وجهة نظر

فيروس كورونا والتفسير المادي

ما يلاحظ بداهة أن العالم بكل بمنظماته ومؤسساته الطبية ما فتئ يقدم تفسيرات “علمية” ومادية لانتشار جائحة كورونا بين البشر !

فسرته منظمة الصحة العالمية بأنه فصيلة كبيرة من الفيروسات التي قد تسبب المرض والعدوى للحيوان والإنسان، وفسره العديد من المتابعين في أول وهلة بأنه سلاح بيولوجي في إطار حرب جديدة، ثم فُسر بعد ذلك بأنه عدوى قد تطورت من الخفافيش، ثم انتقل في وقت لاحق إلى آكل النمل الحرشفي أو “البنغول”، إلى غير ذلك من التفسيرات التي لا تتفق ولا تنتهي، وبتنا نسمع في ظل التعامل مع هذه الجائحة مصطلحات حربية من قبيل :(مناعة القطيع / البقاء للأقوى/ العلاج أسوأ من المرض/ التضحية بالأرواح من أجل الاقتصاد.. ) . هذا التفسير نتيجة للإيمان بنظرية “داروين” المادية، هذه هي الحضارة المادية الغربية التي تهاوت قيمها مع الامتحان في الشدائد، لأنها قيم مادية ورأسمالية وإن ادعت أنها إنسانية .

وفي مقابل ذلك غُيبت تماما –عن عمد وقصد- التفسيرات الدينية والغيبية من الساحة، وكأن الأرض ليس فيها متدينون ولا مؤمنون، فلا جهة مختصة ولا مؤسسة رسمية ولا طبية أشارت إلى أن هذا الفيروس مخلوق من مخلوقات الله قال تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَر)، (القمر: 49) ، وقال تعالى: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) (الفرقان: 2): أي كل شيءٍ مما سواه مخلوق مربوب، وهو خالق كل شيء وربه ومليكه وإلهه، وكل شيءٍ تحت قهره وتدبيره وتسخيره وتقديره. ولا ادّعوا ألف مرة أنه مصنوع فهو مخلوق ومقدر.

ولا أحد من هؤلاء قال إن هذا الوباء جاء عقابا من الله للبشرية جزاء وِفاقا على الظلم والفواحش والمنكرات المستشرية فوق ظهر الأرض . ربما قسوةً وغفلةً من قلوبهم عن الاتعاظ بآيات الله الكونية ! ربما خوفا على البشرية أن ترجع إلى عصور الظلام والماورائيات ! قال سبحانه وتعالى : (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا) (الكهف 59)، وقال : ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ )،(الروم 41) .

ما الذي ينقله إعلامنا العربي و”الإسلامي” قبل الإعلام الغربي عن هذا الفيروس ؟ ما الذي نشاهده في كل ساعة على الشاشات ؟ نشاهد فقط أرقام المصابين والمتعافين وحالات الوفيات، نُصبّح ونمسي على مخاطر الفيروس وطرق الوقاية، نظل على نصيحة بكل لغات العالم : ” ابقوا في منازلكم” ! أين اختفى الدين من حياتنا ؟ أين قدرة القادر والمدبر للكون سبحانه وتعالى ؟ أين الاستبصار والاعتبار بالأقوام السابقة التي أهلكها الله ؟ قال الله تعالى : ( وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِين)، (الشعراء:5)، وقال سبحانه : (انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ )(الأنعام 47) .

أليس زمن “كورونا” فرصة ثمينة لتصحيح المسار والأَوْبة إلى الطريق المستقيم والمنهج القويم الذي ارتضاه الله للبشرية ؟ لا سيما وأننا نشاهد قابلية للرجوع إلى الدين من طرف فئات من الناس في أوروبا، يسمحون لأول مرة للآذان عبر مكبرات الصوت في أحياء المدن، لماذا هذا الإصرار والعناد على المادية والإلحادية التي ألَّهت العقل البشري ؟ وجعلت من الغرب قبلة يصلي إليها كل مأفون وناقص عقل.

بعبارة أخرى إن التفسير المادي الذي تقدمه كل المؤسسات الطبية وتتناقله كل وسائل الإعلام لهذا الوباء يبقى تفسيرا ظاهريّا إن لم نقل بسيطا وساذجا للتغيرات والأحداث الكونية لأنه يستغبي كثيرا من العقول . فحتى ولو بدا مقبولا فهو غير منطقي على أرض الواقع لأنه غير مقنع ولأنه خارج عن سيطرة القوة البشرية العاجزة أمام القدرة الإلهية القاهرة . قال تعالى : (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ )(الأنعام 65) .

فلماذا إذن تُقدم وجهة دون أخرى ؟ ويُتعتم على الدين رغم أنه يهيمن على حياة نسبة كثيرة من البشر ؟ أليس لهم الحق في منابر الإعلام ؟

رجاء أنصفوا الدين ولو في ظل الأزمات ! فقلوب البشر تخشع وتحنو .

* أستاذ باحث من مدينة قلعة السراغنة 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *