الأسرة، مجتمع، منوعات

“العادات الغذائية”8: المنتوجات الغذائية القروية.. مهارات تقليدية ودلالات تاريخية

سلسلة “أنتروبولوجيا العادات الغذائية”، نتناول فيها مواضيع تتعلق بالعادات الغذائية المغربية في ارتباطها بمجموعة من الأبعاد البيولوجية والسيكولوجية، والثقافية، والذوق، والدين، والتراث، والهوية… وكذلك في علاقتها بالجانب الاقتصادي والاجتماعي للأفراد في اختياراتهم الغذائية. وسيتم التطرق لها بالتفصيل انطلاقا من كتاب “تحول العادات الغذائية بالمغرب القروي -دراسة أنثروبولوجية-“، منشورات دار الأمان 2015، لأستاذة علم الاجتماع والانثروبولوجيا بجامعة القاضي عياض نعيمة المدني، عبر حلقات يومية طيلة أيام رمضان، في جريدة “العمق”.

الحلقة8

المطبخ القروي: الإيكولوجي والتراثي 

ترى الباحثة فيرجيني أمليان (Virginie Amilien) أنه في إطار السجال الحاصل حول العولمة والتغذية المحلية، أصبح موضوع  التغذية المرتبطة بالحقل موضوع الساعة في الدراسات المتناولة للتغذية في أوروبا.

عرفت سنوات التسعينات وضع الإطار النظري لمفهوم العولمة في العلوم الاجتماعية بشكل لفه الكثير من الغموض بل والسلبية، يبدو فيه هذا المصطلح يشير إلى التشابه والنسخية بين الأفراد، بل إلى اختزال الزمن والمجال في ذات الآن.

 ولا شك أن هذا السجال قد أدى إلى بروز تيارين أحدهما يرى أن الأمر يتعلق بالانسجام والنسخية والثاني يرى أنه مرتبط بالكونية والخصوصية المحلية، مما حدا ببروز مجموعة من المفاهيم الجديدة من قبيل العولمة المحلية و التداخل بين الثقافات.

وقد أدى تضارب المواقف هذا إلى إعادة الاعتبار إلى المنتوجات المحلية منذ نهاية القرن الثامن عشر  بفرنسا،  لينتشر في باقي أوروبا في التسعينات من القرن الماضي.

 كما أسفر هذا النقاش إلى بزوغ مجموعة من الأعمال التي تستفيض في رصد منتوج الحقل كمنتوج محلي، ذي بعد تاريخي اقتصادي، جغرافي اجتماعي وثقافي، وكلها أبعاد تجعله يعتبر تراثا بامتياز.

وهنا ترى الباحثة أن ترجمة مصطلح منتوجات الحقل إلى منتوجات محلية يعد بعيدا قاب قوسين أو أدنى من الصواب، ذلك أن كلمة ” المحلي” جديدة في اللغة الفرنسية وهي تحيل فقط على المكان والمجال، في حين نجد  أن إلحاقه بالمنتوجات القروية يعد أقرب إلى المعنى الذي يرمي إليه فعلا .

ذلك أن القرية في نظرها تمثل الجهة والوطن، في حين تمثل المدينة أوروبا والعالم، وهنا تشير إلى أنه يمكن اعتبار  المنتوجات الغذائية القروية منتوجات أصلية.

كما  رجعت الباحثة إلى مساهمات كل من لورانس بيرار و فيليب مرشيني (Philippe Marchenay) في نعت  المنتوج الغذائي المحلي كمعبر عن المجال، عن مهارات تقليدية معينة، أو عن دلالات تاريخية معينة وليس فقط عن خصائص جغرافية محدودة .

لاشك أن البعد التراثي للتغذية القروية سوف يضفي أهمية على  الأبحاث المنصبة على العادات الغذائية بالعالم القروي، وذلك عند فرد عادات غذائية مندثرة وقيد الاندثار وأخرى تبحث عن تجذر في بنية الثقافي. وهذا أمر يمكن أن يلفت الانتباه إلى طرق العناية بأصناف خاصة من التراث من قبيل التراث الغذائي الذي يتميز ببطء التحول فضلا عن غناه وتنوعه في بلدنا، وهو التنوع الذي يمكن أن يلاحظ على مستوى المنطقة الواحدة كما هو الحال بالنسبة للمغرب حيث نلاحظ اختلاف العادات الغذائية بمناطق تقع في ذات المجال .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *