كان مألوفا عند سماع القرآن و الأحديث النبوية الشريفة.

و ما يحمله المصحف من قدسية لدى المسلمين، يجعل أي كان أن يستثمر هذه القدسية لأغراض دنيوية توجيهية أو تنويمية أو قس على ذلك، إن لم يكن القارئ حذقا، يحاول معرفة المطلوب من الخطاب المنتشر.

خلاصة التحليل:

لنشر أي خبر و ضمان غزوه لعقول العامة وجب:

• أن يكون هناك فاعل عارف، بالأوضاع الاجتماعية و الثقافية للأمة مستعلا لوضعية ازمة تمر منها.
• أن يدمج بين ما ينتجه المجتمع من آفات (جهل، ثقافة الترفيه، تسهيل نشر المعلومة…) و ما يؤمن به هذا المجتمع من عقائد و تقاليد و أعراف…
• أن تكون العامة تعيش حالة نفسية(خوف، نزاع، …) تسهل عملية نشر الأخبار و توسيع مجال متلقيها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *