منتدى العمق

فيروس كورونا.. الجانب المشرق من “الجائحة”

قررت كتابة هذه الأسطر انطلاقا من جملة من الملاحطات التي راكمتها خلال فترة الحجر الصحي بالمغرب وفي بلدان أخرى، يمكن تقسيمها فيما يتعلق بالنظرة لهذه الجائحة إلى شيقين رئيسيين هما: أولا ما نعيشه اليوم يمكن لنا أن نلخصه في ثلاثة أو أربعة مظاهر؛ قلق تجاه الواقع، قلق تجاه الآخر، قلق تجاه الذات، قلق تجاه المستقبل… ثانيا -وهذا هوالأهم- فيروس كورونا سيُعيد لنا شيئا سرقته منا العولمة، والتكنولوجيا بمفهومها العام، ألا وهو مفهوم أو مؤسسة الأسرة وكذا البيت في نفس الوقت. واليوم أرى بأن هذا الفيروس الفتاك سيُعيد لنا مجموعة من المشاعر الإنسانية أو عودة الإنسانية إلى البيت كما عبر عنها المفكر التونسي فتحي المسكيني.

لا أحد منا سينكر، أن فيروس كورونا كوفيد 19 غيّر ملامح الأرض في حاضرها وخلخل مجموعة من القوى الاقتصادية والسياسية العظمى التي كانت بالأمس القريب تَعتبر نفسها ممسكة بزمام الأمور، وأن العالم بالنسب لها تم تسييجه من طرفها، كل حركة من داخل السياج لا تتم إلا بأمرها وحينما تريد وأينما تريد. بعبارة أخرى، كل تحرّك يستلزم تبريرا. لكن لا أحد من هؤلاء كان يعتبر أنه سيخضع في زمن كورونا إلى محك السؤال والمصير، وها هي اليوم هذه القوى الكبرى تجد نفسها أمام منطق الضبابية والمجهولية التامة تجاه سياستها الداخلية وتجاه شعبها الذي أصبح مجرد أعداد وأشياء تحصى كل يوم في صراعها مع الموت. وبالتالي، هذه الأشكال فقد غيرت من منطق العالم، وأحدثت تغييرا ملحوظا في جميع جوانب الحياة الاجتماعية.

مظاهر الموت والمعاناة ليست وحدها ما انتشر في زمن “فيروس كورونا”، فقد ظهرت ملامح أخرى بدا أنها قد سُرقت منا منذ زمن بعيد، واليوم ها نحن أمام العودة إلى الإنسان ولا شيء غير الإنسان. ولأن بقاءنا في المنزل أو ما يعرف بـ “الحجر الصحي” هو إعادة التفكير في الإنسان، والبقاء في البيت هو كذلك نوع من العودة إلى العائلة والعودة إلى من نحب. وفي الأخير يعتبر البقاء في المنزل مساهمة في لملمة الرابط الاجتماعي.

ماذا نقصد بالرابط الاجتماعي؟ هو سؤال وظاهرة اجتماعية في نفس الوقت، وعندما نقول ظاهرة؛ فإن ذلك يتطلب منا وقتا كبيرا لدراستها ومساءلتها، وهذه الورقة لا تكفي للإلمام بهذه الظاهرة. ولكن رغم ذلك سأدلي بدلوي في هذا الإطار وحتى لا يخفى عليكم سأتحدث بناء على انطباعات شخصية لا غير.

يُعرف الرابط الاجتماعي باعتباره مجموعة من العلاقات التي تربط بين الأفراد، وهو كذلك ارتباط بين الأفراد والجماعات بمعايير وقيم ثقافية. هذا الرابط الاجتماعي يعتمد على التبادل بين الأفراد، بهدف توحيدهم في مصلحة مشتركة… إذن أمام هذا التعريف، ما الذي وقع لهذا الرابط الاجتماعي في زمن كورونا.

إن التحولات الخصبة التي تطبع عصرنا، تسمح بالتطور نحو وجهة تبعدنا عن أنفسنا، نحن في خضم عهد جديد يفرض علينا التأقلم والاستئناس والتكيف معه. هذا الواقع الجديد الذي طغت عليه “الأنانية” والتفكك الاجتماعي والانسلاخ عن “الجماعة”، إنه سياق عام يسوده تهميش حاد وإهمال للرابط الاجتماعي، وكذا تواجد هوّة عميقة بين أفراده. كلها مظاهر تقف في الواجهة المعاكسة للرابط الاجتماعي، بل وهي المسؤولة عن زحزحته، كانت موجودة ما قبل زمن كورونا. بعبارة أخرى، إذا كان فيروس كورونا قد انتشر في المعمورة وفتك بأبناء جلدتنا. إلا أن هناك جانب مشرق في كل ما وقع وما سيقع مستقبلا، فقد عادت الإنسانية إلى البيت، وصار الاقتراب بين أفراد العائلة هو العنوان الرئيس للمنزل. ليس هذا فقط، بل هناك دروس تم التقاطها من أهل الحكمة وهي العودة للمكتبة والعلم، حيث صُححت الكثير من الأشياء ووجدنا أنفسنا نميل في الأيام الأخيرة إلى العودة للكتاب والمكتبة. وتم إستغلال وسائل التواصل الاجتماعي بشكل إيجابي، وهنا وجب أن ننوه بالجهد الذي يقوم به مجموعة من الباحثين والأساتذة من مختلف المشارب والتخصصات العلمية في نشرهم ومشاركتهم لمقاطع فيديوهات مع طلابهم، وكذا الإستجابة لأسئلتهم المقلقة تجاه هذا الفيروس.

ما تطرقنا له للتو، يوضح بجلاء كبير أن زمن كورونا ليس هو زمن المعاناة والمآسي التي لا تندمل، بل هو كذلك زمن الحب والود والعطف؛ حيث أصبحنا نجد كل أفراد المجتمع في مواقع التواصل الاجتماعي يعطون معنى آخر للرابط الاجتماعي، ونجدهم غالبا ما يملون بعضهم البعض في مشهد عاطفي وهم يتبادلون أطراف الحديث، بالإضافة إلى الانتشار الكبير لما يعرف بـ “الهاشتاغ”، أي نشر مجموعة من الصور الجميلة التي تبعث في النفس الحياة.

* طالب باحث في علم الاجتماع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • أيوب
    منذ 4 سنوات

    مقال جميل. موفق صديقي جمال