منتدى العمق

الدعم المباشر في العالم القروي: عذاب الإنتظار وماذا عن عذاب ألا تنتظر شيء؟

على هامش قضية الدعم المباشر التي أعلنت عنه الحكومة المغربية لفائدة الفئات المتضررة من تداعيات جائحة كوفيد 19 المستجد، وإجراءات فرض الطوارئ الصحية، وما ترتب عنها من فقدان العديد من المواطنين لمصدر قوتهم، خصوصاً في العالم القروي الذي يشتغل معظمهم في حرف ومهن غير مهيكلة ترتبط بالأنشطة الفلاحية والبناء والمياومة، كما يوفر السوق الأسبوعي فرص شغل بسيطة تعتبر لدى هذه الفئات الملاذ الوحيد لتوفير القفة الأسبوعية، كنقل البضائع بواسطة عربات تدفع باليد، أو بيع القفف لمرتادي السوق الأسبوعي، أو تعبئة الماء لفائدة المقاهي الشعبية… إنتظر هؤلاء بفارغ الصبر وهم يتابعون يومياً خطابات المسؤولين الحكوميين عن إجراءات الحد من تدعيات الوباء، ودعم الفئات المتضررة، أن تصلهم الرسالة المنتظرة، فعاشوا على إيقاع سمفونية عذاب الإنتظار .

لقد وجدت غالبية الأسر في العالم القروي نفسها تعيش أزمة إنتظار الدعم الموعود، وهي على يقيين بحكم وضعيتها الإجتماعية، وواقع عمل رب الأسرة من أنها ستسفيذ من الدعم المباشر لعله يخفف عنها ما ألم بها بسبب فرض قانون الطوارئ الصحية، وهي التي كانت تعول على خروج رب الأسرة صباحاً إلى المجهول من أجل تدبير قوته اليومي ولو كلفه الأمر الإشتغال في ظروف صعبة قد تفوق قوته الجسمانية.

إن عذاب الإنتظار الذي عاشته هذه الأسر كان أَمَّرَ من واقع الوباء نفسه، عذاب مزدوج، عذاب الإنتظار، وعذاب ألا تنتظر شيئاً، بطبيعة الحال ساهمت طريقة تدبير الحكومة لملف الدعم المباشر وتحديد المستفيدين المستحقين له دوراً كبيراً في تكريس الأزمة، فواقع حال أغلبية سكان القرى كفيل بتحديد الفئات المستحقة، الأمر الذي جعل هذه النفوس تتوق إلى الإستفاذة من الدعم .

إن مثل هذه الأزمات تستدعي من الحكومة أن تمتلك أليات ووسائل ديمقراطية تسمح بالتدخل العاجل والمباشر في مثل هذه الحالات، دون أية مشاكل، وكان من المفروض أن تتوفر على سجلات خاصة بالمواطنيين المستحقين للدعم الإجتماعي وبنك معلومات حقيقية ومحينة تنطلق من تشخيص واقعي للوضعية الإجتماعية للمواطنين.

للأسف أغلب التبريرات التي توصل به المقصيون من الدعم المباشر، غير مقبولة ولا تعكس حال صاحبها، مياومون، وعمال بسيطون، حمالون في الأسواق الأسبوعية، مرضى بأمراض مزمنة تم إقصاؤهم بدعوى أن نشاطهم مستثنى من الدعم …إن الأزمة النفسية التي قد يصاب بها هؤلاء، أكثر وقعاً عليهم من أزمة الوباء نفسه، وهم يتابعون أخبار منطقتهم، ويسمعون عن إستفاذة أشخاص وضعيتهم الإجتماعية أفضل منهم . كان حرياً بالحكومة ألا تمني أنفسهم بأماني وردية وهي على علم بمخرجات الدعم المباشر .

حاول المسؤولون تدارك الوضع بعدما تعالت أصوات بضرورة حسم مسألة الإنتظارية التي يعيشها القرويون، وتناقل رواد الفايسبوك صور مخزية لأشخاص تكلفهم القبيلة بالصعود إلى الجبل الذي يوفر تغطية جيدة، حاملاً معه هواتفها النقالة، لعل الرسالة المنتظرة تأتي، لكنه كان كل يوم يعود إليهم بخيبته… بأن أطلقت عملية
خدمة شكاية لفائدة الأسر التي لم تتوصل بالدعم، لتدشن بذلك مرحلة جديدة من الانتظار والإستغلال الفظيع واللاإنساني لأشخاص إمتهنوا إمتصاص دماء الفقراء، كتاب عموميون، أصحاب مختبرات تصوير ومكتبات إستغلوا الفرصة لتسجيل الشكايات بعشر دراهم فما فوق، مما كرس مأساة الفقراء…

واقع مخزي يعكس جشع بعض الفئات في المجتمع المغربي، دفعهم الوباء إلى الإستثمار في آلام الفقراء والمهمشين، لا يسعنا معه إلا أن نقول كما قال محمود درويش :
وأنت تسدد فاتورة الماء
فكر بغيرك
من يرضعون الغمام
وأنت تعود إلى البيت،
بيتك، فكر بغيرك
لاتنس شعب الخيام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *