أدب وفنون، رمضانيات

كتاب “نظام التفاهة”: العمل السياسي و”الديمقراطية” تربة خصبة للتفاهة (6)

في عمق الأزمة الإنسانية التي نكابدها، تشتد الحاجة إلى أنيس يسافر بنا بعيدا، لمعرفة كيف يمضي العالم اليوم، وكيف تمتزج السياسة بالاقتصاد والإعلام، لتولد مضامين، تعمل على تشكيل وتسيير كافة جوانب عيشنا المجتمعي. لهذا اختارت جريدة “العمق” القراءة في كتاب “نظام التفاهة”، عبر حلقات يومية طيلة الشهر الفضيل، تلخص المضمون، وتحافظ على عمق المعنى

قراءة ممتعة…

الحلقة السادسة: 

قال آلان دونو أستاذ الفلسفة والعلوم السياسية بجامة كيبيك في كندا، وأكاديمي ناشط، صاحب كتاب “نظام التفاهة”، إن “العمل السياسي، يشكل، بما ينطوي عليه من سلطة وخطاب ومال وجماهير، المساحة الخصبة لازدهار نظام التفاهة، وتمثل الديمقراطية، بما تنطوي عليه من مراكمة لكل هذه العناصر، بالضرورة، المجال الأخطر لذلك”.

وفي السياق ذاته، أعرب آلان، بأن “هناك الخطر الحقيقي الذي تأتي به الديمقراطية عادة والمتمثل في “طغيان الأغلبية”،  وخطر آخر مضاد يتمثل في “سيطرة الأقلية”، مما يعني أنه رغم ادعاء أي تجمع أو حزب أو برلمان كونه ممثلا لإرادة الأغلبية، فإن مرور الوقت سوف يؤدي به إلى الاستئثار بعملية صنع القرارات المجتمعية الكبرى، وهي العملية التي ستنحصر بيد مجموعة صغيرة من الأفراد، حتى وإن أتت عبر صناديق الاقتراع”.

وزاد آلان، بأن “التافهين يعملون يجد، وبمبالغات أحيانا”، مردفا إن فالأمر “الخروج ببرنامج تلفزيوني ضخم، أو لتصميم أكواب صغيرة وجذابة للبن الرائب، أو لصياغة المحتوى الخاص بمراسم اجتماع وزاري مع وفود نظيرة ما، يتطلب مجهودا، حتى يصدق الناس، ويقنعون أنفسهم بأنها أعمال هامة”.

وأوضح آلان، بأن “جوهر كفاءة الشخص التافه، هي القدرة على التعرف على شخص تافه آخر، إذ يدعم التافهون بعضهم بعضا، فيرفع كل منهم الآخر، لتقع السلطة بيد جماعة تكبر باستمرار، لأن الطيور عل أشكالها تقع”

وفي بسطه لنظام التفاهة، يزيد آلان قائلا إن هذا النظام “يؤسس لوسط لا يعود فيه المعتاد هو محض توليف مجرد، يسمح لنا بالوقوف على كنه الأمور، بل يصبح هو المعيار الذي نضطر للخضوع له، وهكذا، فأن يظن المرء نفسه حرا ضمن نظام مثل هذا هو أمر لا يعني، في حقيقته، إلا فعالية هذا النظام”.

واستدل آلان في توضيحه للنظام الذي يبسط معاييره، بأن “لورنس ج.بيتر، وريموند هال، من أوائل من لاحظوا التطور التدريجي لـ”التفاهة”، إلى أن أصبحت نظاما متكاملا، وكان جوهر أطروحتهما الذي طوراه بعد الحرب العالمية الثانية، في أن العمليات النظامية تساعد الموظفين من ذوي الكفاءة الاعتيادية على الترقي، حتى يصلوا إلى شغل مواقع السلطة، مُزيحين بذلك كل المنتمين لفئة ذوي الكفاءة العالية وفئة غير الأكفاء.

مثال لـ “التفاهة

أورد آلان دونو، شارحا الأمر بتقديم مثال عن المدارس إذ “تقوم بفصل المدرسين الذين يضربون صفحا عن الجداول والذين لا يعرفون شيئا البتة عن موضوع المقرر الدراسي، ولكنها، على المنوال ذاته، تقوم أيضا بفصل المدرس المتمرد الذي يُغير من بروتوكولات التدريس بعمق، بحيث يوصل التلاميذ الذين يعانون من صعوبات التعلم إلى مستوى يعادل ذاك الخاص بأفضل التلاميذ في المدرسة، وبنفس الطريقة، سوف تقوم المدارس كذلك بفصل المدرس الذي يساعد طلبته على إنجاز عمل سنتين أو ثلاث خلال سنة واحدة فقط”.

وأوضح آلان، ما سبق بكون المُدرس “ملام من حيث إنه أربك نظام الدرجات التقليدي، لأنه بعمله هذا يتسبب في اضطراب كبير للمدرس الذي سوف يقوم في السنة التالية بالتعامل مع الأطفال الذين قاموا بتغطية المقرر سلفا” واصفا مُخرجات مؤسسات التعليم بـ”الأمي ثانويا”، الذي هو “شخص مُكونٌ من معارف عملية، من دون أن تقوده معارفه إلى مساءلة ما تستند إليه من ركائز”.

التفاهة في المنطقة العربية

في تعليقها عن طغيان الأغلبية أو حكم الأقلية، أعربت مشاعل “لا يكون الأمر كذلك إلا في المجتمعات ذات الوعي بأهمية الأدوات السياسية، ولا أدري إن كان يمكن وصف مجتمعاتنا العربية بذلك، فما ألحظه هو انشغال الناس في منطقتنا –العربية- بشؤون النزعة الاستهلاكية ونقاشات الأسعار والرواتب والتموين والصحة والتأمين، فضلا عن الترفيه وكرة القدم”.

وزادت المترجمة بالقول “ما من سمة تنبؤك بكونك محاطا بالتفاهة أوضح من أن ترى نفسك وسط أجواء من البهرجة والابتذال، فهذه كلها مؤشرات على غياب العقل وعلى الحاجة إلى إذهال العين للفت الأنظار وشغلها عن إدراك الفراغ الكبير الذي تركه غياب العقل”.

يُتبع..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *