وجهة نظر

كيف أصبح الشاي الصيني والأتاي مشروبا وطنيا؟

يقال من الشاي للأتاي لكن، متى و كيف أصبح الشاي بالنعناع مشروبا وطنيا؟ كيف صار البشر مسكوناً بالشاي حد الثمالة، حتى صرنا لا ندري ماذا قد يقع لو توقف الشاي و السكر، من اضطرابات أو اكتئاب.. الأتاي اليومي صار معتادا و إدمانا.. شاي الضرورة المعيشية، شاي المناسبات، شاي المزاج، شاي المدخنين شاي المقامرين.. شاي البراد في الإبريق.. أتاي بطقوس بدون رزة بالرغوة بدون.. يبقى الشاي هو الأتاي و ألفة الحاضر لا تلغي غرابة الماضي عند النبش فيه..

تاريخ الشاي و اجتماعيته تحفظها أوصاف الرحالة فتاوى الفقهاء بيانات الأطباء و منظومات الزجالين و الشعراء.. يجمعون أن الشاي كلمة صينية و الأتاي The كلمة أوربية، أما علاقة المغاربة بالشاي فعلاقة تملُّك رمزي لمادة أجنبية حتى صار ذلك المشروب المستحدث مترسخا في الوعي الجمعي و تصوره الآخر عنا أنه من عناصر الهوية متوهما أن استهلاكه متجدرا في الماضي.. و السؤال كيف بدأ ذلك؟

* الشاي صيني أو هندي

الشاي من الكلمة الصينية “شا” و هناك فرق في طريقة حصاده وتجفيفه و تصنيعه بين “الشاي الصيني” و”الهندي” أو “السيلاني” يبدو كأننا نتحدث عن شاييْن مختلفيْن جذريا، لكن لا أحد يدري هل للتجارة القديمة دور في نقل تلك الثقافة للمغرب الأقصى، و المرجح أن لندن هي المستورد المصدر، باعتبار الإمبراطورية البريطانية بسطت سيطرتها على الهند وأجزاء واسعة من محيطها المشهور بزراعة الشاي، واحتكرت بالتالي تجارته.

* كتب التاريخ تحكي عن البدايات

تقول الكتب الشاي دخل المغرب عهد السلطان العلوي المولى إسماعيل 1645/1727م، حين تلقى أكياسا من السكر و الشاي ضمن ما تلقاه من المبعوثين الأوربيين، كان خيارا ذكيا؛ السكر و الحلاوة و الشاي مدخلا مقدمة لحديث إطلاق سراح ما عنده من أسرى أوربيين، كان الشاي فأصبح الاسم الأتاي بالأفرنجية ‘‘تي الأتاي The’’.

هكذا بدأت القصة من الشاي الى الأتاي، و تدريجيا صار المشروب النخبوي المشروب الوطني للمغاربة، في أولى انتشاراته استعمل الشاي بديلا للإقلاع عن شرب الخمور قيل أن أحد السلاطين كاد يموت لولا شربه الشاي، يذكر المؤرخ و الرحالة عبد الكبير الفاسي ‘‘تذكرة المحسنين’’ يحكي قصة ظهور الشاي في المغرب في سياق حديثه عن السلطان سيدي محمد بن عبد الله و في أيامه» أظهر الله بالمغرب عشبة الأتاي بسائر أقطاره.. و لم يزل يبذل المجهود من إشاعته و تكثيره و إذاعته، إطفاء لما شاعت به البلوى من شرب الخمور.. حتى نسخ الله تلك الظلمة بهذا الضياء، و أبدل الله ذلك الحرام الذي شربه العلماء و الأولياء«.

يضيف الكاتب: » و يقال أن أول من شربه بالمغرب عم السلطان المذكور، مولانا زيدان بن مولانا إسماعيل. كان خليفة من والده المذكور بثغر آسفي. و كان شريبا حتى أكسبه الشراب ألما عجز الأطباء عن معالجته، فجيء بحكيم نصراني فأمعن النظر فيه فقال: لابد من تخليه عن الشرب. فلم يجد إليه سبيلا، فأتاه بشرب الأتاي. و لم يزل يحسنه إليه فعوفي بقدرة الله«.

* صار الشاي عادة و تدور حوله الحياة

الشاي في بلاد انطلاقه يشربونه بدون سكر، إلا أنه ارتبط في المغرب بالسكّر و الحلاوة ثم صار الشاي المغربي مميزا برائحة النعناع (بأنواعه المكناسي و العبدي.. بـ؛ السالمية فليو الشيبة و غير ذلك من الأعشاب الطبية و العطرية التي تنضاف لحبوب الشاي). للشاي حضور كبير في الإبداع المغربي التقليدي، خصوصا في الشعر الغنائي، وقد نظمت حوله قصائد ذكر في الأهازيج و الزجل، يقول الشاعر سليمان الحوات الشفشاوني: ووقته وقت سرور وانبساط/ وحيثما دعا لشربه النشاط/ وقت الصباح عندهم مستحسن/ لكنه بعد العشاءين أحسن!.

‘‘عدة الشاي’’ تدور حولها الحياة، في القصور الخيام المقاهي الأوراش.. له في التراث الأدبي المغربي ذكر دائم في روايات و قصص تحكي عن طقوس شربه. الصينية و الإبريق الفضيّيْن والكؤوس الملوَّنة، يسكب برغوة تشغل ربع الكأس.. عند الطبقات العريضة أباريق؛ الألمنيوم المعدن و حسب الحاجة و المكان.. يقدم بطقوس أو بدون المهم أن يكون ساخنا حلواً.. هناك من ينعته بـ ‘‘شاي الأكل’’ يوضع على النار صباح مساء.. ‘‘شاي الضرورة’’ و هناك ‘‘شاي المزاج’’ للمدخنين للمقامرين؛ شاي المعدة لا شاي الدماغ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *