من العمق

موازين: ذلك المهرجان الغول 2/2

إلى جانب كل الاختلالات التي سبقت الإشارة إليها في الجزأ الأول من هذا المقال والتي منها موضوع إهدار المال العام وتوقيت المهرجان والحضور الكاسح للأجانب على حساب المغاربة وأيضا القمع الشديد لمناهضيه في مقابل تسخير كل مؤسسات الدولة لصالح موازين وأيضا العلاقات الأخطبوطية للقائمين عليه مع العديد من مؤسسات الدولة …فمهرجان موازين يطرح إشكالات أكبر وأوسع ومنها وجود القائمين عليه، – وأقصد الكبار وليس المحركون من الخلف- خارج قدرة الشعب على محاسبتهم أو مساءلتهم من داخل المؤسسات فلا هم منتخبون ولا حكوميون ولعل الجميع يتذكر السنة الماضية عندما صرخ وزير الثقافة الاتحادي السابق بن سالم حميش تحت قبة البرلمان بمجلس النواب في وجه كل من فرق (العدالة والتنمية والاستقلال والحركة الشعبية المشكلة للحكومة اليوم) بأن لا سلطة له على هذا المهرجان، فمن يكون هذا المهرجان الذي يوجد خارج سلطة الحكومة والبرلمان والمجالس الجماعية؟ هذه الأخيرة التي تساهم في مهرجان يسحق ما يخصص لها من ميزانيات لمدة عشر سنوات في أسبوع واحد.

ثم لماذا يصر المنظمون على عدم تغيير وقت هذا المهرجان الذي يبدوا أنه وصل إلى درجة من القداسة في هذا الوطن في الوقت الذي اشتكت فيه جمعيات الأباء والطلبة والتلاميذ بأن هذا المهرجان يزعج ويقلق في الوقت الذي ينظم فيه، وتبرير المنظمين في هذا الباب أن ذلك هو الوقت المناسب بالنسبة للفنانة العالميين، فمصلحة من ينبغي أن تغلب في هذا الباب؟ ثم يحضر في هذا النقاش أيضا سؤال أولويات هذا الشعب فهل هي الكرامة التي يعد أحد عناوينها التعليم والصحة والتشغيل والسكن، إن الشعب المغربي لو حكم قراره واستفتي في هذا الأمر لا قال وبصوت عال لا لمهرجان موازين، ألم يقل المغاربة “ملي كتشبع الكرش تتكول للراس غني” فكيف سيغني المغاربة وأزيد من 70 بالمائة منهم أميون؟ وكيف سيغني المغاربة وملايين المغاربة تحت عتبة الفقر ويتوفرون فقط على أقل من 10 دراهم كدخل يومي؟ كيف سيغني المغاربة والعشرات منهم يموتون سنويا بسبب البرد وغياب حطب التدفئة والتطبيب اللازم؟ كيف سيغني المغاربة ومنهم عشرات الآلاف من العاطلين وجزء منهم أطر عليا تنكرت لهم الدولة بعد أزيد من عقدين من الدراسة في ظروف جد صعبة؟ (ياليتهم أرجعوا لنا فقط تكلفة الدفاتر والأقلام والكتب والمساهمات المالية المتكررة طيلة هذه المدة فلربما أصبحنا أغنياء)، إذن نحن أمام وجه من أوجه استبداد الأقلية التي تريد أن تفرض كل شيء على المغاربة حتى الضحك. طبعا يمكن الموازنة بين صناعة التنمية والترفيه لكن ليس بهذا المستوى وعموما فالملاحظات هي حول بعض المهرجانات التي تعد على رؤوس الأصابع وليس حول كل المهرجانات بالمغرب والتي تقارب اليوم 200 مهرجان.

إن النقاش الذي يريد الترويج زورا وبهتانا على أن مناهضي موازين هم ضد الفن لن يصمد ولو لثانية وهو مردود على أصحابه، فضلا عن كونه يريد أن يهرب النقاش من حقيقة الفساد والاستبداد الذي يعرفه المهرجان إلى أمور مرتبطة بالأذواق والقناعات، إن المغاربة لا يحتجون على مايقارب 200 مهرجان يعرفه المغرب سنويا بين الموسيقى والسينما والمسرح وغيرها لكن المشكل محصور في مهرجانات بعينها ولذلك المطلوب هو تناول الأسئلة الحقيقة لا الهامشية والمحرفة، كما يحضر أيضا نقاش القيم والذي لا يمكن أن نتجاوزه ونسجل عدم احترام بعض فقرات دورات هذا المهرجان لقيم المغاربة وتقاليدهم الراسخة والتي ينبغي أن تكون في صلب عناية المنظمين فلا يعقل تكرار حدث التعري فوق منصة كما فعل أحد الشواذ الإسبانيين، كما لا يمكن القبول باستدعاء الشواذ للغناء بالمغرب ومكافئتهم بأموال المغاربة.

ثم ألا يريد منظموا هذا المهرجان التوقف ولو لسنة عن الرقص على جراح الشعوب المكلومة ومنها الشعب السوري وقبله التونسي والمصري والليبي، ألم تؤجل سنة 2011 مهرجانات كبرى من قبيل مهرجان القاهرة ومهرجان قرطاج… استحضارا لواجب الوقت وللظرفية الحساسة والديمقراطية التي تخوضها الشعوب بكل جدارة واستحقاق. فكيف يعقل استمرار هذا المهرجان على الرغم من هذه الأرواح العربية والمسلمة التي تسقط من طرف طغاة ومستبدين في بلدان شقيقة يوما عن يوم، وما نلبث نتبجح بالعروبة والإسلام والدم واللغة…أم أنه لا مكان لهذه الاعتبارات أمام عقليات دغمائية وطوبسية لا تفكر إلا في مصالحها وأفكارها ولو على حساب الوطن.

قد نختلف اليوم في كون مناهضة ومواجهة مهرجان موازين بالكلمة والاحتجاج السلمي معركة أساسية وذلك حسب اختلاف المواقع والمسؤوليات وأجندت الاولويات لدى مختلف الفاعلين لكنه بدون شك أحد أوجه الفساد والاستبدداد وأن إلغائه أو ترشيده هو أحد مؤشرات انتصار الإرادة الشعبية من عدمها.

إن من بين المشاكل التي تواجه اليوم المناهضيين لمهرجان موازين هو حالة من الصمت والخرس التي أصابت بعض السياسيين والفاعلين المدنيين والحقوقيين حتى ممن يدعي منهم نصرة حقوق الإنسان والدود عن حرمته، خاصة من التيارات الفاسدة والتي آلفت تغليب مصالحها الخاصة على المصلحة العامة وذلك في مجالات مختلفة بما فيها الإعلام المكتوب، وأخرى تتحالف أو تلتقي موضوعيا مع بعض الجهات الفاسدة في الدولة على الرغم من علمها بالنتائج السلبية لموقفها وفعلها على الديمقراطية التي تعتبر اليوم محط وضع لبناتها الأولى.

إن تجربة التأسيس لفعل احتجاجي ولأول مرة في مسار هذا المهرجان الغول بالمغرب والذي جسدته التنسيقية الوطنية لإلغاء مهرجان موازين سنة 2011، والتي كان لي فضل المساهمة في إخراجها للوجود رفقة مناضلين وزملاء من مشارب مختلفة تصل حد التناقض الفكري والإديلوجي أحيانا، تجعلني أطرح خطوات في طريق الإلغاء أو الترشيد وتكسير الأنياب هذا المهرجان الغول والتي أعتبرها أساسية قبل استعجال الخروج للشارع بشكل قد لا يشرف مناهضي الموازين فقط لأن الخارجين لا يعكسون حجم المناهضين لهذا المهرجان، ومنها بعد تحديد وبدقة ماذا نريد ان نناهض في هذا المهرجان وأيضا حجم الأثر الذي تريد لفعلنا أن يصبه به فهل نحن نريد إلغائه أم فضحه أم معارضته أم فقط (معارضة لهران) أم ماذا؟ وثانيا لا بد من بحث سبل كثيرة من شأنها التوعية وتوسيع دائرة الرفض والبحث فيها، وقبل ذلك -وإن كان هذا الأمر قد لا يعجب بعض الرديكاليين المتجهين نحو العدمية من المناهضين- لكنه أساسي بالنسبة إلي وقد كان أحد العناصر القوية في بداية تأسيس ااتنسيقية المناهضة وهو أمر التأسيس القانوني لهذه الهيئة للحماية القانونية أولا وثانيا لامتحان خطاب جديد في هذا الاتجاه وأيضا وجود وجوه سياسية وقانونية وحركية مختلفة تعبر عن الاستعداد التام للانخراط غن تم هذا الامر حتى ولو لم ترد السلطات على ملف الإيداع، لأنني شخصيا لا أعرف إلا الاشتغال بهذه الشاكلة وفي إطار القانون أو يكون لديك من القدرة ما تستطيع به فرض ذاتك بطريقتك ووفق تفكيرك أو بحركة جماهرية يمكن أن تنجز بها الإضراب العام أو العصيان المدني أما غياب القدرة على الثاني ورفض الأول والاستمرار في الخروج المشوه لحقيقة المناهضين فهو في تقديري الشخصي أمر غير ناجع ولا ذي أهمية قصوى وطبعا له إيجابياته لكنها جد محدودة.
والأمر الآخر على هذا المستوى هو أن يتم التفكير في مبادرات ذات عمق شعبي ووطني ولو بالوسائل المتاحة وانا جد متأكد من ان الشعب وقوى الإصلاح عندما يتبنون مبادرات معينة فهم يبدعون فيها، ولما لا البحث عن شخصيات حقوقية أو سياسية ولما لا مالية لاحتضان مثل هكذا مبادرات. وفي نقطة التوعية نموذجا يمكن الانخراط في ندوات مختلفة منها ندوة يستحضر فيها المناهضون ممثلا عن التلاميذ والطلبة او من جمعيات أباء وأولياء أمور التلاميذ وممثل عن أسر الضحايا الذين قتلو سنة 2009 في منصة حي النهضة وأيضا استحضتر جمعيات حقوقية للحديث عن التجاوزات الامنية واخرى لحماية المال العام للحديث عن ما يحصل من تبديد للأموال في مهرجان موازين الذي لبس اليوم الدولة ويستحيل الفصل فيه بين المال العام والمال الخاص لأن قناعتي أن لا مال خاص هناك في الأصل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *