منتدى العمق

حق التعليم في ظل الدراسة عن بعد‎

يعتبر الحق في التعليم من الحقوق الأساسية التي كفلتها جل المواثيق والإتفاقيات الدولية كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر سنة 1948، الذي أكد على ضمان الدولة لكل شخص حقه في التعليم[1]، والعهدان الدوليان الصادران سنة 1966[2].

وكذلك التشريعات الوطنية، حيث نجد الدستور المغربي لسنة 2011، عمل على دسترة هذا الحق من خلال مقتضيات الفصول 31، 32، 33 و168، وذلك بنصه في الفصل 31 على أنه “تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنين والمواطنات، على قدم المساواة، من الحق في:… الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة…”، وكذلك الفقرة الرابعة من الفصل 32 التي أكدت صراحة على هذا الحق[3].
وعند تحليل هذه المقتضيات، خاصة ما جاء في الفصل 31 من الدستور، يتضح بشكل لا يدع مجالا للشك أن الحق في التعليم لابد أن يتمتع به الجميع على قدم المساواة بصرف النظر عن الإمكانيات المادية للمواطن، مما يعني ضرورة استفادة كافة الأطفال بحقهم في التعليم سواء في المجال الحضري أو القروي.
من هذا المنطلق، فإن الدولة والمؤسسات العمومية ملزمة بضمان توفير واستمرارية التعليم في كل زمان ومكان.

لكنه في الجانب المقابل، فإنه قد تحدث ظروف طارئة تستدعي اتخاذ إجراءات تخالف ما كان معمول به في الحالات العادية.

في هذا السياق فإن المملكة المغربية وعلى غرار باقي دول العالم، تعرف انتشار فيروس كورونا-كوفيد 19، الذي فرض اتخاذ مجموعة من التدابير الإحترازية من أجل الحد من انتشار وتفشي هذا الوباء.

ومن جملة التدابير المتخذة، إعلان حالة الطوارئ الصحية[4]، إقرار الحجر الصحي، إغلاق المساجد وكذلك توقيف الدروس الحضورية وتعويضها بالدروس عن بعد ضمانا للإستمرارية البيداغوجية.

ففي إطار التدابير الوقائية التي اتخذتها المملكة المغربية من أجل الحد من انتشار جائحة كورونا، وفي ظل إقرار الحجر الصحي نظرا للوضعية الإستثنائية التي يعيشها المغرب كما سبقت الإشارة إلى ذلك، أقرت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي إلغاء الدروس الحضورية وتعويضها بالدروس عن بعد، وذلك في خطوة تهدف إلى حماية الصحة العامة والحفاظ على سلامة المواطنين كما هي منصوص عليها في الدستور [5]، خاصة التلاميذ والطلبة الذين يتابعون دروسهم في منازلهم.

لكنه في الجانب المقابل فإن التعليم عن بعد يطرح إشكالات حقيقية تضرب في عمق مبادئ الإنصاف، تكافؤ الفرص والجودة للجميع التي تعتبر من أبرز الأهداف الرئيسية التي تروم تحقيقها الرؤية الإستراتيجية 2015-2030[6]، خاصة وأن المغرب لم يعرف في ما سبق أي تجربة لهذا النمط من التعليم.

فرغم الإجراءات المتخذة من طرف الوزارة المسؤولة عن القطاع لإنجاح التعليم عن بعد والممثلة أساسا في إطلاق منصة رقمية والبث التلفزي للدروس على بعض القنوات الفضائية كالرابعة الثقافية والأمازيغية والعيون…، إلا أنها لم تمكن من تأمين فرص التعلم والتكوين وكذا تيسير شروطه للجميع خاصة في العالم القروي، الذي يعرف مجموعة من التحديات، التي تستمد شرعيتها من طبيعة الموقع الجغرافي وقلة الإمكانيات المادية، وكذا بعض الأسر في المناطق الحضرية.

فمنذ تعليق الدراسة بمختلف مستوياتها، اتضح أن آلاف التلاميذ والطلبة في العالم القروي وجدوا صعوبة في مواكبة التعليم عن بعد، تبرز في مجموعة من المستويات.

بالنسبة للمستوى الأول، فهو يتمثل في انعدام الأجهزة الإلكترونية كالحاسوب والهاتف، التي تعتبر الوسيلة الأولى والفعالة لمتابعة دراستهم.

أما المستوى الثانوي، فيتجلى في غياب التيار الكهربائي في مناطق مما ينتج عنه غياب جهاز التلفاز، الذي يعد الوسيلة الثانية للتعلم عن بعد.

إن القاسم المشترك بين هذه المستويات يكمن في ضعف الإمكانيات المادية في العالم القروي، حيث أن غياب الإرادة الحقيقية للنهوض بهذا الوسط الهاش أمر من شأنه تعميق الأزمة وإحداث شرخ كبير بين مناطق البلد الواحد.

وبالتالي فإن عدم توفير الإمكانيات المادية عامة والتقنية خاصة للأسر القروية سيحرم آلاف التلاميذ والطلبة من آليات التواصل مع مؤسساتهم التعليمية وتتبع المواد الرقمية والسمعية البصرية المنتجة خصيصا لهذا الغرض.

بالإضافة إلى ما سبق، فإن إمكانية اعتبار الدروس عن بعد دروس كافية ورسمية لاجتياز الإمتحانات خاصة الإشهادية من شأنه تعميق الأزمة، حيث أن ذلك قد يفرز تفاوتا كبيرا بين أبناء الأسر الميسورة والفقيرة.

وللإشارة هنا فإن التقسيم التقليدي الذي يعتمد على المعيار المؤسساتي(حضري-تقليدي) غير دقيق في هذا السياق، لأنه في الوسط الحضري توجد أسر فقيرة تقاسي ما تقاسيه نظيرتها في العالم القروي.

وفي الأخير نؤكد أنه يتحتم على الجهات المسؤولة إعادة النظر في مجموعة من النواقص التي تعتري المنظومة التربوية المغربية، وذلك من خلال العمل على جردها بكل مصداقية ومسؤولية لتأمين فرص التعليم والتكوين للجميع مدى الحياة على قدم المساواة والإنصاف، وذلك لكسب رهان مجتمع المعرفة وتنمية الرأسمال البشري وتثمينه كما هو مضمن في قانون إطار [7].

الهوامش:

1- جاء في المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان “لكل شخص الحق في التعليم…”.

2- جاء في المادة 13 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية “تقرر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل فرد في التربية والتعليم…”.

3- حسب الفقرة الرابعة من الفصل 32 من دستور المملكة المغربية فإن ” التعليم الأساسي حق للطفل وواجب على الأسرة والدولة”.

4- مرسوم بقانون رقم 2.20.292 صادر في 28 من رجب 1441 الموافق ل 23 مارس 2020، يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها.

5- جاء في الفصل 21 من دستور المملكة المغربية “لكل فرد الحق في سلامة شخص هوأقربائه، وحماية ممتلكاته. تضمن السلطات العمومية سلامة السكان، وسلامة التراب الوطني،في إطار احترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع”.

6- الرؤية الإستراتيجية 2015-2030 للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، ص9.

7- أنظر المادة 3 من قانون-إطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *