وجهة نظر

الابداع الفني في زمن كورونا

كثرت اقلام الاتهام الموجة ضد ابداعنا المغربي وخصوصا في مناسبة شهر رمضان، الذي يشكل فرصة لعرض اطباق متنوعة من الابداع الفني والذي شكل طفرة بعد دخول الانتاج القادم من الشرق بامكانيات ضخمة، الا انها تبقى ضعيفة بمقارنة مع العديد من الدول ومنها جارتنا تونس . لذلك سنعرض لبعض الكليشهات الفنىة التي تحتاج الى اعادة النظر لا على مستوى المضمون ولاعلى مستوى الاخراج الفني ولا حتى على مستوى الاداء الدرامي .

كما ان هذا التنوع الدرامي رغم انه تنوع ناقص على اعتبار هناك وحدة الموضوع وغياب النقد الموجه لمثل هاته العروض التي اصبحت تشكل استثمارات مهمة تساهم في انعاش الحركية الفنية والثقافية بالمغرب، ليبقى سؤال الثقافة في المغرب، يحتاج الى وقفات متعددة .

ولذلك سنختار انتاجين دراميين مختلفين لتحليلهما واعمال نوع من النقد المبني على الرغبة في اثراء نقاش بين متتبعي هاته الفقرات الفنية.
بنات سلامات انتاج فني بلمسة مشرقية

مسلسل “سلامات أبو البنات”، من تأليف وإخراج هشام الجباري، ومن بطولة محمد خيي والفنانة، السعدية لديب والفنان الشاب، عمر لطفي وبشرى أهريش، الفنان بشير عبدو، والفنان ياسين احجام.

وتدور أحداث المسلسل الدرامي “سلامات أبو البنات”حول أب لثلاث بنات يدعى “المختار سلامات” وهو الدور الذي يقدمه الفنان، محمد خيي، إذ يحاول هذا الأخير، أن يقترب من بناته الثلاث، بعد تقاعده من عمله كمراقب بالسكك الحديدية، محاولة تقرب “المختار سلامات” من بناته، جعلته يكتشف أن غيابه الذي استمر لسنوات طويلة عنهن، قد غير الكثير من الأفكار والعادات وخصوصا عندما يباشر استعدادات حفل زفاف بناته، وتتوالي الأحداث بصورة درامية شيقة يغلب عليها الطابق الكوميدي.

جديد الدراما المغربية انها استطاعت التعامل مع طابوهات مغيبة اومسكوت عليها مثل البيدوفيلية والتحرش والاجهاض، استطاع المخرج الشاب ان يتميز في ايصال الفكرة بصورة لا تعري الواقع بل تمارس نوعا من المواجهة. التي استطاعت ان توقف الوحش الغريزي الذي لايحتاج الى اظهاره بل الى المواجهة التي كانت نهايتها منصفة للجميع و الذين هم كانوا من ضحاياه .

مسلسل ياقوت وعنبرجرأة في المضمون وابداع في الشكل

رغم ان القصة مستوحاة من ابداع الاستاذ عبدالسلام البقالي من قصة”النوارس” ، الا ان اجتماع ثلاثي موهوب _ كالممثلتين سامية أقريو ونورا الصقلي وجواد لحلو _اعطى قوة للحوار الدرامي، خصوصا ان البناء الدرامي يكون اكثر قوة واثارة وجدب للجمهور، ناهيك ان قضية المرأة حاضرة في جميع حلقات المسلسل، وحتى رمزية العنوان فيه من الرسائل التي تريد الانتصار للمرأة التي تدافع على نفسها بكل الطرق، أمام هذا الجبل من الاحكام والسلوكات المجتمعية التي بدت ظاهرة وجلية في احداث المسلسل، من اول فكرة ماكرة تنقذ اسرة عنبر من الانهيار، بسبب الذكورية التي سيطرت على الزوج الذي كان يحس بنوع من عدم الامان، هذا التحول في العلاقات سيكون له اثر حتى على الابناء، لكن ما يقدم المسلسل من احداث متتالية جعل من الصعب الخروج بفكرة واضحة عن هذا المسلسل الذي أشرف على إخراجه محمد نصرات، الذي شكل بداية لاعادة احياء مسارالدراما المغربية المتلفزة مع المنافسة الخارجية للدرامات المدبلجة، خصوصا وان نسبة المشاهدة كانت مرتفعة، حيث انه حسب آخر إحصائيات مؤسسة “ماروك ميتري” المختصة في قياس نسب المشاهدة، من سادس ماي الجاري إلى 11 منه، فإن مسلسل “ياقوت وعنبر”، الذي يُبث على “الأولى”، لمخرجه محمد نصرت، تصدر قائمة البرامج الأكثر مشاهدة على القناة الأولى، بنسبة مشاهـــدة تصل إلى 47,6 في المائة، و8. 8 ملايين مشاهد.

من جهة ثانية، لا بد من التنويه ان السمة المتميزة، لهذا العمل الفني هي الوجوه الشابة التي هي بداية للمصالحة الفنية مع الذوق المغربي الذي لن يعبر عنه بصدق الا هذا التحول في الممارسة الفنية بالمغرب، ولذلك كان اشراك هاته الفئة استجابة لمطالب العديد من الفنانين والمتتبعين بإعطاء فرص للشباب الموهوب الصاعد، في الإنتاجات الوطنية ليقدموا ما في جعبتهم للجمهور المتعطش لأعمال مغربية تحكي واقع فئات مجتمعية تعيش بين التهميش والمعاناة، وغياب التوجيه الاجتماعي مساهمة في خلق نوع من الوعي الفني تجاه هذه الفئات.

والرسالة الاخيرة انه يمكن ان تكون انطلاقة حقيقية للابداع الفني سواء ابان الازمة اوفي الحالات العادية، علة اعتبار ان هناك شح في السيناريست وكذا ضعف الانتاج، وارتباط الابداع بمواسم محددة بعينها وليس عملا دائما، مما يؤثر حتى على العاملين في القطاع.

سوحليفة صناعة التنمر الطفولي

رغم الانتقادات التي وجهت الى هذه السلسلة التنمرية في قالب فكاهي الا انها استطاعت ان تفرض ذاتها لان غاية الانتاج التلفزي هو تحطيم ارقام قياسية لنسب المشاهدة، رغم ما قد يعتري المنتوج من اشكالات تؤثر على الناشئة، كما ان الابقاء على نفس المضمون يدل على ازمة نص مسرحي بسبب احتكار العمل وعدم الانفتاح على نصوص حوارية كان تساعد على اخراج هذا المنتوج من قالب نمطي يتسم بنوع من الملل.

سوحليفة ليست تميز او ابداع بقدر ماهوالا نتيجة لواقع مغلق ولا يعبر بصدق على تطلعات الطفولة المغربية التي هي متنوع الاذواق والافكار، وفي غياب الحافز وغياب الام، تصبح هاته الطفلة ضحية لانتاج لايحترم الخصوصية ولا يحترم الوضعية بقدر ما يتعامل مع منتوج تسويقي يثير ويشد الجمهور اليه، وحينها وفي غياب فحص لجودة المنتوج المغربي تصبح مثل هاته الانتاجات هي السائدة والغالبة نرغم ان هناك انتاجات فنية قوية وصادقة ولكنها لم توفق بسبب مساطر وضوابط يتم الحسم بهافي قبول الانتاجات او رفضها.

هل اضحكت سوحليفة اطفالنا؟ الاجابة على السؤال واضحة ولكن ماقدمته من قيم تغرس في هذا الجيل، هل القوة في الخطاب او التنمر اللفظي المزاجي لطفلة صغيرة من شانه ان يعالج اشكاليات الطفولة بالمغرب، ام سيزيد من تشردها وجنوحها، اذن هل يرغب الكوميدي الشاب خريج برنامج كوميديا ان يقدم انموذج الطفل المغربي الخارق، الذي يعيش بلسان غير لسانه، وفي واقع ليس واقعنا انها بالفعل جناية في حق الطفولة المغربية وجناية في حق الانسان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *