وجهة نظر

فيروس “كورونا” القاسي (ج1)

يتربص بالجميع متخف عن الانظار .! ينتظر أي شيء ليظهر ويعلن غيرته من الكون ! هو لا يأتي وقت ازدهار الأمم . فالأيام عنده سيان .لأنهم ببساطة فهموا ويعلمون أنهم لن يكونوا أفضل على وجه الارض فالفيروس .الفتاك. تركهم يهرولون يحاولون ويتحينون وقت ضعفه الذي لا يرى بالعين المجردة . ولهذا السبب يرفض الفيروس أن يعطيهم الفرصة كي يرقصون على جرحه ويظهرون بمظهر الأبطال حوله.فهو صنع طبعا بفعل فاعل ومن تسبب فيه نفسه غير سوية يشوبها المكر والخداع..

.ففطن بمكائدهم وشق عصا الطاعة لأنه علم أن قلوبهم محملة بالضغينة، يريدون أن يزيحوا الكل عن المقعد الأول مقعد قيادة العالم بأي وسيلة، لكنه هو جبار وقوي وخبيث حتى وإن سقطت كل الأخلاق منهم لن يترك المتعجرفين لقيادة الكون . لأن القيادة باختصار .. ليست على مقاسهم .بل على مقاسه هو.. وحده هويتربص بالجميع لا يفرق بين القصور والاقامات الفخمة ولا الأكواخ ولا الغني ولا فقير ولا صغير ولا كبير بل ينتظر أي شيء ليظهر ويعلن غيرته منهم جميعا.يختار مأواه في أي مكان على الارض ريثما تسنح له الفرصة لولوج مكانه المفضل والمفضي لموت مضيفه بينما يترك أمما تتساءل:

لماذا يصر هذا الكائن الغريب على خذلاننا؟ لماذا يقسو علينا ويعاملنا بطريقة لا تليق بحجم قدراتنا الصناعية والعلمية والثقافية … ماذا يريد منا؟ أيريد منا كلمة لطيفة وترحيب لائق..ماذا ماذا فهذه كلها، عبارات بسيطة وحسب لا يعيرها الفيروس أي اهتمام.

لأنها ليس من شأنها أن تجعله سعيداأو تعطيه بسمة خفيفة في وجوههم…بل هو يريد انصافا لآهات شعوب رزحت منذ زمن بعيد تحت وطأة البؤس والفقر والاستعباد ونهب خيراتها واشتكى الكون من همجيتهم الصناعية فلم يعد يتنفس لا هواء نقي ولا غذاء صحي كي تحس البشرية بطعم الحياة، ولكنه هذه المرة جاء “الكورونا” قاسيا ومذمرا ومرهقا القلوب وكل الأخلة والأحباب وجوههم عابسة فكم هو شاق ألا تجد الانسانية من يحنو عليها ويحس بها ويقدرها حق قدرها…؟

على حين غرة وبدون اخبار مسبق حلت بالبشرية لحظات جعلت كل فرد منا يهرب من عالمه الجميل والمرح نحو عالم قاسي فرضه كائن غير مرئي يدعى”فيروس كورونا”، فهو لا يرحم ولا يصفح ولايميز بين بني البشر. .

فهو فرض على البشرية متلازمة نفسية فريدة..الحجر الصحي وأرغمهم على ترك متلازمتهم الروتينية ،متلازمة التعلق بالأماكن…مقرات العمل محلات التبضع مقاهي …مما دفع بالكثيرين وهم يقبعون داخل البيوت مجبرين ومقيدين بأصفاد “كورونا” لا قبل لهم بها، يواسون وحشتهم بما تبقى لهم من بقايا مشاعر يوقد منها ما ينفع ليؤانس غلظة الأيام في وجوههم.أغلقت المدارس والجامعات وأماكن العبادة في ربوع بقاع الأرض..وبقي في الواجهة الاطباء يقاومون والأمن والعسكر والوقاية المدنية ..

لا أحد يعلم بحال أحد الا بما سخرته (تكنولوجيا الاتصال) ، ولا أحد يهمه أن يطلع عليه ولو من باب السلام، ينام على حزنه ويصحو ليطهو لنفسه آخر شيءٍ منه لعله يقي نفسه جوع الحرمان ، وقسوة الزمان زمان كورونا فأضحى الكل…… يحدق طيلة الوقتِ بذكرياته التي خلت، على أنها آخر ما تبقى له، .

ليخفف عن نفسه وطأة خوفه القاسي، فلا يرتد منها إلا حزينا كما حاله كل ساعة..وهو يطارد كائنا غير مرئي..بل حتى الزعماء وعلية القوم بدأوا يفكرُون كل حينٍ بمخرج من المأزق الذي تورطوا به.

لا شيء يبشر بالخير لهم، تلك خلاصة الخسائر التي يخلفها هذا العدو الغاشم مما دفع بهم جميعا يجلسون ويضعون أكفهم على الخد، يتأملون مسلسل الحسرة وشريطه، ولا يتوقفون من التفكير والحيرة التي سببها لهم هذا السلاح الفتاك ..القاسي..

فينتابهم تفكير الموت، فيعجزون عن إيجاد نهاية تليق بجروحهم التي منذ فتحت لم تغلق، ويئنون جميعا وهم يراقبون احتباس الانفاس لدى ذويهم وأحباءهم وقرب المنية..التي يعلنها ” فيروس كورونا”

حتى أنهم ضحوا بأي شيء آخر مقابل أن ينالوا الوقت الذي ينقذهم من هول هذا الكائن الفتاك .

بل منهم من بدأت الدنيا تقل في أعينهم، لم يعد يرون فيها ما يستحق الوجود، أصبحت الألوان باهتة، ومصادر التشويق معدومة، لم يعد يشغلهم سوى التفكير في ماهو السبيل للنجاة من الموت ومتى يمكن العودة للعمل والدراسة والواجبات الوطنية والأسرية، وأصبح الجميع في سباق مع الحياة لتفادي الموت.

ومع كل يومٍ يمر تزيد الكآبة ويزيد الكره للحياة، لم يكن يتوقعون أن لذلك الأمر كل هذا الانعكاس على حياتهم، غير أنهم تيقنوا أن الجسد يتأثر بالعمر ومرور الوقت فينمو ويكبر، إلا أن الروح والقلب لا يكبران..بل فقط يستبد بهم الخوف فتمر عليهم تقلبات اليوم دون أن يجدوا فيها ما يسر الخاطر..فأيقن الجميع أن السعادة قد لا يجدها البعض بالمال أو السفر .. ورغم أنها قد تخلق بعضا من السعادة إلا أنها من المحال أن تجعلهم سعداء بالمطلق ..فازداد ايمانهم بغض النظر عن مذاهبهم فأصبحوا ثواقين للجنة ويتساءلون: هل يمكننا الذهاب للجنة حتى ولو كنا مذنبين ؟ “لكل شيءٍ ضريبة” والعالم المتوحش يدفع الآن أقسى ضريبة، ضريبة الجشع وقانون الغاب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *