رمضانيات

“صحافة الأمس” (3): محمد الخامس يتحدى الاستعمار بزيارة “طنجة الدولية”

“صحافة الأمس”.. إطلالة قصيرة خلال أيام رمضان على مغرب الأمس بعيون صحافيين كانوا يرزحون تحت رقابة الاستعمار الفرنسي أو تحت رقابة المخزن، ويشتغلون بوسائل بسيطة. ونفض للغبار في كل مرة على خبر من مجلة أو جريدة صدرت قبل عقود من الزمن.

احتفت جريدة “الرأي العام” لسان حال حزب الشورى والاستقلال في عددها الأول الصادر في أبريل من عام 1947 بزيارة التحدي و”لم الشمل” التي قام بها الملك الراحل محمد الخامس، في عهد الاستعمار، إلى مدينة طنجة “الدولية” يوم 9 أبريل عام 1947.

الجريدة عنونت المقال بـ”الزيارة الملكية لطنجة.. من شواهد يقظة المغرب العربي”، وقالت إن الشعب المغربي الموحد ضمن ثلاثة مناطق تفصل بينها حدود وهمية- مؤقتة- عبر “عن مظاهر عظمته الكامنة وأسرار قوته الموزعة، وأبان بجلاء ووضح أنه شعب جدير بأن يبلغ المراتب السامية التي تجعله عضوا مهما في مجموعة الشعوب القابضة على زمام العالم”.

وتضيف الجريدة “ففي هذا اليوم وقع حدث تاريخي هام سوف تكون له نتائج سياسية حاسمة في وحدة المملكة المغربية وجمع شملها المشتت؛ ألا وهو قيام حضرة صاحب الجلالة محمد الخامس بزيارة عاصمة مملكة الدبلوماسية طنجة “الدولية” والمرور بأراضي مملكته الواقعة تحت الحماية الإسبانية”.

وعن أهمية الحدث تقول “الرأي العام”، “ولو كان التراب المغربي مجموع الشمل موصول الرحم لكانت هذه الزيارة شيئا عاديا لا يدعو إلى كبير الالتفات ولكنها جاءت في الوقت الذي يلح فيه الشعب المغربي بأجمعه طالبا وحدته التي هي حق شرعي وطبيعي له؛ فمن هنا جاء المعنى السياسي الخاص الذي تعبر عنه هذه الرحلة الملكية الميمونة”.

واستطردت في وصف بعض تفاصيل الرحلة قائلة إلن محمد الخامس غادر العاصمة الرباط في الساعة الثامنة 10 دقائق، مشيرة إلى أنه كان يرافقه خلال رحلته الملك الراحل الحسن الثاني الذي كان آنذاك وليا للعهد، “وأخيه الأمير مولاي عبد الله وأختهما زعيمة النهضة النسائية الأميرة عائشة ورجال الدولة المغربية”.

ووصفت الجريدة خروج احتفاء المغاربة بالملك قائلة “وعلى طول الطريق كانت محطات المدن والقرى تعج بالجماهير الذين جاؤوا لوداع جلالته وتحيته؛ ومما يلاحظ بمزيد من السرور أنه لم يغب عن أي بدوي في جميع السهول والربى أن القطار المار يحمل ملكه المحبوب فيحييه والفرح يغمره الغبطة تملأ جوانحه”.

الزيارة الملكية، حسب “الرأي العام”، أثارت استياء الإسبان موضحة “وإلا فبماذا نفسر كتمانها خبر مرور القطار الملكي على أهل البادية وعم تمكينها لرعايا جلالته من التعبير عن عواطفهم وولائهم له.. يا لها من سخافة؛ إنهم يريدون أن يصنعو المستحيل ليحولوا بين الشعب وملكه”.

وفي مدينة أصيلا استقبل الراحل محمد الخامس من طرف “الخليفة مولاي الحسن”، ويترسل صحافي الجريدة في وصف الاجواء “وفي السرادق الكبير تناول فيه جلالته طعام الغذاء مع سمو خليفته، تقدم مندوب “الرأي العام” ومبعوث جريدة المصري الخاص وبعض الصحفيين فصرح جلالته لهم بما يلي (ها أنتم ترون أن المغرب أمة واحدة وأن أمنية الشعب المغربي هي أمنية جميع الشعوب العربية التي هي في الحقيقة أمة واحدة).

وأما في طنجة فإن “القلم ليعجز كل العجز عن وصف الاقتبال (الاستقبال) المنقطع النظير الذي قوبل به جلالته من سكان طنجة قاطبة؛ هل أقول إنهم فرشوا قلوبهم لجلالته وطافوا بأرواحهم حول سيارته وعبروا بهتافهم ومظاهلا حفاوتهم التي فاقت حماستها وروعتها وجلالها كل ما يتصوره الإنسان؟”.

لكن قبل أن يتمك محمد الخامس من القيام بهذه الزيارة حاولت سلطات الاستعمار الفرنسي ثنيه عنها بمجرد علمها بنيته، إذ وضعت الكثير من العراقيل أمامه لإفشال مخطط الرحلة الملكية لكنها لم تنجح، إذ رد محمد الخامس على مبعوث الإقامة العامة للاستعمار “لا مجال مطلقا في الرجوع عن مبدأ هذه الرحل”.

وقبل موع الرحلة الملكية بيومين فقط، ارتكبت سلطات الاستعمار مجزرة شنيعة بمدينة الدار البيضاء يوم 7 أبريل 1947 أودت بحيات المئات من المواطنين الأبرياء، فكان رد الملك هو زيارة عائلات الضحايا ومواساتها، قبل أن يتوجه لطنجة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *