من العمق

قمع الصحافيين

يعد معطى وظاهرة قمع الصحفيين أحد النقاط السوداء والوصمة العار على جبين هذا الوطن ومشهده الإعلامي والحقوقي خاصة في زمن التحولات السياسية الكبرى التي شهدها الوطن العربي والتفاعل المغربي الخاص معه، وأيضا في زمن دستور فاتح يوليوز 2011 الذي ينص صراحة في الفصل 28 على أن حرية الصحافة مضمونة، ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية، وبعد انتخابات 25 نونبر واسعة المصداقية والتي أفرزت لأول مرة حكومة سياسية عكست الإرادة الشعبية للناخبين ووفق برنامج حكومي تعهد بضمان حرية الرأي والتعبير والحق في الولوج إلى المعلومة وممارسة هذه الحرية في نطاق الالتزام بالمسؤولية والاحترام اللازم للقانون.

ضمن هذا السياق الفارق يسجل العديد من المتتبعين والإعلاميين والحقوقيين التنامي الحاصل خلال الشهور الأخيرة لظاهرة قمع الصحفيين من طرف قوات الأمن وأحيانا جهات أخرى في أكثر من مناسبة وأكثر من مدينة، كما يسجل أيضا عدم فتح تحقيقات في هذا الصدد على الرغم من الطلبات والنداءات الموجهة في هذا الاتجاه إلى الجهات المسؤولة في الداخلية والقضاء والاتصال، فبسبب قمع الصحفيين أقدمت أكثر من جهة على أشكال احتجاجية واستنكارية مختلفة (بيانات شكايات وقفات…) فإذا استثنينا بهذا الصدد تصريح وزير الاتصال عقب المجلس الحكومي ليوم الخميس الماضي بكونه أجرى عدد من الاتصالات مع نقابة الصحفيين ووزارة العدل والحريات للنظر في المشكل ومعالجته، فإن هذا الواقع أصبح مصدر قلق حقيقي لدى الجسم الصحفي.

إنه وبمناسبة اليوم الوطني للإعلام وحيث أنه تكاد لا تكون جريدة مغربية تخلوا من صحفيين مقموعين بل أحيانا جلهم على اختلاف مجالات عملهم مع تقلص للظاهرة حد الانحصار في صفوف صحفيي الوكالة ومجال السمعي البصري؟ فإن المناسبة فرصة لإعادة التذكير بضرورة وضع حد فوري وآني لظاهرة قمع الصحفيين ومسلسل شج رؤوسهم ونسخ الهراوات على أجسامهم وإهانتهم بأساليب مختلفة (نزع الممتلكات، التهديد، السب والقذف، المطاردة…)، إن مختلف الفرقاء وخاصة الجهات المسؤولة والوصية مطالبة بتحمل المسؤولية الكاملة على هذا المستوى واتجاه هذه الشريحة المجتمعية التي تكتب عن كل الفئات وتدافع عنهم في مقابل غياب من يكتب ويدافع عنها بخصوص مشاكلها المختلفة سواء اجتماعية كانت أو مهنية أو تكوينية، غير أن مشكل القمع اليوم يعود للواجهة ويتصدر كل هذه المشاكل بشكل يعوق عمل الصحفيين على الميدان.

طبعا لا يحتاج المسؤولون ولا رجال الصحافة والإعلام على هذا المستوى التذكير بمسلسل القمع والحالات المتعددة التي تم تسجيلها في الموضوع والشكايات وطلبات التحقيق التي كتبت بهذا الصدد ولا الأشكال الاحتجاجية التي تم خوضها، بقدر ما الحاجة ماسة اليوم إلى طي هذه الصفحة وعلى أعلى المستويات بما يغلق ثقوب التراجعات على مستوى حرية الصحافة وبما يجعل الجسم الصحفي بأكمله مؤهلا للاقتناع والانخراط في الأوراش الهامة المفتوحة على مستوى منظومة الإعلام والاتصال.

إن الشعور الذي ينتاب الكثير من الصحفيين هو أن لا ظهر لهم يحميهم وأنهم “حائط قصير” يمكن لأي مسؤول كيفما كان أن يتخطاه، كنا وما نزال ننتظر اليوم الذي نسمع فيه بمحكامة وعقاب ولم لا سجن مستعملي الشطط في السلطة والمتجاوزين للقانون مهما كان موقعهم أو وضع حد للظاهرة القمع، وما نزال ننتظر أيضا خطوات وإجراءات أكثر حزما اتجاه القمع عموما وقمع الصحفيين على وجه الخصوص بالشكل الذي يؤكد معالم مسار التحول المتحدث عنه بالمغرب، ويغلق الباب أمام أي عقلية قديمة تريد العودة بنا إلى مغرب ما قبل الربيع الديمقراطي وأيضا أمام أعداء الإصلاح والديميقراطية الذين يستثمرون هذه التجاوزات للتأكيد على أن لا شيء تغير حتى الآن، فمتى يتوقف القمع؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *