وجهة نظر

صلاة جنازة على موت ظالم

ترجمه من الفرنسية، محمد مستعد
مات عبد الرحمن اليوسفي رحمة الله عليه. مات رجل سياسة عرف بمثاليته على مستوى الأخلاق، وعلى مستوى علاقته بالمال وإغراءاته. غادرنا مواطن صادق، بتواضع وهدوء، وبدون ضجيج.

المؤسف هو أن التاريخ لا يحسم بالفضيلة أو البراءة، ولكن التاريخ يكتب من خلال التحديات الجماعية، والإنجازات الكبرى، والمخاطرة. ونحن هنا تحديدا أمام حالة نموذجية، أمام مناضل، ورجل حمل السلاح، وأمام مقاوم مشهود له لكنه أصبح مع مرور الوقت، وحيدا بسبب حزب تخلى عنه، ونتيجة الانشقاق، الدموي أحيانا، لأصحابه المقربين منه. وهكذا وجد نفسه وسط الصحراء، وفي ظل العديد من التغييرات الداخلية والدولية، وصار فريسة يسهل الانقضاض عليها، عبر إغراءه بسراب انتقال قد يكون هو صانعه الرئيسي. ولكن في النهاية سيتم استخدامه فقط من أجل عبور نهر كان يهدده تيار عاصف، وليتم بعد ذلك نسيانه على الجانب الآخر، أي على ذلك الجانب الذي لا ينظر إليه التاريخ، أي جانب المنهزمين.

إن تاريخ اليوسفي ليس تاريخا فرديا فقط. والاكتفاء بقصة مسار الرجل لا يعني فقط ألا نوفيه حقه عبر إنزاله إلى مستوى المواطن العادي، أي مستوى الرجل النزيه، ولكنه يعني أيضا أن نحرم أنفسنا من فهم ما جرى. فالتاريخ لا يرحم، لا يراعي أي أحد عند الهزيمة، ويواصل طريقه بدون أن ينظر إلى الخلف عندما لا يتعلق الأمر بالمنتصرين. لقد كان أمرا رهيبا ومؤلما ورمزيا للغاية أن تأتي وفاة سي عبد الرحمن ونحن في قلب هذه الجائحة، وهو ما حرمه من موكب جنائزي يليق بحجمه. كان سيكون موكبا كبيرا بدون شك تذرف خلاله الدموع بغزارة، ليس فقط حزنا على موته، ولكن من أجل البكاء على موت المعارضة، وعلى نهاية مرحلة سندفنها تحت التراب. وبمعنى آخر، إن الوحدة التي عانى منها هذا الرجل نتيجة تفكك حزب، وحلم، استمرت إلى غاية النهاية، أي إلى غاية الوفاة. إن التاريخ عاهرة لا ترحم عندما تأخذها الرغبة، وعندما تبيع نفسها لمن يدفع لها أكثر.

لكتابة التاريخ، ولصنعه، ينبغي أن تكون جزءا من حركية ما، ومن اتجاه معين حتى ولو كان ذلك على مستوى الحلم، ولكن شرط أن يكون حلما قائم الذات. فعندما أنهى غيفارا الثورة الكوبية، وهو إنجاز كان كبيرا، دشن حربا للعصابات في جبال بوليفيا. ومات هناك بعد أن وشى به أحد الرعاة – ألم يقل جوزيف برودون إن الشعب مجرد قمامة – ورغم ذلك دخل غيفارا التاريخ الكبير وبصورة نهائية، حيث كتب أسطورة جميلة، أسطورة لن تموت أبدا، لأنه كان رجلا وسيما لم يخدعه منصب وزير، ولأنه كان رجلا محاربا في روحه وجوهره، وبقي كذلك إلى غاية النهاية.

إن التاريخ الكبير بالنسبة لليوسفي كان قد بلغ ذروته خلال مرحلة المقاومة، أما تاريخه الشخصي، تاريخه الحقيقي، فقد كان مكتوبا مسبقا وبشكل مرموز عند إقالة عبد الله إبراهيم، ومكتوبا بشكل أكثر وضوحا عند وفاة بن بركة وعمر بنجلون.

المشكلة هي أنه إذا كان اليوسفي قد مات، ولتكن الجرأة لنقول إنه مات وحيدا، فإنه ليس إلا صورة لكل أولئك الذين حلموا مثله ومثلنا جميعا بمغرب ديمقراطي. فكل واحد منا اليوم يشق طريقه بمفرده وسط صحراء قامت الجائحة في ظلها بالحجر على كل شيء، وهي تلوح بفزاعة الموت أمام أنظار كل أولئك الذين كانوا ما زالوا يؤمنون بالمهدي المنتظر. إن وفاة اليوسفي لا تعني فقط نهاية الحرية بل تعني أيضا نهاية سرابها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *