رمضانيات

“صحافة الأمس”.. أبراهام السرفاتي ينتقد “الشغف بالتقنية” عند الحبابي

“صحافة الأمس”.. إطلالة قصيرة خلال أيام رمضان على مغرب الأمس بعيون صحافيين كانوا يرزحون تحت رقابة الاستعمار الفرنسي والإسباني أو تحت رقابة المخزن، ويشتغلون بوسائل بسيطة. ونفض للغبار في كل مرة عن خبر من مجلة أو جريدة صدرت قبل عقود من الزمن.

كان محمد الحبابي، وهو أحد مؤسسي حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، فيما بعد، قد أصدر في أواخر الستينات من القرن الماضي كتابا بعنوان “مستقبل شبيبتنا المغربية في أفق الثمانينات”، وحرر مقدمته عبد الرحيم بوعبيد، الذي سبق للحبابي أن اشتغل مديرا لديوانه لما كان وزيرا للاقتصاد الوطني والمالية في حكومة عبد الله إبراهيم.

كتاب الحبابي تعرض له بالنقد، السياسي المغربي اليهودي اليساري أبراهام السرفاتي، الذي سيتزعم منظمة “إلى الأمام” الماركسية فيما بعد (1972)، في مقال قريب من عنوان الكتاب “شبيباتنا المغربية في أفق الثمانينات”، ونشره في العدد الثاني من مجلة “أنفاس” الصادر في يونيو عام 1971.

افتتح السرفاتي مقاله بمجاملة الحبابي قائلا “ليس من اليسير على الانسان انتقاد أحد الأصدقاء، صديق بأعمق ما تحمله الكلمة من معاني، جمعته به المعركة المشتركة، ونفس الجهود ونفس الأفكار التي لا زالت –فيما يخص الهدف السياسي- هي نفسها إلى اليوم”.

قبل أن يستدرك، منتقدا ما وصفه بـ”أكبر عيب في كتاب الحبابي”، وهو “الشغف بالتقنية”، موضحا أن الصداقة ووحدة الهدف لم يمنعانه من انتقاد أفكار الحبابي في الكتاب، لأن “سبل بلوغ هذا الهدف لا يمكن أن نجدها في التحليلات التقنية، ولا في حب التقنية “التكنوفيلية” كما يقول العروي”.

ويواصل السرفاتي، “إذا كانت إحدى مزايا أنه بقي متشبعا بالإيمان بالشعب وبالشباب، فإنه لم يستخلص الدروس في فشل جيل مثقفينا”، قائلا إن “المرارة الكبرى” التي عبر عنها بوعبيد في تقديم الكتاب “لا يمكن أن تقوم مقان نقد ذاتي”، داعيا المثقفين إلى ضرورة الاعتراف بأخطائهم وهفواتهم واستخلاص دروسها، إن هم أرادوا “مواصلة المعركة”.

وقال إن جزءا من كتاب الحبابي “مطبوع بالاستلاب إزاء التقنية، ولجأ إلى العروي ليصف ويشرح هذا الاستيلاب، فالمغرب بالنسبة لـ”التقنوفيلي”، حسب العروي، “هو التقنية دون جمل ودون مضاعفات سوسيولوجبة. فهو يعتقد بوجود تطور عام للإنسانية دون أن يعيد النظر في أهداف هذا التطور ولا في سوابقه، بل يعتقه تطورا له مقاييس كمية، يطرح بنفسه وسائل تحقيقه، وهكذا يصبح كل شيء مشكلا تقنيا: الاقتصاد، السياسة، حتى الحياة الخاصة”

قبل أن يواصل بأن الحل “التقنوفيلي” يحمل في طياته بوادر حل عسكري، “أما عما انتهى إليه هذا الحل العسكري فذلك ما تؤكده التجارب الواضحة لمختلف أنظمة بورجوازية الدولة بالعالم العربي”، يضيف السرفاتي.

واستمر في تقويض فكرة الحبابي قائلا إن “ما يسمى بالثورة الصناعية قد اعتمد، في مرحلة الرأسمالية المتصاعدة، على ثلاثة قرون من النهب الاستعماري للعالم، وأن الانفجار التقني راجع بنفسه إلى تراكم الثروات التي تمت بهذا الشكل”.

“فالحبابي يتحدث بإسهاب، وفي صفحات ملؤها الاعجاب، عن التقدم التقني في الميدان الفلاحي”، يضيف السرفاتي “هذا التقدم الذي تدعي الإمبريالية الأمريكية تحقيقه في الهند عن طريق عملية واسعة تسمى الثورة الخضراء، أين هي النتائج، إن الأمر يتعلق في الحقيقة بعرقلة وتأخير كل ثورة حمراء التي تشكل الرد الوحيد على المجاعة والنهب”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *