وجهة نظر

حين أفسد كوفيد 19″ اللعبة السياسية الدولية

بعدما ألف العالم اللعبة السياسية الدولية و أنس إلى أبطالها وجميع أطرافها. وبعدما استأنس بغض النظر عن أصولها وقواعدها ومعاييرها وضوابطها . وبينما كان العالم يخوض غمار هذه اللعبة – الغير المتكافئة – في ظل فوضى عارمة بين الأطراف المتجادبة وفي غياب التوازن والتفاوت الكبير بين الشعوب والأمم لمسايرة ومواكبة هذه اللعبة التشاركية المفروضة، في ظل هذه المعمعة السياسية المبهمة المعالم، المحجوبون لاعبوها وراء ستائر الشعارات الإيديولوجية أحيانا والمستقبلية أحيانا أخرى بل قد يطالهم الغطاء سنين أو عقود من الزمان.

بينما العالم كذلك يتمايل بين نيران التنين الأصفر ومنقار النسر الغربي وقوة تكتلات الاتحادات والمنظمات التابعة . فجأة يظهر على رقعة الملعب طرف آخر نصب نفسه عنصرا استراتيجيا في اللعبة الدولية من دون انتخابات ولا استقطاب ولا إيديولوجية .فهو مترفع عن هذا وذاك .دخل والرقم 19 على ظهره بدون تحية ولا تصفيقاته .تحدى كل أصول اللعبة وقواعدها وضوابطها ومعاييرها. لم يأبه لتعليمات مندوب الجامعة ولا حتى لقوانينها ولا قوانين التحكيم المتعارف عليه .دخل الرقعة الدولية وفرض نفسه كلاعب أساس وقلب هجوم أسطوري خرافي وقلب الطاولة على كل المواثيق الأممية والمعاهدات الدولية إنه اللاعب الدولي كوفيد 19 .

عذرا فهو لا منصب له في دواليب اللعبة الدولية ليس برئيس ولا بأمين عام ولا مستشارا قوميا ولا هو بالحائز على جائزة من جوائز نوبل المعروفة.وهو في غنى عن الفيتو ألأممي تسلط على الكراسي الأممية و الاتحادية والإقليمية و الفدرالية ونزع منها سلطتها وخضع الكل لجبروته .إنه كوفيد 19 المشهور في أوساطه والملقب بـ كورونا .

كانت اللعبة السياسية حامية الوطيس بين واشنطن وبيكين على مستوى الخطابات و السجال السياسي بعدما أدركت واشنطن أن التنين الصيني بسط معظم أطرافه على العالم في إطار رؤية إستراتيجية اقتصادية وتقنية شاملة بالدرجة الأولى أقلقت واشنطن إلى حد كبير مما جعلها تخاف وتخشى نيران التنين النافثة والحارقة لمصالحها وسحب كرسي الزعامة العالمية من تحت أقدام واشنطن . في ظل هذا التصادم وهذه الأزمة العالمية بين القطبين كان لابد من خلخلة العالم بلعبة تعيد بلورة العالم بشكل جديد يغير مجرى اللعبة السياسية الدولية الكلاسيكية يراعي مصلحة القطبين طبعا.

وفعلا خرج هدا اللاعب المشاكس كوفيد 19 من دكة البدلاء – بغض النظر أكانت شرقية أم غربية – خرج في الوقت المستقطع من 2019 ليغير اللعبة الدولية ومعالمها وخططها مع بداية 2020 . على حين غرة خرج هذا العنصر ليراوغ ويشاكس ويهاجم ويسجل ويرفض ويتمرد حتى خلط وبعتر ألأوراق في معظم كواليس الاتحادات والجامعات والمنظمات و المنتديات غير عابث بالإنذارات ولا حتى بقرارات الفيتو ألأممي الذي أنهك معظم الدول المغلوبة على أمرها ضحية هذه اللعبة الدولية .لقد صدع الاتحاد الأوروبي بشرخ عميق وكان بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر البعير بعدما خذل الاتحاد الأوروبي بعضا من دوله كايطاليا واسبانيا وفرنسا وتركها لمصيرها مع المراوغ الخطير الجديد في الساحة الأوروبية كوفيد 19 . ليتبين أنه اتحاد في الشكل ليس إلا .أما على مستوى الشعوب فقد أبان الإيطاليون عن امتعاضهم الشديد من موقف بعض دول الاتحاد التي خذلتهم في عز أزمتهم خصوصا ألمانيا وبولندا وبدأت تحرق أعلام الاتحاد في واضحة النهار في وجه جميع عدسات القنوات العالمية.

وهكذا تعمق الشرخ الذي أضحى يهدد الاتحاد الأوروبي خصوصا بعد دخول الصين وروسيا وكوبا على الخط في استقبال قل نظيره على الأراضي الأوروبية وشوارع ايطاليا على الخصوص وما له من دلالات تاريخية فقط في مهمة لتقديم مساعدات بعد خذلان الجيران وأبناء العم سام . المؤشر الذي يوحي برسم معالم جديدة للعالم قد يتركها اللاعب كوفيد 19 على سبورة النتائج الالكترونية بعد خروجه من رقعة الملعب الدولية جارفا معه بعض الكراسي وأصحابها سواء من اليمين أو اليسار من هذه الحكومة أو تلك ليبراليا أو اشتراكيا .لا يهمه قميص اللاعب أو لونه أو انتماءه السياسي …وقد نسمع أيضا عن خريف أوروبي يٌسقط عدة أوراق من مختلف الدوائر الرسمية تهاونت وتلاشت أو تخاذلت في خططها سواء جماعية أو فردية لمواجهة اللاعب الدخيل الغير مرغوب فيه كوفيد 19. وعليه سنرى اللعبة السياسية الدولية برؤية جديدة وبثقافة سياسية جديدة وخيار اقتصادي جديد يبلوره طبعا أقطاب و رواد اللعبة السياسية الدولية الكبار بمقاسهم الذي يناسب مصالح دولهم . وحقيقة الأمر تبقى اللعبة السياسية الدولية لعبة شيطانية لعبة ذكاء ودهاء ومصير. ربما تسبب إرهاقا للدماء وربما تغير مجرى التاريخ وربما تهدم دولا و تبني أخرى وربما تشل الحياة … حقيقة لعبة ولكن ليس كباقي اللعب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *