رمضانيات، مجتمع

أجيال إعلامية: الحاج قروق.. صاحب “ركن المفتي” الذي تابعه المغاربة طيلة 17 عاما

تقف وراء وسائل الإعلام بمختلف أشكالها، طاقات بشرية هائلة تسهر على إدارتها وتشغيلها والقيام بكل المهام الإعلامية، بهدف إيصال رسالتهم النبيلة في تبيلغ المعلومة للمجتمع عبر وظائف الإخبار والتثقيف والترفيه، وهو ما يُسهِم في تشكيل البناء الإدراكي والمعرفي للأفراد والمجتمعات.

فالإذاعة المغربية التي تعود سنة انطلاقتها إلى 1928، والتلفزة المغربية التي شرعت في بث برامجها سنة 1962، وعلى مدار تاريخهما، مرت أجيال وأجيال من الإعلاميين أثرت وتأثرت بهذا لكيان الذي ترك بصماته عليهم وعلى ذاكرتهم، وكلما احتاجوا لغفوة منه رجعوا بذاكرتهم للخلف ينهلون منها أجمل الحكايات.

وتبرز في هذا الإطار، أطقم البرامج والنشرات الإخبارية من مخططي البرامج ومذيعين ومحررين ومنشطين وفنيي الربورتاج والتوضيب وتقنيي التصوير والصوت وعمال الصيانة ومسوقو الإعلانات التجارية الذين يقومون بتنظيم الأعمال التجارية، إلى جانب مسؤولي العلاقات العامة والأعمال الإدارية المرتبطة بإنتاج البرامج والسهر على إعداد النشرات الإخبارية من اجتماعات التحرير إلى بثها عبر الأثير.

فطوال شهر رمضان الأبرك، تسترجع معكم جريدة “العمق” من خلال مؤرخ الأجيال الإعلامية محمد الغيذاني، ذكريات رواد وأعلام بصموا تاريخ الإعلام السمعي البصري المغربي عبر مسارهم المهني والعلمي وظروف اشتغالهم وما قدموه من أعمال إبداعية ميزت مسار الإعلام الوطني، وذلك عبر حلقات رمضانية يومية.

الحلقة الـ29 : أحمد قرّوق

ارتبط أحمد قروق بالبرنامج التلفزيوني ضمن “ركن المفتي”، فهو برنامج ديني ظلّ المغاربة يشاهدونه كلّ جمعة طيلة 17 سنة تقريبا، وطفِقَ يجيب عن تساؤلاتهم الدينية المتعلقة بالعبادات والمعاملات، باعتباره المصدر المرئي الوحيد في هذا الباب، قبل أن تأتي ثورة الفضائيات والإنترنت متبوعة بالقنوات الرقمية، لتتناسل بعدها برامجُ الفتاوى خصوصا والبرامج الدينية عموما، بشكل مُفرط يجعل التفريق بين سمينها وغثّها صعبا.

وظل الحاجّ “أحمد قروق” يقدّم البرنامج طيلة هذه المدة، حتى ارتبط باسمه وبطلّته وبطريقة تقديمه، قبل أن ينسحبَ منهُ ويستمرّ بعده عامين تقريبا، ثم يتوقّف نهائيا.

وُلد أحمد قرّوق سنة 1937، وتابع دراسته الابتدائية بمدرسة البنين الإسلامية بطنجة، التابعة لمجموعة المدارس الإسبانية، بينما حصل على البكالوريا من المعهد الرسمي بتطوان، في وقتٍ كان التنقل بين تطوان وطنجة يتطلب جواز سفر وتأشيرة!

يقول الحاجّ قروق عن تلك الفترة قائلا: “بعد حصولي على البكالوريا كان مقرّرا أن أتوجّه رفقة بعثة مغربية سميت بعثة عبد الخالق الطريس، وقد ودّعنا الملك الراحل محمد الخامس في القصر الملكي بالرباط، لكن العدوان الثلاثي حال دون إتمام السفر للأسف”.

بعد هذا توجه الحاج قروق إلى إسبانيا لمتابعة الدراسة من أجل الحصول على بكالوريا إسبانية؛ وكان يشتغل عند عودته صيفاً بشكل مؤقت في إذاعة إفريقيا بطنجة، باصما على أولى خطواته في دنيا الصحافة، ليصبح صحافيا محترفا بدءا من سنة 1959، بعد أن قضى سنة وبضعة شهور كتدريب بالتلفزيون الإسباني بمدريد، والمركز الإذاعي العربي بدمشق.

عن هذا التحول في حياته يقول: “بعد الاستقلال قررت الحكومة المغربية أن توقف الإذاعات الخاصة بطنجة، فانتقلت للعمل بالإذاعة الوطنية بالرباط بشكل مؤقت، قبل أن يصبح المؤقت دائما.. وقضيت بقسم الأخبار بالإذاعة الوطنية 20 سنة، لأنصّب بعد ذلك رئيس تحرير الجريدة المتلفزة”.

ويستطرد مُتحدّثا عن كيفية وصوله إلى لحظة تقديم برنامج ركن المفتي قائلا: “بعد رئاسة تحرير الجريدة المتلفزة طلب مني التفرغ للبرامج، فأسندت لي مصلحة البرامج الثقافية. وفي اجتماع مع وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية آنذاك عبد الكبير العلوي المدغري، خُصّص لتدارس فكرة إحداث برنامج إسلامي أسبوعي في التلفزيون، أخبرني الأخير أن الملك الراحل الحسن الثاني طلب منه إحداث برنامجٍ ديني يهدف إلى جمع شتات الفتاوى، حتى لا تبقى في متناول كل من هبّ ودبّ، ومن هنا كانت بداية عرض برنامج ركن المفتي سنة 1981”.

كان البرنامج، يضيف الحاجّ أحمد، يستقبل حوالي 200 رسالة أسبوعيا، يتم عرض 10 منها فقط في كل حلقة، بعد اختيار وتمحيصٍ من أجل الإجابة على أسئلة تهمّ أكبر شريحة مجتمعية، وليس السائل وحده فقط، وكان يجيب عليها خيرة علماء المغرب، كالحاج عبد الكريم الداودي، والحاج الغازي الحسيني، وكلاهما من خريجي جامعة القرويين.

كثرةُ الرسائل استدعت إحداث وزارة الأوقاف لمكتبٍ خاصّ بركن المفتي، تابعٍ لقسم التوجيه الديني بالوزارة، بعد أن كان الحاجّ قروق من يستقبل الرسائل ويقوم بفرزها.

لم يخلُ البرنامج من أحداث طريفة، يروي قروق قائلا: “في أحد الأيام قرع شخص باب منزلي، وبمجرّد فتحي الباب صرخ في وجهي: (منين جيبتي هاد الإسلام؟)..

وكان الرجل قد طلق زوجته طلاقا بائنا وأجابه المفتي بأن الطريقة الوحيدة ليعيدها إلى ذمته هي أن تتزوج شخصا آخر ثم يحدث بينهما طلاق، وهو ردّ لم يرق السائل إطلاقا، وشعرت أن في عينيه لمحة ثورة وجنون قد تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه إن جادلته، فأخبرته بوجود حلّ آخر بالضرورة، ووجّهته نحو وزارة الأوقاف، آملا أن يكون قد هدأ عند وصوله إلى هناك”.

وعن المؤاخذات التي كانت تطال البرنامج، خصوصا عدم تناوله للمواضيع التي تمسّ قضايا الناس المجتمعية، كالفساد الإداري وتزوير الانتخابات وحالات فسادٍ أخرى، يقول بأن “البرنامج منذ أول يوم كان مُخصّصا للعبادات والمعاملات، وكان لا بد أن يحترم هذا التوجه؛ كما أنه عموما كان موجها نحو البسطاء من الناس والأسئلة الدينية التي تشغلهم بشكل يومي”.

في سنة 1997 تقاعد الحاج أحمد قروق لكنه واصل تقديم البرنامج، قبل أن يتقدم بمقترح لجعل البرنامج مباشرا، وهو ما تمّ رفضه من طرف إدارة التلفزيون التابعة لوزارة الإعلام والداخلية، بدعوى أنه لا تقديم مباشر في الأمور الدينية.

رفضُ المقترح واعتبره الحاجّ قروق رفضا لشخصه فغادر البرنامج بمحض إرادته، ليتم تقديمه من طرف آخرين، ثم يتوقف بشكل نهائي بعد ذلك بعامين تقريبا، وتنتهي بذلك حكاية برنامج دخل بيوت المغاربة من أوسع أبوابها.

* المصدر: كتاب “للإذاعة المغربية.. أعلام” وكتاب “للتلفزة المغربية.. أعلام” – محمد الغيذاني 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *