منتدى العمق

حالة الطوارئ من الارتباك القانوني إلى ترسيخ السلطوية

مقدمة:

مما لا شك فيه أن جائحه كورونا العابرة للقارات فرضت واقعا جديدا على جميع المستويات سياسيا، اقتصاديا واجتماعيا دون تمييز بين دول العالم متخلفة كانت أم متقدمة، الشيء الذي فرض على الحكومات اتخاذ تدابير صارمة لمحاصرة الوباء وحماية الصحة العامة والتي بدون شك سيكون لها تداعيات خاصه على المستوى الاقتصادي.

استفاد المغرب من تجارب الدول التي اجتاحها الوباء قبله لذلك يمكن القول أنه اتخذ اجراءات مهمة في الوقت المناسب حماية للصحة العامة خاصة أن النظام الصحي المغربي يتسم بالهشاشة ومن العبث الرهان عليه.

كما أعلن على غرار دول أخرى حالة الطوارئ الصحية وذلك بتاريخ 18 مارس الشيء الذي أثار نقاشا على المستوى الحقوقي والقانوني نظرا للارتباك الذي صاحب الإعلان عن حالة الطوارئ من جهة والتجاوزات التي رافقت تفعيلها من جهة أخرى.

أولا: الإرتباك القانوني لإعلان حالة الطوارئ:

أعلنت حاله الطوارئ من طرف وزارة الداخلية-وذلك خارج دائرة اختصاصها- ودخلت حيزت التنفيذ دون سند قانوني، وبعد ذلك تم تدارك الأمر بتبني مشروع مرسوم بقانون رقم 2.20.292 منحت بموجبه السلطات العمومية حق اعلان حالة الطوارئ وذلك بتاريخ 22مارس 2020 وفي فترة كان فيها البرلمان متوقفا عن الاشتغال، أي بعد أربعة أيام من اعلان حالة الطوارئ الصحية ودخولها حيز التنفيذ.

وهناك من حاول تبرير هذا الإرتباك بالاستناد الى الفصل 21 من الدستور الذي ينص على ما يلي: “تضمن السلطات العمومية سلامة السكان وسلامة التراب الوطني في اطار احترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع”. وهو أمر لا يستقيم، ذلك أن حالة الطوارئ تهدف الى تقييد الحريات وتمس بالحقوق( حق الشغل, حق التنقل ،الحق في المحاكمة العادلة…..).

وقد نبه البعض لهذا الإرتباك الا أن العديد من رجال القانون و الحقوقيون سكتوا عن هذا الأمر ولم يحركوا ساكنا ،على أساس أن المغرب يعيش حالة إجماع وطني يتطلب تعبئة الجميع لتعزيز قيم الوحدة والتضامن، وأن الوقت غير مناسب للوقوف على هذا الأمر.

و مع تفعيل حالة الطوارئ اتضح تدريجيا أنه لا ينبغي السكوت على تجاوزات تمس الحقوق والحريات بدعوى تدبير الأزمات كما لا ينبغي تعطيل الحريات والحقوق الأساسية في حاله الطوارئ كما هو منصوص عليها في العهد الدولي.

ثانيا: انتعاش السلطوية زمن الأزمات

معلوم لدى الجميع أن السلطوية تنتعش زمن الأزمات في معظم أنحاء العالم مع تفاوت حسب طبيعة الأنظمة السياسية والمغرب ليس في منآى عن ذلك، فمع دخول حالة الطوارئ حيز التنفيذ سجلت العديد من الملاحظات منها:

– تحرك السلطات العمومية تحت أنظار وسائل الإعلام التي رافقتها في كل تحركاتها بشكل غير مسبوق ولم تدخر جهدا في التنويه بمجهوداتها وتلميع صورتها، وبالموازاة مع ذلك تم توظيف هذه المنابر الإعلامية لتشويه صورة بعض المعارضين عبر حملات تشهير واسعة دون تمييز بين يمين أو يسار القاسم المشترك بينهم أنهم يشكلون مصدر ازعاج للسلطات، مما يدل على استغلال الجائحة لتصفيه الحسابات مستغلين التعاطف الشعبي مع السلطوية- في بداية الأمر- نظرا لفوبيا الفيروس والمراهنة على رجال السلطة لحصر الوباء وإجبار الناس على الالتزام بالحجر.

– تواترت تباعا التجاوزات الصادرة عن رجال السلطة أثناء فرض تدابير الحجر الصحي، من صفعات واعتداءات وإهانات… وغيرها مما يمس كرامة وادمية المواطنين حسب ما وثقته وسائل التواصل الاجتماعي، الشيء الذي أكد أن الأمر لا يتعلق بحالات معزولة وتجاوزات لبعض الأشخاص كما هو الشأن في كل البلدان خاصة مع غياب محاسبة المتورطين في هذه الإنتهاكات.

هذا ومع تمديد حالة الطوارئ والحجر الصحي اتضح أن المراهنة على القوة لحصر الوباء رهان خاسر ما لم يسبقه تأهيل مجتمعي عبر إذكاء الوعي لمجابهة كل المخاطر التي تهدد الصحة العامة، وتأهيل منظومة الصحة والتعليم واتخاذ التدابير الاجتماعية التي من شأنها ضمان استمرار الحجر الصحي.

– الايجابي في الامر تنامي الوعي واتساع المعرفة بمواطن الفساد ومكامن الخلل، وتحول الفضاء الأزرق إلى فضاء للتوعية والتثقيف و الرقابة على صناع القرار، وبدل تأطير نخبة قليلة في لقاءات خاصة مغلقه أصبح الفضاء الأزرق وجهة للمجتمع المدني وبعض الأحزاب السياسية والتنظيمات الحية والفاعلة خاصة التي كانت تعاني التضييق وتتعرض للمنع فاتسعت دائرة المستفيدين وفتحت ورشات النقاش العام بشكل غير مسبوق، فأصبحت بذلك تمارس إعلاما حقيقيا. الشيء الذي لم يعجب البعض فتم التفكير في تمرير مشروع قانون لتكميم الافواه. مشروع تم تأجيله اضطرارا بسبب الإجماع الوطني لمناهضته.

اطلق المغاربة على مشروع قانون 20/ 22 المسرب اسم قانون الكمامة نظرا لبنوده التي تهدف الى تكميم الافواه والمساس بالحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور، قانون يهدد أمن وسلامة المواطنين والمواطنات، قانون معيب زمنا ومحتوى.

وبذل أن تنصب الجهود على اجراءات حماية الصحة العامة والحفاظ على سلامة المواطنين وحماية اقتصاد البلاد، يتم استغلال الجائحة لترسيخ مزيد من السلطوية وتحويل الأزمة الصحية الى أزمة حقوقية تستعمل لتصفيه المعارضين وإحكام القبضة المخزنية ، لذلك أبدت الأمم المتحدة قلقها بشأن استغلال حالة الطوارئ لارتكاب اعتداءات ضد حقوق الإنسان بدعوى خرق الطوارئ، وأشارت الى بعض الدول كالفلبين، ايران، كمبوديا…. ومن الدول العربية تمت الاشارة الى المغرب والأردن. كما حذرت أيضا من تحويل صلاحيات حاله الطوارئ الى سلاح في يدي الحكومات لاستعماله ضد المعارضة ومراقبة الشعوب والبقاء في السلطة.

وختاما تجدر الإشارة الى أن الأمر تعدى ذلك الى المساس باستقلال القضاء حيث فرضت السلطة التنفيذية مجموعة من الاجراءات على السلطة القضائية ومنها ما يمس بشروط المحاكمة العادلة (كالمتابعة عن بعد، الترافع عبر مذكرات كتابية…..) وهذا فيه مس باستقلالية القضاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *