أدب وفنون، رمضانيات

كتاب”نظام التفاهة”: الكتابة الأكاديمية “طريق للخراب”.. وهكذا يستدرج رائد الأعمال “زبنائه” (10)

في عمق الأزمة الإنسانية التي نكابدها، تشتد الحاجة إلى أنيس يسافر بنا بعيدا، لمعرفة كيف يمضي العالم اليوم، وكيف تمتزج السياسة بالاقتصاد والإعلام، لتولد مضامين، تعمل على تشكيل وتسيير كافة جوانب عيشنا المجتمعي. لهذا اختارت جريدة “العمق” القراءة في كتاب “نظام التفاهة”، عبر حلقات يومية طيلة الشهر الفضيل، تلخص المضمون، وتحافظ على عمق المعنى

قراءة ممتعة…

الحلقة العاشرة: 

في هذه الحلقة، يتحدث آلان دونو، مؤلف كتاب “نظام التفاهة”، وأستاذ الفلسفة والعلوم السياسية بجامة كيبيك في كندا، وأكاديمي ناشط، عن النبرة والأسلوب التي يستخدمها كل من الأستاذ الجامعي ورائد الأعمال، الذي يتواجد زبنائه في عالم الشركات وغيرها من المؤسسات ذوات السلطة التي تحتاج دائما إلا نتائج الأبحاث، أو تصريحات الخبراء، وغيرها من الرموز.

وينطلق آلان، في مجموعة فقرات أسماها بـ”الكتابة على طريق الخراب”، بالقول “إن قواعد الكتابة الأكاديمية تنحدر بالطلبة الذين يرغمون أنفسهم على الامتثال لها أثناء وجودهم في الجامعة، فيصير عليها أن يعيدوا تعلم كيف يكتبون بمجرد تركهم لمقاعد الدراسة”، مقتبسا جملة لأستاذ لعلم النفس في جامعة هارفارد تقول “الكتابة الأكاديمية هي كتابة متعفنة”.

 

قواعد الكتابة عن طريق الخراب

ويقول آلان، ينبغي على الكتابة التي تدعي ارتباطا بالمعرفة أن تدور دائما حول المنطقة الوسطى، وكل ما عدا ذلك سوف يُتسبب في حالة من عدم الارتياح، فالأستاذ المميز سوف يشعر بالقلق من أي مقترح علمي إن لم يقدم وفقا لمتطلبات الفكر الموضوعي، وإذا تبدلت له صلاحية فكرة ما من دون أن يجدها مصاغة بطريقة ملائمة للبيئة الأكاديمية، فإنه يمكن أن يكررها بالنهاية من دون ذكر مصدر حصوله عليها، فالأسلوب هو كل شيء.

ويزيد آلان، بأن الأسلوب، يتعلق باختيار الكلمات، إذ من المفضل اختيار كلمات تبدو علمية، وعلى سبيل المثال بدلا من النقود ناقش العملة، ويجب تجنب الكلمات المشحونة بالعاطفة نتيجة لما هي مثقلة به من تاريخ، إذ بدلا من “الطبقة” ينبغي تحليل “الفئات الاجتماعية”، مشيرا لأن “البعض يشيحون بأوجههم امتعاضا لدى استخدام تعبير العدالة الضريبية لأنهم يعتبرون أنه سياسي إلى درجة كبيرة”.

وفي نفس السياق، يضيف آلان “من المهم ألا تُستخدم لغة خشنة للسخرية من لاعبين سياسيين بارزين، لا سيما إذا كانوا من ذوي النفوذ، ومن الأفضل تجنب مفردات القانون الجنائي بالكامل، والتصرف وكأن هذه المفردات هي منطقة خاصة بالقانونيين وحدهم، وفي حالة الحديث عن ظواهر معينة استخدم “تصرفات مريبة” أو “حوكمة سيئة” عوضا عن مفردات مثل جرائم أو نهب”.

ويؤكد، “علينا أن نفكر بمشكلات متعلقة بما ينبغي أن يكون العالم عليه، مركزين على أفكار مجردة حول المعايير، العدالة، أو الأخلاقيات الاتصالية، بدلا من وضع أسس للتفكير المفاهيمي أو السياقي حول ما آل إليه العالم، ولا ينبغي ذكر الأسماء عندما يكون اللاعبون منخرطين في تصرفات غير قانونية، فعدم الإدلاء بالمعلومات يظهرك بالمظهر العلمي”.

كتاب “نظام التفاهة”: هكذا يتجسد النموذج المركزي للتفاهة في “الخبير” الأكاديمي (8)

 

ويشير آلان، في تتمة حديثه عن الأسلوب، بأن “هناك ألف تفصيل لتحديد ما إذا كانت نظرية ما سوف تُقبل أو تُرفض، بما في ذلك طريقة لباس الأشخاص، مظهرهم، سلوكهم، نبرة أصواتهم، وتيرة حديثهم، مدى تحكمهم بالضغوطات، طريقة تعاملهم مع الأفكار، المراجع التي يختارون الاقتباس منها، بل وربما حتى لهجتهم، الأصل، النوع الاجتماعي، والسن”.

 

انتقاد لما سبق

وفي انتقاده لما سبق، اقتبس آلان، ما وضحه كريس هيدجز بأن “هذه المفردات، باعتبارها علامة على كل من المتخصص والنخبوي، تُعرقل الفهم العام، وتردع قليلي الخبرة عن طرح الأسئلة غير المستحبة، إنها تدمر البحث القاصد للخير العام، وتُقطع كلا من الحقول المعرفية والطلبة والخبراء، إلى شٌقف تخصصية صغيرة، إنها تسمح للطلبة ولأعضاء هيئة التدريس بالانسحاب إلى تلك الإقطاعيات المفروضة ذاتيا وإهمال الأسئلة الأكثر إلحاحا، أخلاقيا وسياسيا وثقافيا”.

كتاب “نظام التفاهة”: هكذا يتحالف “الأميون الجدد” مع الشيطان لتثبيت الجهل (5)

ومن جهتها، كتبت لكريستين جودسي، أستاذة الدراسات النسوية في كلية بودوين، على حسابها على موقع بالانترنت، بأن “الأكاديميين مسؤولون جمعيا عن إنتاج بعض من أكثر النثر بلادة وعدم قابلية للاختراق في اللغة الانجليزية”.

وأضافت، “إن الميل نحو الغموض صار سمة مميزة للكتابة العلمية المعاصرة، وإن اللغة الأكاديمية هي الشفرة السرية التي يستخدمها بعض الباحثين كي يبعثوا برسالة مُرمزة تفيد كونهم أعضاء بالنادي، إنها تضمن أن أحدا لن يستطيع أن يجزم ما إذا كانت أفكارهم هذه مبهرة، سيئة، أو أنها لا تعدو أن تكون محض كتابات تافهة”.

يُتبع..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *