وجهة نظر

حول الموقف من الرأسمالية المغربية (يدنا منا ولو كانت من جذام)

لقد تأسست الأوطان، وتأسست النزعة الوطنية وقيمها وقواعدها.. بتأسيس المجتمعات المدنية والدولة الديمقراطية (مركزية أو فيدرالية) بقيادة البورجوازيات الغربية. على حساب المجتمع والدولة (الامبراطورية) والثقافة التقليدية وقياداتها الاقطاعية-الكنسية (ولا أقول الدينية). وأيضا على حساب جنوب شرق البحر المتوسط المنافسة، والتي أضحت بذلك الانتصار للشمال، مستعمرات له أو أشباه مستعمرات، فتأخر لذلك تشكيلها للأوطان ولمجتمعاتها المدنية (؟ !)

تأخرت الحداثة عندنا إذن لأسباب: حروب التوسع الأوربية (=الصليبة) لاحتلال السواحل العربية جميعا. من عمان مروراً بفلسطين والاسكندرية. حتى مدينة أكدير (نظير الصنيع الروماني قديما). وذلك قبل أن تنتهي إلى الفشل وحتى الهزيمة في معركة وادي المخازن العظيمة. والتي أخرجت من تاريخ القيادة الأوربية الدولتان العظميان عصرئذ: اسبانيا والبرتغال. وتحولت طريق التجارة العالمية من المتوسط إلى المحيطات. الأمر الذي حكم على البورجوازية العربية بالحصار والاستضعاف.

ولاحقا وانطلاقا من مرحلة تحول الرأسمالية الأوربية إلى الاستعمار (ق19). أجهز على البقية الباقية من التجار والحرفيين المغاربة، أو تحويلهم وظيفيا إلى محض وسطاء (كمبرادور) لسلعه ولتجارته تصديرا واستيراداً. ومن تم تحول رهانها (البورجوازية المغربية) من الاستقلال والسيادة إلى الاستتباع والعمالة. ومن تم ظهرت في أوساطها شخصيات ورموزاً إدارية وفكرية… خائنة للوطن وللوطنية مثل الريسوني في حالتنا والكتاني والكلاوي وابن عرفة وحكومته وديوانه وأكثر “الشوريين” وأكثر الضباط (أمزيان، الكتاني، أفقير، أحرضان..) واستمر منهم حتى بعد “الاستقلال” أمثال اليوسي وعدي بن بيهي وغيرهما كثير.

لقد كان تشكل كتلة تاريخية (=اجتماعية، ثقافية وسياسية..) من الطبقات الوطنية بالمغرب وغيره، هو ما سمح بتغيير ميزان القوة تدريجيا لصالح الوطن والمواطنين (وليسوا جميعا وطنيين)، وذلك بقيادة مشتركة بين البورجوازية الكبرى المغربية (نموذج بلا فريج وعائلتي بنونة والفاسي..) والصغيرة، مثل القائد الأهم في المرحلة محمد اليزيدي والزرقطوني المؤسس للمقاومة، والحرفيين (الفطواكي) والعمال (ابراهيم الروداني) والشبيبة الطلابية (البصري، الجبلي والفكيكي..) ولم تلتحق البوادي بالكتلة إياها، إلا عند تطورها إلى جيش مغاربي للتحرير الشامل. وهو ما اضطر المخزن المركزي الوطني والمحلي الجهوي والقبلي، إلى الالتحاق بكتلة المطالبين بالاستقلال خاصة إثر جريمة خلع الملك الشرعي ونفيه وتعويضه بإمعة. ودرجات هؤلاء متفاوتة (ع.الصادق الكلاوي، القائد العيادي والبكاي، أمهروش…) ومن هؤلاء، من حول موقعه أو موقفه بايعاز من الاستعمار نفسه تحسبا واحتياطا مثل أحرضان وأفقير لاحقاً (في الجزائر كان عدد هؤلاء من الطابور 6 أكبر).

ـ ـ ـ

لعله يكاد المغرب المعاصر، يشكل الاستثناء على الصعيد العالمي، وذلك في كون تحالفه الوطني من أجل الاستقلال بقيادة بورجوازيته الوطنية، ليس هو الذي تسلم الحكم(؟ !) لقد تمكنت مناورات الرأسمالية الفرنسية وإدارة حمايتها في الداخل من قلب التحالفات وتغيير المعادلات. وذلك بأن أعادوا تحالفهم الأسبق مع المخزن ومع الإقطاع المحلي (حماية 1912) وجددوه بأن أضافوا إليه بعض البورجوازية (العقارية خاصة) وذلك في صيغة حماية (استعمار) جديدة (اكس ليبان). ففكت الكتلة التاريخية إياها وأزاحت البورجوزاية الوطنية والقوات الشعبية واستأثروا بالحكم احتكارا واستبدادا (إدارة واقتصادا) ملحقين بهم بورجوازيات لم تعد من مصلحتها أن تكون وطنية، بل مواطنة فقط أقصد: الإدارية عموما والفلاحية والعقارية (نموذج بلافريج).

منذ ذلك وملحمة الصراع الوطني الجديد: الاجتماعي والديمقراطي ومن أجل استكمال التحرر وتحرير التراب والوحدة المغاربية… لم تتوقف قط. وذلك في مسيرة تكاد تكون بلا نظير على الصعيد العالمي. رموز وبطولات ومنافي وسجون وشهداء (60-63-65-71-72-73-79-81-90…الخ) ولم تتوقف مؤقتا إلا مع المسيرة الوطنية الخضراء المظفرة (75) وبعض لحظات الإجماع الوطني والقومي الطارئة. خاصة فلسطين والعراق…

تمكنت البورجوزاية (الادارية خاصة) خلال ذلك، واستجابة ماكرة من قبلها أمام الضغوط الأمريكية التي تقضي بخوصصة الاقتصاد وفتح الأسواق ورفع يد الدولتين (المغربية والفرنسية) عنهما… من التحول إلى رأسمالية محلية شملت جميع القطاعات تقريبا، بما فيها المالي… وليس في ذلك غرابة أو شذوذا مقارنة بتاريخ جميع الرأسماليات في العالم. والتي لولا إدارات دولها التي دعمتها وحمتها وفتحت لها الأسواق القصية عنوة أحيانا (=الاستعمار) بما في ذلك للمخدرات (الصين) ومكنتها من امتيازات الريع، بل وخاضت من أجلها حروبا محدودة أو حدودية وحتى عالمية(؟ !)  ولولا أكثر ذلك ما كانت لتراكم وتستثمر وتتاجر وتسيطر..، ولكن أيضا لتشغل وتؤسس للتقدم في سياق التنافس في ما بينها. تعميم التعليم وتوفير الدواء والسرير وتشييد الجامعات ومراكز البحث العلمي والتقني.. وتخترق الفضاء وتكسر جليد القارتين في شمال الأرض وجنوبها…

ـ ـ ـ

في المغرب الراهن، يحكم المغرب ويتحكم فيه، اقتصادا ومجتمعا وسياسة وثقافة.. (ومنها الدين) تحالف عضوي بين بورجوازيتين رأسماليتين محلية (من بينها غير الوطني) وأوروبية (فرنسية خاصة). وهو ما يثير غيرة، بل غضب وأطماع الرأسمالية الأمريكية ودولتها. المحرومة من مزاياه (ريعه) وبنوكه وأسواقه.. وإمكانية مساهمته في التخفيف من أزماتها وإفلاسها (؟ !)

لقد حاولت دائما وحتى قبل الاستقلال، وخاصة بعده. اقتحام التحصينات الفرنسية لمؤسساته الادارية والسياسية (حزبيا ونقابيا) والعسكرية (26 محاولة انقلاب) ولكن دون طائل، فابتكرت، لأجله ولغيره من الشعوب (فضلا عن حوالي 36 دولة في العالم) الجيل الرابع من حروب التدخل. وذلك في صيغة “ربيع” ناعم يعيد إنتاج تجربتهم الناجحة في أوربا الشرقية. وذلك بالتسلل أو باصطناع جمعيات “مدنية” (حقوقية، تنموية، اجتماعية، ثقافية…) وصحف “مستقلة” وصحفيين مزيفين و”مراكز دراسات” وأساتذة، مرتزقة (تافهين غالبا) بأجور وتعويضات سمينة وأسفار وإقامات للمتفرغين أو لـ (المتطوعين) ومجلات ودور نشر..الخ.

لا يقتصر الأمر على الاصطناع والاختراق. بل والتقاطع وحتى التحالف مع بعض التيارات المهيأة ادلوجيا أقصد خاصة اليسار العولمي (التروتسكي والشعبوي- الفوضوي) وكذا الإسلام السياسي (ومنه السلفي). ذلك فضلا عن بعض الشخصيات ذات الطبيعة الرمزية وعلى رأسهم الأمير الأحمر وبطانته الانتروبولوجية.

وفي الخلفية من كل ذلك جيش احتياطي استراتيجي من ضحايا التجهيل والتفقير والتعطيل.. كتائب من المغفلين والحاقدين والطامعين الفوضويين والشعبويين، نائمين أو متناومين. بمن فيهم داخل الإدارة السائدة حاليا. ينتظرون لحظة (الانقلاب). والتطبيع مع الأمريكي. فيقبلوا ولاءهم من السيد الفرنسي إلى السيد الأمريكي. بل هم مستعدون للانقلاب على أنفسهم (أخلاق العبيد) حسب “نيتشه”.

ترى، ما الفرق بين جديد الاستعمار الراهن-الأمريكي، مقارنة بالاستعمار الأوربي القديم؟ كلاهما راهن ويراهن على استغلال التناقضات بين المجتمعات وإدارات دولها. وتفجيرها وإرغام الإدارات بذلك على الخضوع لها وإلا فاستبدالها بأخرى عميلة أيضا ولكن بدون شروط أو عقود حتى (العراق، تونس،ليبيا…).

تكمن الفروق في نمط المجتمعين: التقليدي سابقا. والمدني حاليا. لقد وقف الاستشراق الأوربي على فهم واختراق وتوظيف القواد وشيوخ القبائل والزوايا والتجار وقطاع الطرق… في المجتمع التقليدي ضدا على إدارة دولته في المغرب مثلا لفرض الحماية عليه. أما اليوم فهم يراهنون على هيئات المجتمع الحديث أو المدني و”مثقفيه” وضحاياه. وتحريكه باسم “الديمقراطية” و”الحرية” و”حقوق الإنسان” وضد “الفساد” و”الاستبداد” ضدا على إدارة دولته. لمساومتها أو إخضاعها أو استبدالها بغيرها عند الممانعة. كلمة حق تراد بها أباطيل، وهذا ما يحصل في المغرب والجزائر ولبنان…اليوم.

ونظير الاستعمار القديم أيضا. فقد يحتاج هدف الهيمنة والسيطرة إلى بعض التدخل العنيف ، ابتداء (العراق) أو في الأثناء (سوريا) أو مستمرا بقصد التفكيك (الصومال، ليبيا) والمغارب ليست بعيدة عن ذلك التخطيط.

في المقابل، فإن الجبهة الوطنية متماسكة في حدود مسألتين: 1ـ ترسيخ استكمال وحدة التراب الوطني جنوبا 2- توافق متعثر حول استراتجية الانتقال الديمقراطي في ظل ملكية وطنية وأكثر فأكثر شعبية وديمقراطية. وخارج ذلك، فإن الادارة وتحالفاتها الخارجية. ما تزال مستأثرة وحتى مستبدةباحتكار بقية الملفات ومواجهة بقية الجبهات وحدها دون إشراك للشعب وهيئاته الممثلة. في مسلسل من ردود الفعل الدفاعية غالبا، وذلك خاصة بالمزيد من الامتيازات الريعية / والمزيد من الفرانكوفونية / والمزيد من المركزية والاحتياطات الأمنية / والمزيد من اصطناع الأحزاب أو اختراق وتوجيه القائم منها / ومن تفكيك النقابات وتمييع النضال النقابي وحتى منعه (أوطم) / والمزيد من اصطناع الجمعيات المدنية (المضادة) والصحافة المزورة / والحشرات الالكترونية / ومضاعفة الضبط لما تسميه بـ (الحقل) الديني (تعففا من وصفه بالقطاع) / والمبالغة في تهميش وأحيانا محاربة الرموز والأصوات المعارضة وحتى فقط المخالفة للخطابات السائدة… الخ. وأخيرا استعراضية الاعتراف بفشل ما أسمته “النموذج التنموي” المعتمد منذ “الاستقلال”والبحث له عن بديل (بالأحرى تجديد) عن طريق نخبة أهم صفاتها أنها قديمة. بل وحتى عتيقة في فرانكوفونيتها وتبدو فرنسية الهوى والهوية، أكثر منها مواطنة فأحرى وطنية.

إذن، وعمليا نسقط في المحظور الاستعماري، في ما نحاول الهروب منه. في أحابيل استراتيجية العدو بالذات، إنتاج وإعادة إنتاج الفوضى العارمة والتفكك والافتتان.. وتلكم دائما هي عاقبة الاشتغال السياسي بدون استراتيجية. أو باستراتيجية ردود الأفعال الدفاعية المتباينة وحتى التناقضة أحيانا وذلك في تضارب يومي بين سلوك المجتمع وقرارات الإدارة. والحال أن المستهدف واحد هو الوطن والمواطنون دولة وشعبا (؟ !) بديلا عن التوافق حول بديل استراتيجي وطني شامل، استباقي بل وهجومي ضدا على المخططات العدائية والاستعمارية المنصوبة للطرفين معا وجميعا (الادارة والمجتمع).

إذا كان ذلك بعض سلوك الإدارة (الادارات) المغربية. فإن المجتمع بالمقابل لا يقل عنها خطأ وردود فعل وتخبط استراتيجي بل وممارسات انتحارية أحيانا. ومن ذلك، ما نحن بصدده من الموقف من الرأسمال الوطني والرأسمالية المحلية، سواء أكان عاما أو خاصا مغربيا.

لن نتوقف هنا عند مؤسسات الإنتاج وعلاقاته في القطاعين العام والخاص. فتاريخ المغرب المعاصر. هو في الجزء الأعظم منه، تاريخهما صداما أو توافقا، انتهى اليوم، إلى اغتيال العمل النقابي. وتعويضه عمليا بالغش والمكر والتخريب المتبادل بين رأسمال والعمل. ولا يفلح لذلك أي منهما، والحال أنه لا إمكانية ولا احتمال للتنمية وللوحدة المجتمعية وللديمقراطية دون عمل نقابي رشيد ومنظم. وجماهيري. وشرط ذلك أن يكون موحدا وديمقراطيا.

ما يهمنا في هذه المقالة هو الوقوف عند هذا “الانحراف” الذي أصاب النضال النقابي وذلك بتحوله من علاقات الإنتاج إلى علاقات التوزيع. من الصراع بين المنتجين والرأسماليين، إلى صراع المستهلكين وأسعار السلع، من الصراع حول نسب توزيع فوائض القيمة. إلى إلغاء القيمة أصلا؟ من صراع مواطنين إلى صراع مستهلكين من صراع منظم محدد متراكم معروف القيادة ومن تم المحاسبة والمراجعة والنقد والنقد الذاتي… إلى صراع فوضوي يقاد من خلف ولا تعرف وجهته، من صراع ينفذه مقرروه. إلى تنفيذ لقرارات مجهولة المصدر والهدف السياسي من نضال نقابي يعي أبعاده السياسية، إلى صراع لا وعي لأفقه السياسي من قبل الذين يخوضونه. من صراع مسؤول واضح.. إلى صراع جبان، غامض وعبثي من حيث نتائجه على الوطن وعلى الشعب.

لقد جربت الطبقة العاملة الأوربية في مرحلة وعيها النقابي الجنيني أنواعا من مثل ذلك، قبل أن تستخلص ما يجب ترسيخه والبناء عليه. النضال المنظم والموحد لمحاربة عواقب النظام (النقابي) والنضال السياسي من أجل إصلاح النظام أو تغييره رأسا نحو بديل ديمقراطي واشتراكي (الحزبي).

نعم، لقد جرب هذا النمط من المعارك في مرحلة الاستعمار القديم. خاصة في الهند بقيادة الزعيم غاندي. ولكنه كان ضمن استراتيجية متعددة المكونات ومتكاملتها. ضدا على الرأسمالي الأجنبي وسلعه بل وعلى احتلاله وبتحالف مع الرأسمال الوطني بل ولصالحه. وكان بقيادة حزبية وسياسية معروفة وضمن برنامج معلن ومقرر من قبل جميع الطبقات الوطنية.

“الشابكة” تخلط الحابل بالنابل تنتج وتعيد إنتاج الفوضى الشاملة ولهذا هي ميسرة مجانا وموظفة أمريكيا لأهداف إشاعة الفتنة وخلط الأوراق وضرب الشعب بالشعب والمجتمع بالدولة وفي هذه الحالة المغربية الخاصة. ضرب الرأسمال والرأسماليين المغاربة، وحلفائهم الأوربيين لمصلحة الامبريالية الأمريكية. وشركاتها واطماعها في البنوك والقطاعين العام والخاص المغربيين.

يبرر البعض مواقفه من رأسماليين بالحديث عن “الفساد” وعن “خلط المال بالسياسةّ” رد فعل عن خطاب “خلط الدين بالسياسة” (؟ !)

1ـ بالنسبة لتهمة الفساد، فإن مصدر “فساد” توظيفالمصطلح، كامن في نقل المفهوم أو “القيمة” من حقل (الأخلاق) إلى حقل (الاقتصاد). وهذه أخلاقوية وخلط لا يختلف عن خلط (الدين بالسياسة؟ !) الذي ينعونه على خصومهم الاسلاميين؟ !

وهل تتصور رأسمالية غير “فاسدة” في التاريخ وفي الحاضر. يكفي أنها تقوم على على استغلال “فائض قيمة” عمل العمال؟ ويكفي أنها يستحيل أن تقوم وتحيا بدون الربا وفوائده. وهما منبع جميع أنواع المفاسد، وهل تعقد الصفقات دون عمولات. وألا تفرض المنافسة اكراهاتها كالرشوة… وماذا عن المضاربة والاحتكار والتهرب والغش الضريبيين ..الخ .. الخ.

الرأسمالية والفساد صنوان يستحيل حضور أحدهما دون أن يحضر الآخر، ولو أن مرددي ذلك الخطاب كانوا “اشتراكيين” لقلنا طيبين ولكنهم “مغفلين” أما وهو يأتي من “ليبراليين” فهذا يندرج ضمن صراع رأسماليات امبريالية وأخرى محلية، لا بين أخلاقيات وأخلاقيين. وكما يقول نيتشه مرة أخرى “إن كل خطاب أخلاقي هو في حقيقته أخلاقوي” ؟ !

2ـ أما عن فصل الارتباط بين المال والحكم، فهذا حلم يقظه ووهم “اسلاموي” وهل ثمة مثال على مثل هذا الاحتمال؟. وحتى عندما نجد رأسمالية ما تقدم للحكم تكنقراط. فهي تختفي خلف الستار. وإذا هم أخطأوا السبيل. فإن مصيرهم العزل (نكسون) أو الاقصاء (كارثر) أو التشهير (كلينتون) أو الاسقاط (دوكول) أو الاغتيال (كندي) وغيره كثير.

بعض أهم رهانات “الاسلام السياسي” الواهمة. أن يتقدم إلى الرأسماليين للحكم بديلا عنهم ولمصلحتهم، إذن توزيع مهام، لا محاربة فساد. وهذا ممكن وفيه منطق ومحتمل.. غير أنه يحتاج إلى كثير وضوح براغماتي في الخطاب السياسي / والاندراج في سياق حوار وطني عام وشامل. يستهدف بالأساس استكمال تحقيق الاستقلال وما يفرضه من مواجهة لجميع أنواع الاستعمار الجديد أوربيا كان أو أمريكيا وليس الرهان على أحدهما على حساب الاخر. وهذا هو للاسف حال صراع الرأسماليين في المغرب وعربيا (؟ !)

إن مواجهة الرأسمالية المحلية على مستوى منتوجاتها الغالية أو المغشوشة.. هو فضلا عن عبثيته اقتصاديا. وخدمته العميقة لرأسمالية أخرى أجنبية (أمريكية غالبا) فإنه يوحي وكأن مشكلات الشعب والوطن مع بورجوازيته، يقتصر على ذلك؟ والحال أن أعطاب بورجوازياتنا الأسوء، تتسع فضلا عن الشره والطمع والريعية إلى نزعة الاستبداد ومحاربة الانتقال الديمقراطي وظلم الشغيلة والتبذير الاستهلاكي السفيه والتبعية لفرنسا وللفرنكوفونية. وفشلها في تشكيل حزب يخصها دون اعتماد على الادارة وعدميتها الوطنية والمغاربية والعربية والاسلامية ونزعتها القطرية من جهة والعولمية من جهة أخرى واحتقارها للشعب ولهويته وتراثه وانعزالها عنه واهتبالها بالحريات الفردية والأنانية عوض التحرر والتحرير الوطنيين.

هذه وغيرها قضايا كبرى واستراتيجية وتحتاج إلى وقت وإلى جهد فكري نظري وسياسي لاستكمال ما انجزه الرواد منه. يحتاج إلى تجميع والى تصنيف وإلى تأمل وإلى ترميم وإعادة نظر… وذلك منذ المولى محمد بن ع.الله وحتى العروي. وما بينهما وهو كثير غني ومفيد.

ما هو راهن اليوم بل ومستعجل، هو تصحيح المناط والمسار وفك الألغام وتفويت الفرصة على “الشابكة” ومن يجلس خلف سمومها وحشراتها المدبرة والمخططة لإفساد الوضع في المغرب وقلقلة العلاقة بين مكوناته ومحاربة القطاعين الرأسماليين المغربيين العام والخاص وإحداث أزمات مصطنعة وزائفة في السوق وفي الأذهان وفي الشارع.

إذن المطلوب شعبيا وديمقراطيا من قبل رأسماليتنا في الإدارة وفي القطاع الخاص الصناعي والتجاري وكحد أدنى ملزم وضروري، ويفترض فضلا عن التقنين، أن نوفر له فضاء من التعبئة الوطنية والحماس النضالي الادلوجي والسياسي من خلال الاعلام والمؤسسات الدينية. والحزبية والنقابية والمدنية. واعطاء القدوة من قبل أهلها المؤهلين لها والمرغوبة منهم. والتنافس في التنازلات وفي التضحيات والعطاء للوطن من قبل الجميع.

لا نحتاج مرحليا، من قبل رأسماليينا حتى تتم المصالحة معهم والدعم لهم سوى إلى ثلاث:

1ـ عدم تهريبهم أرباحهم إلى خارج الوطن، على سبيل البذخ والرفاه السفيه. بل واعتبار ذلك، مثل تجارة المخدرات البيضاء، خيانة.

2ـ الاعتدال في الصرف، بل والتشجيع على التقشف فرديا وأسريا، على جميع مستويات: السكن (مساحة وعددا..) والسيارات والأثاث والاستقبالات. وتضريب بعض ذلك.

3ـ احترام القانون خاصة قوانين الشغل والتشغيل وضماناتهما وأداءالضرائب.

أما بالنسبة للإدارة فإن أهم هو رفع يدها عن تفكيك العمل النقابيولم لا تقنين توحيده انطلاقا من فرض انتخابات موضوعية مؤسسيا قطاعيا وترابيا، وفي الأدنى فرض حد أدنى تمثيلي لشرعية الوجود النقابي.

وبقية المطالب الاصلاحية اداريا. سبق لي أن فصلت الرأي والقول فيها في مقالة خاصة بها، والافكار حولها وفيرة ومجربة عالميا(؟ !)

لنتحدث إذن عن ميثاق وطني جديد وأشمل، يستوعب جميع مواثيقنا المنجزة والمتراكمة. وعلى رأسها الدستور. وذلك من خلال حوار يشمل الجميع الوطني ويقصي القليل التبعي ويكون مقياسه الرئيس مواجهة الاستعمار واتباعه بجميع أصنافه وأساليبه ولغاته.

ولعل هذا يكون برنامجنا الوطني التنموي والديمقراطي لمواجهة ما بعد (القرينة) مواجهة تستدرك ما فات، وتستفيد من دروس الوباء وتسارع إلى مكان أفضل في زمن العالم وفي علاقاته الدولية المستجدة.

وبذلك وغيره، نكون في غنى عن الاحتياط الزجري الذي يفكر فيه البعض في الادارة وخارجها، وتشجعه عليه تجربة الضبط والانضباط السائدة في شروط الطوارئ الصحية. وتخوفه مما ينتظر المغرب من أخطار اعلامية أجنبية دلت عليها بوادر الحشرات الالكترونية الرجعية الآتية عربونا من الخليج.

لن نحتاج اذن إلى (22ـ20) وامثاله، اذا نحن اخترنا سبيل الاستمرار في الاصلاح وتعميق وتوسيع الانتقال الديمقراطي بميثاق جماعي وطني جديد.

البيضاء ماي 2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *