وجهة نظر

مجموعات الإلتراس: التحول الفكري في ظل حالة الطوارئ الصحية

لا طالما حاولت مجموعات الالتراس تأكيد توجهها الفكري بكل استقلالية عن التيارات السياسية والحركات الاجتماعية، كانت البداية بتقديم عروض فتية ولوحات إبداعية بالملاعب الرياضية خلال تشجيع الفرق الرياضية نالت اعجاب المشاهد الرياضي وخصص لها الإعلام التغطية الميدانية بشكل مثير. غير أنه وبحكم الاسباب البنيوية التي تتعلق بالرغبة في الاستحواذ على المشهد الرياضي والتحدي الذي طبع مسار مجموعات معينة أعرفها من حيث لا ترغب في دوامة ارتكاب أعمال العنف في مواجهة المجموعات المتحدية لها و القوات العمومية رغم خروج هذه المجموعات ببلاغات تنفي من خلالها اي علاقة لها بهذه الأعمال، لكن الواقع يكذب مسعى هذه المجموعات حيث يبقى الجانب الخفي في مسار هذه المجموعات يتطلب القاء المزيد من الضوء .

فكيف إذن  يمكن أن نتصور المفارقة الكبيرة بين الخطاب الرسمي المجموعات الالتراس الذي أبدع في تبني خطابا تقديم يعزز مطالب بعض شرائح المجتمع بتحسين الأوضاع المعيشية ،بل تبني مناصرة قضايا عابرة للحدود خاصة مناصرة القضية الفلسطينية التي اعتبرت الى وقت فعلا القضية المركزية للشعوب العربية.

فعلا لا أحد ينكر التطور الواضح في الخطاب الذي يصدر عن مجموعات الالتراس سواء من خلال الكتابات واللافتات والهتافات والاغاني والرسوم الفنية بالملاعب وجدران الاحياء، حيث أصبح الخط النقدي في مسار هذه المجموعات يعجز حتى بعض الهيئات السياسية في مجاراة الزخم الذي أحدثه خطاب مجموعات الالتراس وأوضحت بشكل جلي القوة العددية التواصلية لهذه المجموعات ورغبت مجموعات من الحركات الاجتماعية استقطاب أعضاء هذه المجموعات او على الاقل ولوج هذه الحساسيات المدرجات الملاعب ،وبالتالي التحكم في فوهة متعرج الملعب باعتباره معقل المجموعات الفيراج) ونذكر من بين هذه الحركات الاجتماعية:

الجماعات الدينية والحركات الدعوية

أحزاب اليسار الجدري

تنسيقيات الأساتذة المتعاقدين

حراك الريف باستثناء فصيل لوس ريفينيوس.

ولم تستطع هذه الحركات تمرير خطابها رغم الظرفية التي،كانت تعطي كل المؤشرات لاختراق هذه المجموعات من طرف الفاعل السياسي أو الحركات الاحتجاجية التي عرفها المغرب في العشرية الأخيرة بل كانت هذه المجموعات أكثر تعقلا واصطفت للدفاع عن المسار الدستوري الناجح الذي سطره المغرب سنة 2011 وشاركت في المسيرات الشعبية المؤيدة للدستور ويمكن تفسير هذا المنحى برغبة المجموعات الكبرى المهيمنة بالمغرب في رسم المسار المتفرد لها وهي تعلم أن ارتماءها في أحضان الأحزاب السياسية سيخط نهاية مسارها المتوهج وتفقد القدرة على الإنجاز في الميدان. لكن ورغم كل هذا المسار الذي خطته بمجهود جبار عزز الفرجة الرياضية الإيمان بالانتماء للفضاء ومناصرة قضايا مصيرية للامة العربية فإنه على مستوى الممارسة عليك هناك تراجعا كبيرا في التأثير بحكم النتائج الوخيمة التي ترتبت عن المواجهات العنيفة بين بعض روابط الالتراس وخطابها التقليدية الذي يتضمن كل أشكال التحريض على التمييز والكراهية والعنف بسبب الانتماء الجغرافي او اللون أو الانتماء الثقافي وهذا امر غير مقبول تماما ويكرس بؤس هذا الخطاب .فكيف لفصيل يبدع في إيصال قضية فلسطين الى مداها لكن تجده ينزل الى براثن التحريض على المواجهة والتعريف رغم نفيه تصرفات بعض أعضاءه، لكن ينبغي نقذ الذات و الوقوف على هاته السلوكيات يتجاوزها في المستقبل. كما أنه لا يمكن فهم الاختلال الكبير في تصور هذه المجموعات لبعض المواقف الرسمية خصوصا في ظل التسرع بالتصريح أن تدابير منع منافسات الدوري الوطني واعتباره اجراء لتصفية حركة الالتراس من طرف وزارة الداخلية، وبعد ذالك أصدرت بيانا مشتركا تنهي الى العموم انها ستقدم على مبادرات لمساعدة المواطنين في إطار تدابير حالة الطوارئ الصحية .مع العلم ان بعض المجموعات قد سبق لها أن انشاء لجان اجتماعية تتكلف بتعزيز الدور الاجتماعي الفضيل وامتداده الشعبي واخص بالذكر ألتراس الوينرز المستند لفريق الوداد الرياضي ،بحيث أرجع هذا المكون الى القواعد الشعبية الحاضنة له لتقديم المساعدات لبعض الناس كنزلاء دور الرعاية الاجتماعية، والدعم الدراسي لأطفال الفقراء …الخ .

ورغم الصعوبات القانونية التي تحد من هذا التوجه بحكم عدم توفر هذه المجموعات على إطار قانوني تنتظم فيه يحولها طلب التماس الإحسان العمومي الى أن استطاعت من خلال القدرة التواصلية لبعض أعضاءها مع السلطات المحلية القيام بأعمال خيرية .ويعد هذا أمرا جيدا في سياق فهم عمق البنية الفكرية لحركة الالتراس والتحولات الممكنة خصوصا خلال الأزمات التي لم يسبق لغالبية اعضاء هذه المجموعات عيشها ممااسهم بشكل كبير في إذكاء الشعور باليأس والإقصاء المفتعل وغير الواقعي امام الفرص المتاحة اليوم في التنمية والتعليم ،لكن اريد فعلا لهذه المجموعات أن تظل محصورة في نشر الأفكار السلبية في صفوف اليافعين الذي يجدون في نفسية الحشود ضالتهم لكن ينبغي على هذه المجموعات أن تقوم بقراءة نقدية لمسارها لتحديد آليات إنتاج الخطاب نحو البناء وليس الهدم وان تمنح الروح الإيجابية من خلال الممارسة الرياضية وتشجيع الشباب على الاهتمام بالدراسة والتكوين والعمل ،وليس التبخيس والسلوكات بالعنصرية .ويجب ان تستغل فترة الغياب عن الملعب للنقد الذاتي البناء لإعادة ترتيب تصورها للولايات المواطن المغربي وعلاقتها بالمؤسسات العمومية وترسيخ قيم المواطنة والاندماج اولا في النسيج المحلي ورسم محددات اشتغالها في الرياضة وتفادي افتعال المضايقات تماشيا مع سمو فكرها أداءها خلال الدفاع عن القضايا الانسانية العابرة للحدود.

*الدكتور فهمي بوشعيب :
• حاصل في القانون الخاص 2006
• شهادة الماستر في القانون المدني 2014
• شهادة الدكتورة في القانون الخاص 2018

من إصداراته :
• ظاهرة الالتراس بالمغرب مقاربة قانونية واجتماعية2016
• مجموعات الالتراس نحو راديكالية العنف وتسييس مدرجات الملاعب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *