من العمق

العبث … إبداع بلا قيم ولا أخلاق

العبث عبارة قد لا يجد المرؤ بديلا لها في وصف ما باتت تقدم عليه عدد من بنات جلدتنا من إنتاج لن نختلف في كونه إبداعا لكنه بالتأكيد إبداع سيئ ومسيئ، خاصة وأنه اليوم، وفي تحول خطير نحو التهجم على قيم وأخلاق المغاربة، بلغ هذا العبث خشبة المسرح بعد أن كان مقصورا على بعض العلب الليلية المغلقة أو عددا من الأعمال السينمائية الرديئة، والتي يبقى التوجه لها اختيارا. أما أن نتحدث عن خشبة المسارح ومنصات دور الشباب وفضاءات المدارس والجامعات فإننا أمام انحراف لفضاء عرف بقضاياه الوطنية والسياسية على مر التاريخ.

فإذا كانت أولى المسرحيات بالمغرب مطلع الثلاثينيات حول المجاهد صلاح الدين الأيوبي وقدمت باللغة العربية وبعده مسرحيات ملتحمة ومعبرة عن تطلع وطن مستعمر إلى الحرية والكرامة واضطر الاستعمار لمصادرة العديد منها والتدخل في نصوص البعض الآخر، فها نحن اليوم نشهد على أعمال تقدمها لطيفة ونعيمة وفاطمة وليلى… غير أنها لا تعدوا أن تكون استمرارا لفكر عولمي استعماري يروم تدمير ما تبقى من البنيات الثقافية وإفراغ قيم المغاربة من محتواها وشغل الرأي العام بأعمال مستفزة عن قضاياه الكبرى اليوم بما يسرع من وثيرة بناء الوطن الذي يحلم به.

إن الإبداع خارج قيم المجتمع وأخلاقه أو حتى بعض القيم الكونية والإنسانية لا يمكن إلا أن يسمى فوضى وعبث قد يجعلنا نتساءل عن حاجتنا للفن والإبداع أصلا إن كان هو التعري والمجون والابتذال، ويكفينا أن نترك كل واحد يقول ويفعل ما يشاء وقت ما شاء ومع من شاء وأين ما شاء دون حاجة إلى قوالب فنية أو لوحات تعبيرية، لأن المسرح في هذه الحالة سيصبح تراهات والسينما سخافة والتشكيل خزعبلات.

إن الانضباط لقيم وقانون وأخلاق المجتمع تعد أحد علامات الرشد والمسؤولية وهو ما عبر عنه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، عندما تحدث في البند 3من المادة29 عن كون الفرد يخضع في ممارسة حقوقه وحرياته لتلك القيود التي يقررها القانون فقط لضمان الاعتراف بحقوق الغير وحرياته واحترامها لتحقيق المقتضيات العادلة للنظام العام والمصلحة العامة والأخلاق في مجتمع ديمقراطي. و المغاربة على مستوى كل وثائقهم القانونية وأولها الدستور واخيتارهم السياسي من خلال الانتخابات ومدونة الأسرة وغيرها من القوانين قد حسموا اختياراتهم. كما يضيف هذا الإعلان في مادته 30 بأنه «ليس فيه نص يجوز تأويله على أنه يخول للدولة أو جماعة أو فرد أي حق في القيام بنشاط أو تأدية عمل يهدف إلى هدم الحقوق والحريات الواردة فيه» كما أن هذا القانون شأنه شأن كل الشرائع الأخرى يضمن لكل الأوطان خصوصيتها وحقها في الاختلاف.

إن «الجرأة» التي يتم الافتراء عليها هي جرأة غارقة في الجبن لأنه تقرن فقط بالاجتهاد في تعرية الجسد، و والتنكيل بقيم بالقيم الأساسية للمجتمع والتنكر لها.

وما يدعيه البعض من عكس المسرح للواقع هو في الحقيقة عمليةانتقاء واضحة ومفضوحة وتوجيه مسبق. أليس من الواقع مظاهر الفساد والرشوة والحكرة والظلم والتسلط ما لو سئل عنه الحجر لا نطق به؟ أم أن أعين البعض أصابها العمى.

إن هذه الأعمال وما شاكلها لا تخرج عن دائرة الاغتراب وبحث سبل التمكين لمشاريع ليست ذات صلة بقيم وأعراف هذا المجتمع وهذه أحد أولى مؤشرات فشلها. إننا حيال إحدى أوجه التوظيف السياسي للإبداع وبدعم مالي سخي عبر كثيرون عن استعدادهم للاستفادة منه ولعب هذا الدور غير المشرف في التهكم على مثل وقيم المغاربة.

إن المسرح والإبداع عموما لم يكن يوما معزولا عن قضايا الشعوب والأوطان التواقة إلى مجمع قوامه العدل والحرية والكرامة وإن ما وصلنا إليه من غياب للإبداع والمبدعين جعل الساحة خالية لظهور الانتفاعيون والمستغلين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *