منتدى العمق

الحياة بين المظاهر اليومية والعشق المشترك الكوني

ثمة إحساس وشعور ينبع من دواخلنا نحو العيش المشترك، الذي يلوح في أفق التحايث مع الطبيعة والوجود والإنسان غايته العيش معا، ثمة حنين إلى عشق أبدي تتوق له الذات باستمرار ينبني روحيا وعاطفيا وداخليا، يسيل فيضا بالغبطة والبهجة تجاوزا لكل أشكال التيه المعاصرة والضغائن اليومية، بينما كذلك ثمة ضجيج يبعثه الارق الخفي والتجاعيد الواضحة في جبيننا وخدودنا الكئيبة، نسعى لنتغاضى عن ذلك بلهفة جنونية بفضل حياة العشق والمشترك والسلام والتفاؤل الذي نتوق له باستمرار في معيشنا اليومي، كما أنه ثمة إيلامات تعيشها الذات داخليا ونفسيا وجسديا بسبب واقع المعاناة والالم والقساوة واليأس، نسعى أيضا كي نطوي هذه اللحظات العصيبة بأمل وبعشق وبمشترك ينبع من دواخلنا، يجعل الذات الإنسانية تفوح سرورا ومحبة رغم أنها أبعاد مثالية نسيج بها ذواتنا بعيدا عن الإيلامات التي تفيض من سيل واقع متشظي عنفوانا، ونفاقا، وخيانتا، وقلقا، ويأسا، وشكلا مزيفا. لذا ثمة واقع أخر يبنى عقليا بأمل الحياة يبعث سرورا وبهجة من تعالي الذات عن واقع البؤس والمظاهر ، واقع السخط والنفاق، واقع السخافة والتفاهة، واقع الظلم والحكرة، في أفق سراب من عشق أبدي ننتجه لذواتنا يتجه نحو العالم الروحي الخالد الذي نتخيله في أذهاننا مقاوما كل فناء للجسد والجسم، عشق يتجه نحو أفق لا متناهي من فن الممكنات الروحية، والنفسية، والعاطفية، والشعورية في رحابة واسعة لا حدود لها، محاربين بكل وسائلنا وممكناتنا المقتدرة وبشغفنا اللامحدود الابدي الروحي المتعالي عن كل أشكال الحيف المعاصرة المبتذلة والمادية منه، واقعنا المقلق والاناني والغارق في الاغتراب عن حقيقته ولفوفها الصلبة الثابتة، بعشق أبدي كوني غير مرئي ولا مادي يسيل في عروق الذات داخليا في أفق بناء تعالي ثاني فوقي عن كل قلق مادي محسوس، يكون بين ذاتين أو بين ذوات مختلفة فكريا ودينيا وثقافة ونوعيا، من أجل التحايث والانسجام والالتحام بينهم متجاوزين كل أشكال الصراع والنزاع والحروب والعنصريات الضيقة، التي ينذر لها بالفناء مستقبلا لكونها لا تغرف من ينابيع المحبة الاصيلة والحب الوجودي للإنسان، بقدر ما تغرف من ينابيع وهمية غير صلبة سائلة جدا ليس لها أس يستميت بشكل مستمر ، لكونها تركز على بعد الكره والخساسة والتفرقة والتشنج بين الكائنات الإنسانية أملا في البقاء في حلبة الصراع الضيق، بين البشرية على ممكنات واهية ومادية تنفي إرادة الحياة في بعدها الأخلاقي والقيمي والكوني، وليس كما تصورها نيشته وشوبنهاور الذين مجدوا من قيمة الجسد والعواطف والإنفعالات والأحاسيس.

لذا هذا ما يسمى ضجيجا ينخر عالمنا الواقعي، يسمى استثناء في الأصل، لكن مع الأسف أصبح هو القاعدة حينما هيمن العقل الأداتي وقتل ذلك التوق الطبيعي للعيش في هدوء وراحة وطمأنينة وبهجة مع الذوات الأخرى أو مع الكائنات الطبيعية الاخرى التي لها الحق في التواجد الحياتي مع الانسان، لأننا في أخر المطاف كلنا كائنات وجدت في عالم أيل للسقوط في أحضان العدم، لكي نعيش معا سواسيا، وليس كي يطمح هذا الانسان المجحف لتنصيب ذاته ملكا على الطبيعة وعلى باقي الكائنات الأخرى، مما أدى ذلك إلى خلق شروخات كبرى سواء بين الكائنات البشرية ذاتها، أو سواء مع الطبيعة التي يكون لها ردود فعل قاسية في بعض الأحيان، وخير دليل عن ذلك هذا الوباء الكوني الذي اجتاح العالم بأسره يمر بالأخضر واليابس لا يعرف فروقات ولا اختلافات. لكن مقابل ذلك هناك توق ينبع من ذواتنا نحو الأعالي لحنين أخر كي يغطيه( الوجود البشري) حبا وعشقا وابتسامة وحلاوة وغنجا وغبطة، إنه حنين الاصل، حنين الحالة الافتراضية الطبيعية التي كان يعمها السلم والهدوء رغم بساطتها وسلاستها، يعيش فيها الإنسان في رحابة واسعة من الممكنات البسيطة والتلقائية بمعية الأغيار وباقي الكائنات الأخرى….

إنني هنا، في هذا الإطار الدلالي، لا أسعى كي أتجرد من ظل الواقع ومعاناة الناس وقلقهم تجاه قضايا المعيش والحياة واليومي، بهذا الكلام الغارق في التجريد والمثالية، بقدر ما أتوق فقط كي أكتب هذه السطور تعبيرا عن أملنا الذي لا زال ينبض ويسعى لكي يضع لنفسه مكان في ذواتنا توقا لهكذا حياة، ولهكذا رؤية للوجود، ولهكذا تفكير في الواقع رغم استحالة وجوده الواقعي، يفيض هذا الأمل من عمق أعماقنا الطبيعية التي تسعى دوما لتجاوز العراقل الاجتماعية اليومية، تلك التي وضعت ضدا على كل ذات تتوق للتحرر وللعيش المشترك، في فضاء فسيح لا يشوبه تشويه ولا تقصير ولا مجازفات بشرية في حق الحياة وفي حق استنشاق الهواء معا داخل هذه المعمورة المشتركة. طبعا قد سأمنا من كل شيء في هذا الواقع الذي تم معاودة بنائه من طرف الانسان المجحف والطامح بأنانيته، نحو الاعالي بدون حس نقدي وتفكيكي لهذا التطلع اللاعقلاني الذي سوف يلوح بنا لا محالة نحو المجهول و الهاوية، نحو تأسيس ايكولوجية الموت المشترك التي تلحق كوكبنا الارضي جراء التدخلات اللاعقلانية واللاحياتية فيه. سأمنا من الممارسات اللاشرعية واللاقانونية للسلطة، ومن الحيف المستمر عن حق الذات في التواجد بشكر حر وبإرادة مستميتة وبفاعلية يقظة وبهوية خالصة ومتعددة في الأن ذاته، تلك الممارسات التي تأتي من طرف القوى المحلية التي نسفت وجودنا الحياتي وإقتدارنا الوجودي الاصيل، أو سواء من القوة الرأسمالية التي أطاحت بنا في جحر ضيق يعاود تشكلينا حسب إطاره الغائي كما هو الحال لسرير بروكرست، تخندقنا في إطار يقتل كل إحساس برهافة الحياة وبأشواق الوجود الحيوي، يقتل كل إشراقات الذات المفعمة بالطاقة الجبلية الاصيلة الطابعة بميسمها لسيرورة حياتنا اليومية، وجعلها غارقة في مظاهر وأشكال خداعة أضحت فيها السعادة صناعة إشهارية وإعلامية كونية، إن صح التعبير أضحت كوجبة جاهزة في الإعلام ما عليك سوى تتبع طرق ووسائل وميكانيزمات الوصول إليها، التي يضعونها في شاشاتهم ضاربين عرض الحائط كل الاحساسات والاشراقات الذاتية، التي تنبع من دواخل الإنسان التي تختلف من هذا إلى ذاك، هذا ما جعل الهوة تزيد ابتعادا بين ذاتنا التي نعيشها ويتم صناعتها في شاشات التلفاز، وبين طبيعتنا الاصل التي طمست في مقبرة الاموات، لكل ما هو شعوري وعشقي وحبي، المصنوعة من طرف الرأسمالية.

لذا فواقعنا، مظهري، تجاري، مخيف، مالي، عنفواني، أناني، قاس، مؤلم، يعمه الضجر واليأس والقذر والانحطاط في جوانب الحب الحقيقي للذات وللأخرين ولباقي الانسانية عامة، يسيل من فرط النفاق المجحف من أجل المظاهر الجسدية والانانية الذاتية التي تعود جدورها لجوهر وماهية الرأسمالية، التي تسعى دوما لخلق إنسان بدون إحساس وشعور حبي وعشقي وروحي نحو الحياة وهم اليومي، بل تسعى لخلق إنسان ذي بعد واحد حسب هربرت ماركيوز، إنسان مستهلك وغارق في حب المظاهر والاشكال الزائلة، كما أنه يسيل كذلك من فرط الاكتراث من مغالاة الذات الظاهرية بأنانيات ضيقة عرجاء ومقيتة تقتل كل مشترك وجودي عام بين البشر، وإن صح التعبير بين كل الموجودات الكونية، لأن الإنسان يبقى جزء ضمن الأجزاء الاخرى التي تشكل هذا الكون الفسيح. إذن ثمة قلق وخلل ينخر هذا الواقع، ثمة سيولة وميوعة تهز أركانه من فرط انسيابه معا في مظاهر مزيفة، تقتل كل عشق، وكل محبة، وكل سرور، وكل محب، وكل عاشق، وكل معشوق، وكل محايث جسدا وذاتا مع الاخر أو مع الإنسانية جمعاء، حتى مع الطبيعة ذاتها التي نقطن فيها مؤقتا قبل أن تأخذنا إلى عالم أخر لا ندركه ولا نعلم عنه إلا النزير. هذا التعاطي اللحظوي مع هذه الاشكال المشكلة لعالمنا المعاصر تفكيكا وتحليلا وانتقادا، لا يعني أنه هو فقط الجانب الذي يحجب عنا نيران الحياة السعيدة والمشترك الكوني، وقتل فينا بناء العشق الكوني اللامرئي الذي يوجد أسه في كل ذات انسانية، ليس الإ ذلك الانحراف عن المسار الطبيعي حال دون بروزه وتم حجبه واهماله بكثرة الاشغال والهموم الحياتية المادية، بل فقط تم التركيز عنه لكونه هو النوع الاكثر بروزا من تجليات الرأسمالية المتوحشة في حلتها الجديدة، والذي يهتم فقط بالجوانب المادية والشكلية للإنسان، مما عمق من جرحنا الاصيل في الحياة، وعمق الفروقات بين البشر في الواقع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، وقتل كل ما يتصل بنبض الحياة الحيوية التفاعلية الشاملة بين البشر عامة في أفق العيش معا، وليس بمنطق “الانا أوجد” في أنانية مفرطة لها فقط أحاسيس وإشراقات ضيقة تدور في حلبتها الخاصة، تسعى لترضي ذاتها الأنانية دون مراعاة الذوات الأخرى، بل بمنطق “النحن نوجد” معا بأحاسيس مشتركة وكونية وإنسانية يجمعها ذلك الاس الاصيل، الذي يندفق و يندفع نحو الحياة والوجود في عشق مشتر ك أبدي لا مرئي للحياة وللطبيعة.

شرود الواقع، وتشظي الحياة، وعطب العالم، و قلق الوجود والاحساس بالمصير، ووهمية الأشكال اليومية، والطبقية الخانقة للضعيف مثلنا، يجب أن نتعالى على كل ذلك معا في مسرحة الاجتماعي، ببناء ذات جديدة مفعمة بالضحكات والابتسامات وهيجان دواخلنا سرورا ومحبة وعشقا وتوقا لذات تبنى، ينبع منها ذاك الوميض والبلسم الجمالي الذي ينخر الذات المقابلة لها، أو الإنسانية التي تشاركنا نفس المصير ونفس الطريق نحو المجهول. هاهنا يتوجب التعالي عن المحسوس والمادي والشكلي القاتل لكل ما هو شعوري وروحي ونفسـي، الذي جعل العالم يدخل في حلبة الصراع اللانهائي، في أفق بناء عالم داخلي مبني على العشق الأبدي الذي يتجلى في تحايث لامرئي بين الكائنات البشرية، ثم بينها وبين الطبيعة والكائنات الأخرى التي تشاركنا هم الوجود، ومبني كذلك عن الحب الجوهري بين ذاتين يتشاركان في نفس المسرحة الإجتماعية، متعالي عن المظاهر الخبيثة وعن التجاعيد المدللة لخدود تنبع منها ابتسامة الروح والنفس، أو متعالي عن كل شكل اجتماعي يصور لنا ذاته بأنه الحقيقة التي لا حقيقة غيره. نسائل باستمرار وبكثافة وبجرأة مثالية تجريدية نوعا ما، كيف نؤسس لعالم العشق الأبدي والحب الجوهري والسلم الكوني يكون فيه الكل سواسيا بعيدا عن المظاهر الوهمية المزيفة وعن الاعطاب المعاصرة وعن القلاقل الاجتماعية وعن القسوات والمعاناة اليومية التي غطت عالمنا الجميل، غطت عنه حقيقته وحميميته وجماله المتحايث مع جمال الإنسان الداخلي، وبين جمال الطبيعة الرائعة في أفق العيش المشترك والقبول الأزلي بينهما، غطت عنه ذاك السديم الاصل الذي يوحد الإنسانية جمعاء في سفينة واحدة تجمعنا معا ؟. فأمام ذلك السراب من القلاقل والمعاناة التي نعيشها هنا والان، يغدق إحساس من ذات مبتسمة خلاقة وتواقة إلى العيش الإنساني والعشق الازلي بعيدا عن أوهام الصور الخداعة.

من قال أن التجارة والمال فن الممكن، أما العشق الكوني الإنساني والمشترك هو فن المستحيل، كان على صواب، حينما كان يصف هذا المجتمع المعطوب والمنخور، حينما كان يصف هذا الواقع الغريب، واقع مبني عن التجارة وفنها وسيولتها وعن المظاهر والأشكال الوهمية، ضاربة عرض الحائط كل ما هو مبني عل الحب والانسانية والكونية والسلم واللانانية ولا نرجسية في كل أطياف هذا الواقع، الذي بإمكانه القضاء على كل المعاناة التي يعيشها الانسان حينما تجتمع الانسانية في مشترك العشق الروحي اللامرئي، وفي مشترك حب الإنسان كإنسان له الحق في الوجود الحر والارادي والفاعل، وتبتعد عن كل أنانية مجحفة أساسها هو الربح والسيطرة ولو على أجساد وحياة البشر.

ثمة إمكانية تجاوز العشق والمشترك كفن مستحيل، ثمة حيلولة دون الوقوع في فخ أسد الأشكال اليومية الذي يكرس أكثر الفروقات الاجتماعية ويوهمنا بالحياة السعيدة دون القدرة على كشف منطق السيطرة الخفي عن الإنسان من خلال الجسد والشكل ، إمكانية الترافع عن كل ما يؤلمك بمقدار ما تجعل الذوات التي تتوق شوقا للسعي كي تعيش عشقا روحيا ونفسيا وجسديا، عشقا مع الذوات الأخرى في عالم داخلي يبعد عن هذا الواقع الذي أعادت الرأسمالية تشكيله، والمفعم بكل أطياف السأم والقساوة، هذا العشق يتأسس عن الصدق، والمحبة، والصراحة، والسعادة، والسرور ، والبداهة، والانسانية والكونية، والايكولوجيا المشتركة، والبساطة، والمساواة، واللاتمايز، واللاظلم، واللاحكرة، واللامعاناة، يتأسس عن أطياف النفس الداخلية تنبع( تعبير مجازي) من مضخة الدم(القلب) نحو أعالي المخ في أفق خلق حياة ممتزجة بين العاشقين للذوات المتعددة انسجاما والذات نفسها التي تتوق إلى ذلك العيش المشترك، لا يقتصر الحب أو العشق الأبدي فقط عن حب ذات أخرى أملا في الانصهار معها جسديا بشكل ضيق مرتكزا على ما هو مادي، بقدر ما يسعى هذا العشق إلى ضم كل آنات العالم، وكل أنواع المخلوقات في دائرة الحب والحنان والشعور بالسلم والهدوء متجاوزا كل مظاهر النزاع والصراع، عشق عابر للقرات، عابر للجغرافيات، عابر لواقع خصوصي، عابر لمجالية محددة ضيقة، عابر لكل جسور سميكة، ولكل جدارت صلبة، عابرا نحو الأعالي ممسكا الذات من جهة، وممسكا العالم والطبيعة من جهة أخرى، ساعيا نحو حب مشترك يجمع شتات العالم في دواخله وفي جبلته وفي كينونته، مع ذات أخرى فعلا نعشقها بشكل متحايث مجاليا وزمانيا وتاريخيا، ومع ذوات أخرى تشاركنا هم الحياة والمعاناة.

نبحث عن تجاوز هذا الشرود الواقعي، والشروخ الحياتي، والنفور العالمي، والقلق الكوني، الذي لحق الإنسانية جمعاء بسبب طغيان الأحادية الضيقة والمزيفة في التفكير وفي العيش الحياتي، نبحث عن تجاوز هذا التناقض الحياتي الذي نعيشه بين مظهر زائف تم صناعته إعلاميا وافتراضيا، وبين جوهر يقبع في هامشية تركناه يقتات من لجة العدم نهايته وفنائه، إنه فناء قصدي وبإرادة سعى إليه إنسان العالم المعاصر؛ قتله مجازيا وتركه مهمشا، مستعيضا عنه بمظهر وهمي يخلق لك نشوة ولذة مؤقتة تنتشي فيها ببصيص من الفرح الزائل في آن ذاته، تاركا جوهر الحياة الكبير ذاك الجوهر الأبدي( العشق والمشترك) المتمثل في تجليات وفي أطياف متعددة في حياتنا كما سبقت الإشارة، منه الحب والسلم، والمحبة، والوئام، والصداقة الكونية، والسرور، والانسانية، والابتسامة الدائمة….، تجليات نفتقر لها ونفتقدها يوما بيوم في عالم الإكسسوارات المعاصرة والمظاهر والأشكال المزيفة من جهة أولى، وفي عالم يعمه القلق ومعاناة للإنسان الفقير والمغترب عن ذاته من جهة ثانية، وفي عالم غايته الربح والسيطرة المتوحشة من جهة ثالثة، وفي عالم يتم فيه التضحية بالإنسان والمشترك من أجل المال والسيطرة من جهة رابعة، وفي عالم الوجوه ذات الأقنعة المصطنعة والمزيفة في كل مجالات الحياة: في الجسد، في الممارسات اليومية، في الحوارات والنقاشات من جهة خامسة. هذه الاشكال المزيفة لم تترك شيء حتى اخترقته زيفا ووهما، اخترقت كل أطياف الواقع المتعددة والمختلفة والمتباينة، حتى ذلك الرابط الاجتماعي الذي كان هو الأس الذي تتأسس عليه حياتنا التقليدية المفعمة بالقيم والعادات البسيطة، التي تسعى دوما للعيش معا في مشترك تعاوني وإنساني، تم طمسه بسبب هيمنة الانانية الفردية التي تتيه فقط في سراب واقعي للبحث عن ملذاتها وشهواتنا، والبحث عن أشكال مزيفة تعلنها الشاشات الافتراضية بأنها تجلب السعادة للكل بدون عناء ولا شقاء جسدي، فقط بالضغط عن بعض أزرار الهواتف الذكية.

فلنكن عاشقين للحياة جوهريا وماهيتا. وروحا تنتشي من فيض ذات أخرى تتذوقها في أدق تجلياتها وأطيافها المتنوعة، فلنعاود تأسيس حياتنا من جديد على هذه الابعاد والاطياف الاصيلة المرتبطة أساسا بطبيعتنا الأصل، وعن ايكولوجية الحياة المشتركة، ولنمقت كل تلك الاشكال التي توهمنا العيش في سعادة دائمة، مما جعلت الهوة تتسع بين الذوات والكائنات البشرية، بين شخص يعيش في انتشاء عالي وفي برج عاجي يملك كل حاجيات وكماليات الحياة اليومية ضاربا عرض الحائط الغيرية، بل غارقا في أنانية مفرطة للغاية، وبين ذات أخرى تقبع في مستنقع الفقر والقلق والمعاناة والحيرة، تتألم في واقع طبقي اغتربت فيه عن ذاتها وعن تواجدها الاصيل، تعيش في عزلة من اليأس بسبب قساوة الواقع، الا يمكن أن يكون هذا العشق الابدي اللامرئي هو الجامع بين هذه الذوات في وحدة متكاملة حتى يعشن معا الحياة بصفاء وبهدوء وبسلم، من خلال معاودة ظهور ذاك الاصل المشاعي فينا الذي يتوق لنسف كل طبقية، وكل اغتراب، وكل فقر، وكل معاناة من محراب المجتمع، وتنتفي معه تلك الانانية المفرطة وتلك النرجسية التي تتمحور حول الذات وتنفي الأخر. عشق يتعالى كما قلنا عن هذه الاشكال اليومية المزيفة التي نتجت إنسان مفرط في أنانيته، وجعلته يلوح في أفق تلك الاشكال المغرية ضاربا عرض الحائط كل أطياف السلم، والغيرية، والحب، والأحاسيس الإنسانية التي يمكن أن تستمر وتنتج واقع حيوي تشكله أبعاد متعددة ومختلفة باختلاف الذوات للعيش معا في مشترك عالمي وكوني، رغم بعد المسافات والجغرافيات والأمكنة.

* طالب بسلك الماستر تخصص سوسيولوجيا المجال وقضايا التنمية الجهوية بالقنيطرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *