وجهة نظر

إعلام الأزمات أفقا للتفكير

تفرض الأزمات الوبائية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية، تخصصا اعلاميا مهنيا في تدبيرها الأزمات التي يتميز غالبيتها بطبيعتها الفجائية وبالتالى يكون الاستعداد لها متعذرا، مما يفرض التعامل معها ومعالجة آثارها وتداعياتها، بناء على معايير خاصة تكون في الغالب وسائل الاعلام تفتقر الى التجربة والتكوين الكافيين للتعامل معها.

إلا أن دور الأداء المهني تتعاظم خلال مراحل التي تمر بها الأزمة، على الرغم من غياب تقاليد وتجارب اعلامية، في مجال تدبير الأزمات، حيث أنه اذا كان “إعلام الأزمة” يضطلع – على غرار الإعلام في الأيام الاعتيادية- بدور طلائعي في الاخبار والتوعية والتحسيس، غير أن وظائفه تشهد تطورا ملحوظا، ويفرض تعاملا مختلفا، تبعا للمستوى الذى بلغته الأزمة على مستويي الانتشار والتداعيات.

وتحدد غالبية الدراسات خصائص الأزمة بصفة عامة، في كونها تتميز بالتعقيد التشابك والتداخل الذى يطال عناصرها وأسبابها، وما تخلفه من آثار اقتصادية واجتماعية ونفسية، على كل من تشملهم هذه الأزمة التي تشكل تهديدا مستمرا للمحيط الذى تنتشر فيه.

يقظة اعلامية في ظل الأزمة

وتفرض الأزمة التي تنتشر بفجاءة، صعوبة في التحكم في انتشارها، مما يتطلب الاسراع في تطويقها، عبر اعتماد تدابير عاجلة وفعالة، وهو ما يفرض على المستوى الاعلامى والتواصلى، اتخاذ عدد من التدابير والاجراءات منها، نتدرج ضمن “يقظة اعلامية” منها اعادة النظر في البرمجة واعداد مخططات اعلامية تتلاءم مع المستجدات التي تفرضها صيرورة الأزمة، مع مواصلة وسائل الإعلام لأدوارها في توفير وتقديم المعلومات وتعميمها وتنوير الرأي العام.

غير أنه إذا كان اعلام الازمة، اعلاما موسميا بالمقارنة مع الاعلام في الأيام العادية، فإنه يتعامل مع الأزمة، وفق تسلسل الأحداث، وذلك ارتباطا بمستوى تأثيرها على فئات المجتمع، وليس على فئة واحدة منه، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الأزمة تتميز بطابع الاستمرارية بالمقارنة مع المعالجة الاعلامية لأحداث ووقائع عابرة.

لقد ارتبط مصطلح الأزمة تاريخيا، بالطب الإغريقى، وكان يقصد به التغيير المفاجئ الذى يحدث في جسم الانسان، كن سرعان ما انتقل هذا التعريف من المعاجم الطبية، ليدل على التوتر في العلاقات القائمة بين الكنيسة والدولة. غير أنه في القرن 19، تواتر استخدام كلمة الأزمة على المشكلات الخطيرة، واللحظات الحاسمة في العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وفي اواخر الثلاثينات، أصبحت الأزمة تعرف بأنها حدوث خلل خطير ومفاجئ في العلاقات بين العرض والطلب في السلع والخدمات ورؤوس الأموال، الانها بعد ذلك باتت الأزمة تعرف بأنها، هي الظروف والأحداث المفاجئة التي تنطوى على تهديد كبير للاستقرار.

فالأزمة تعبير أيضا عن لحظة حرجة وخطيرة، تتسم بالحسم في موقف يواجه أصحاب القرار، وتتميز بتسارع الأحداث وتختلط معها الأسباب والنتائج، مما يصعب على متخذ القرار السيطرة الكاملة، وتضعه في مأزق الاختيار بين ما يمكن ولا يمكن، أن يتخذ من قرارات صائبة، وهي ما يقع الآن مع حالة فيروس كورونا الذى انتشار في كافة أرجاء العالم وأدى الى وفاو عدد كبير من الأشخاص في مختلف القارات.

البحث العلمى في الاعلام ليس ترفا فكريا

وعلى مستوى الاعلام والاتصال، فإن “الاعلام الأزماتي” يقوم بصفة عامة، بمهمتين الاولى، تتمثل في اطلاع الرأي العام على تطورات ومستجدات الأزمة وتحديد الأطراف المستهدفة والمعنية بها، في حين تتعلق المهمة الثانية بالتوجه الى الرأي العام، وهو ما يجعل وسائل الاعلام، تتحول الى القيام بدور الوساطة، مع ضمان نقل الأحداث والمعلومات بفورية ودقة، اعتمادا على مصادر موثوقة، حتى يتمكن الجمهور العريض من فهم أبعاد الأزمة وتطوراتها والتدابير المتخذة للحد من آثارها السلبية.

وتجدر الاشارة الى أن أدوار وسائل الاعلام، تختلف باختلاف مراحل الأزمة والتى تتراوح بين لحظة البداية التي تقتضى توفير المعلومات اللازمة حول الازمة والعمل على الرفع من روح التعبئة، فيما تفرض المرحلة الثانية التي تكون فيه الأزمة قد بلغت أوجها، على الاعلام القيام بأدوار مختلفة منها الإسهام في ضمان الاستقرار والمساهمة في التماسك الاجتماعي، والتنبيه الى خطورة السلوكيات السلبية. فدور وسائل الاعلام والاتصال، لا يتوقف فقط عند التحكم في الأزمة والتغلب عليها، بل يواصل دوره في التحسيس والتوعية للتخفيف من آثارها واستخلاص الدروس المستقاة منها.

لقد أظهرت تداعيات جائحة فيروس كورنا، من جديد الحاجة الماسة الى اعادة الاعتبار للبحث العلمي في المجالات والتخصصات المختلفة بدء بالعلوم الحقة وأيضا العلوم الانسانية ومنها الاعلام والاتصال، وذلك بالرفع من ميزانيته البحث وتشجيع الباحثين والمختصين، عوض التعامل مع البحث العلمي بنظرة نمطية قاصرة، وكأنه مجرد ترف فكري. ان ما أظهرته وسائل الاعلام من مجهود مهني واضح في تناول فيروس كوفيد 19، مكنها من استعادة ومام المبادرة وتحقيق التصالح المطلوب مع الرأي العام، والتفاعل ايجابا مع التدابير والاجراءات الاحترازية المتخذة للحد من انتشار هذا الفيروس القاتل واسترجاع قيم التضامن المجتمعي.

وعلى غرار لجنة اليقظة الاقتصادية التي تم تشكيلها بمجرد اكتشاف أول حالة للإصابة بفيروس كورونا بالمغرب، كان من المفيد جدا، تأسيس على هامشها لجنة لليقظة في الاعلام والتواصل، تضم خبراء ومختصين، خاصة يعد أن بينت جائحة كوفيد 19، أهمية الإعلام الحاسمة في المساهمة من الحد من انتشارها وتداعياتها السلبية على المجتمع الذى لن يعود بالضرورة – كما كان قبل زمن كورونا- وستتغير الأولويات خاصة على مستوى العلاقات القائمة بين الدولة والمجتمع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *