وجهة نظر

ماذا لو كانت فلسفة إنفاق المال في صفوفنا الأمامية منذ سنوات خلت؟

تحدث الكثيرون مؤخراً عن الصفوف الأمامية، و عن مَنْ تَقَدَّمَ إليها آلافاً من الأميال مَشْياً على الأقدام أو زحفاً على البطن، و مَن، في المقابل، تقاذفتهم زلزلة الساعة إلى قعور النسيان و هوامش الصورةتاركة إياهم كما تترك رياح الخريف أشجار التوت والعنبولو أن الصورة لا تقبل بوجود الهامش مادامت محددة بقوة الزوم و حدَّة التركيز الذي تتحكم فيه أيادي المصورين وأكتاف حاملي الكاميرات، وجُبلَت عليه أنفسهم التي غالبا ما تنهزم أمام الآمرين بالسوء أو المذعنين لأوامر مديري وكالات الأخبار و تجار الأنباء..

لكن، ومهما كان أو سيَكون، فإن الناس سيظلون مختلفين حُيالَ موقفهم من الصفوف الأمامية: ففي غالب الأحيان ما يتم التدافع بالمناكب والأيدي على بلوغها والاستئثار بمقعد فيها عندما تكون مجانية، أو مرتبطة بحظوة ما، أو بنصيب مُعتَبر من وميض الكاميرات أو واجهات الصحف. لكن عند شريحة أخرى، فالصفوف الأولى تعني أن يضع المرء نفسه في فوهة الموت وجحافل الأخطارهنا تُوَلّي الفراشات عاشقات الأضواء، ومن هُنَّ من جنسها، الدبر و تتموقعُ من خلف الركب.

لكن، وحتى تكتمل الصورة، ولا ننساق خلف تكتيكات و لاغة لغة الحربفي زمن ما أحوجنا فيه للغة الأخوة و السلمأود أن أشير أنه ما لم نجعل إنفاقَ المال في صدر أية خطة اجتماعية، أو طفرة انبعاثية، أي في طليعة الصفوف الأمامية، فسوف نكون مجرد دواب تدير طواحين الهواء. لا يمكن أن يتغير أي شيء ما دامت الوقائع قد أثبتت أنه نرتاح و نسعد و نحن نرى أموالنا تقضي لياليها نائمة في بطن شبابيك السحب الأوتوماتيكي بعدما تقضي يومها تنتظر من يُخرجُها من سجنها الاحتياطي و يمنحها سلطة التحرير و صناعة الفارق.. لقد اتضح لنا جليا أن التنمية و النجاح كانت في إدراك غالبية المجتمع سيارة بسيطة، و تنظيمأو حضورمناسبات بقاعات الحفلات، أو رحلات موسمية إلى إفران، أو قضاء أسبوعين بمارتيل، أو القدرة الخارقة على أداء أقساط العقار الشهرية، و عند البعض القدرة على الوفاء بمتطلبات الإبقاء على الارتباط بالأنترنت (staying online)، أو أداء ما تمليه فواتير الماء و الكهرباء. في الوقت الذي أوْكَلْنا توازننا النفسي و الصحي لنمو معدلات حساباتنا البنكية.

نعم، لقد أظهرت الوقائع اليوم أن بطون الحسابات البنكية لكافة حاملي الجنسية كانت مُتخمة بالكامل، و أنه كان هناك سوء فهم كبير للمالية العمومية و الأدوار الخارقة للمال، و أنه كان يمكن بجرة قلم بسيطة أن يصبح المال (في مفهومه النبيل، أو كما تحدثت عنه مقاصد الشريعة  و بوأت إنفاقه صدارة القرآن الكريم، و ذكَّرت بالعلاقة الجدلية بين الإنفاق في سبيل الله و الإيمان به سبحانه و تعالى في أكثر من موضع و مناسبة ) صانع نهضة المغرب الحديث؛ تلك النهضة التي لا يمكن أن تُصْنع إلا بالاستثمار في العنصر الوطني، بدءاً بنظام التعليم الأساسي و مرورا بمؤسسات التعليم الابتدائي و الإعدادي و الثانوي، و انتهاءً بجامعات على الطراز الأمريكي شكلا و مضمونا و تسييراً. غير هذاو تفاصيل أخرى لا تقل أهمية، لكن لا يسعُ المجال لذكرها هناسنجد أنفسنا حيث نحن (ولربما بعتاد وعدة أقل) بعدما ستنصرمُ الأعوام و يَضعُ غبار الحرب أوزارَه، أو كالنائم الذي يسافر (أو يمشي) آلاف الكيلومترات في نومه، و لما يستيقظ مذعورا يجد نفسه لم يبرح الفراش منذ دخل غرفة النوم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *