وجهة نظر

سيادة القانون أم سيادة كورونا؟

فرضت الجائحة ضغوطاً ومسؤوليات جديدة على الدول والمجتمعات المحلية والأفراد، ومنأهم الاشكالات التي طرحت هي مسألة تطبيق القانون أو تعليقه ،وخاصة ان العديد من الدول تعاني من الاستقرار المؤسساتي المرتبط بسيادة القانون،وهذه السيادة هي التي تضمن عمل واستقرار هاته الدول، والتي تشكّل مجتمعةً ما يُسمى بالمجتمع الدولي.

فنحن بحاجة إلى سيادة القانون في أوقات السلم، ولكننا بحاجة إليها أيضا وبشكل خاص في أوقات يكتنفها الكثير من عدم اليقين،وخاصة في زمن الاوبئة ،لأن قوة القانون في قدرته على توحيد الجهود ،ولذلك فعلى الصعيد العالمي، توفر اللوائح الصحية الدولية إطارًا قانونيًا حيويًا لتوحيد جهود جميع الدول الأعضاء في المنظمة من أجل مواجهة الطوارئ الصحية العالمية.

ويتمثل الغرض الرئيسي من اللوائح الصحية الدولية في الحيلولة دون انتشار الأمراض على الصعيد الدولي والتصدي له، مع الحد من التدخل في حركة المرور الدولي، والذي يعني في هذه الحالة إمدادات السلع الطبية والمواد الغذائية وغير ذلك من المواد والطواقم الضرورية.

وينص أحد المبادئ الأساسية للوائح الصحية الدولية على أنه يجب أن تُنفّذ هذه اللوائح في ظل الاحترام التام لكرامة الأشخاص وحقوقهم الإنسانية وحريتهم الأساسية. فهذا أمر ضروري.

إن لسيادة القانون دورا حاسما تلعبه في مكافحة هذه الجائحة. وبينما تعمل البلدان جاهدة على احتواء الفيروس والتخفيف من آثاره، هناك العديد من التحديات الاجتماعية الناشئة التي تتطلب استجابة قانونية وتنظيمية وأخلاقية.

وفي حين اضطرت بعض البلدان إلى نفض الغبار عن قوانينها القديمة المتعلقة بالحجر الصحي، طبّقت بلدان أخرى أول مرة أحكاما من قوانين جديدة لم تُجرّب بعد في الواقع العملي.

وأصدرت الحكومات أوامر لحجز المستشفيات والإمدادات الطبية وعزل الآلاف من الحالات ووضع عشرات الآلاف من المخالطين في الحجر الصحي وتقييد تحركات الملايين من الأشخاص.وتوفر اللوائح الصحية الدولية إطارًا قانونيًا دوليًا. ولكي تكون القوانين واللوائح المحلية فعالة وذات كفاءة، يجب أن تحدد إطارا للاستجابة، كما ينبغي أن تُصاغ بوضوح وتُعتمد وتُنفذ بسرعة وتتناسب مع الظروف وتكون محدودة زمنيا.

وتعدّ الفئات السكانية التي تواجه أوضاعاً إنسانية عرضة للخطر بشكل خاص، حيث إنها تعاني من نقص الموارد وقلة فرص الحصول على الرعاية الصحية والوصول إلى البنية التحتية الأساسية. كما أنه قد يتعذّر التقيّد بممارستيْ التباعد البدني وغسل اليدين، مما يعرّض المجتمعات المحلية بأكملها للخطر.

ويجب أن تُزوّد للبلدان التي تقع على عاتقها المسؤولية الثقيلة المتمثلة في إيواء هذه الفئات السكانية الضعيفة بالأدوات والموارد اللازمة لحمايتها، ويجب أن يُقدم لها الدعم الذي تحتاج إليه.

وقد اتخذ العديد من البلدان تدابير تقييدية للغاية فيما يتعلق بالتباعد البدني، بما يشمل إغلاق الحدود وإعلان حالة الطوارئ الوطنية وفرض حصار على مدن أو بلدان بأكملها وتعطيل المدارس والشركات.

وفي ظل الأزمة الراهنة، اتُخذت هذه التدابير غير المسبوقة بدافع الرغبة في حماية السكان من خلال الحد من انتشار الفيروس وبالتالي “تسطيح منحنى” حالات الإصابة.

ولكن لا بد، عند تنفيذ هذه التدابير، من احترام حقوق الإنسان وكرامته على النحو المنصوص عليه في اللوائح الصحية الدولية والصكوك الإقليمية لحقوق الإنسان، بما فيها الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وفي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

وينبغي للحكومات أن تتحلى بالشفافية تجاه سكانها وأن تطلعهم بانتظام على كيفية تنفيذ التدابير المتخذة ومدة سريانها المقررة.ومن الضروري أن تعمل الحكومات على طمأنة السكان بأنه بمجرد انتهاء الأزمة، ستُرفع هذه التدابير لتعود الحياة بذلك إلى مجراها الطبيعي.

إن التدابير التقييدية التي تنفذها الحكومات تترك بالفعل أثرا فادحاً على سبل العيش. لذا، يجب علينا أن نخطط للتخفيف من الأثر الاقتصادي للجائحة وأن نتخذ التدابير المناسبة لذلك. وينبغي مراعاة إنقاذ الأرواح وسبل العيش معاً.

وعلى الرغم من أن مرض كوفيد-19 يزعزع استقرار مجتمعاتنا، إلا أنه لا يستطيع ولا يجب أن يهزّ أسسنا. إن التاريخ سيحاسبنا ليس فقط على ما إذا كنا قد هزمنا هذه الجائحة أم لا، ولكن أيضا على كيفية قيامنا بذلك.

وفي يوم من الأيام – نأمل أن يكون ذلك في أقرب الآجال – سنكون قد اجتزنا هذه الأزمة، ولكن سيواصل مليارات الأشخاص مواجهة أزماتهم الصحية الشخصية يوميا، بما في ذلك الأزمة المتمثلة في عدم حصول هؤلاء على الخدمات الصحية الأساسية التي يحتاجون إليها، والأزمة المتصلة بعدم قدرتهم على دفع تكلفة تلك الخدمات.

وليس هناك أولوية تعلو على أولوية التغطية الصحية الشاملة، حيث إنها تمكّن جميع الناس من الحصول على الخدمات الصحية الأساسية دون أن يتعرضوا لصعوبات مالية.

وتعود التغطية الصحية الشاملة بفوائد واضحة على صحة وإنتاجية الأفراد والأسروالمجتمعات المحلية، كما تشكل أفضل وسيلة لهم للدفاع عن أنفسهم ضد فاشيات مثل فاشية مرض كوفيد-19.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *